إن هذا الصمود الأسطوري للشعب العربي الفلسطيني، بعد مائة عام على وعد بلفور، وسبعين عاماً على الاحتلال الصهيوني لفلسطين، قلب كل أحلام الصهاينة في إخلاء فلسطين من سكانها أصحاب الأرض الأصليين.. ومع اقتراب عدد العرب الفلسطينيين من أن يصبح أكثر من عدد المستوطنين الصهاينة في العام 2023، رغم كل موجات الهجرة اليهودية للإخلال بالتوازن الديمغرافي لمصلحة الصهاينة، يجد القادة الصهاينة صعوبة كبيرة في تحقيق مخططاتهم الاستعمارية بمحاولة تصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حقوق الشعب الفلسطيني عبر فرض تنفيذ صفقة القرن الترامبية، فالمشكلة التي تواجه هؤلاء الصهاينة، والتي عبر عنها المتحدثون في مؤتمرات هرتسيليا، تكمن في ما أسموه القنبلة الديمغرافية، فإن هم أصروا، كما يفعلون اليوم، على تصفية حق العودة وتهويد كامل القدس وإعلانها عاصمة للدولة الصهيونية العنصرية، وانهوا ما سمي بحل الدولتين، فإن دولتهم ستتحول إلى دولة تمييز عنصري في ظل وجود غالبية فلسطينية على أرض فلسطين ستبقى تقاوم وتواجه الاحتلال وعنصريته في آن، وهي مدعومة من الرأي العام العالمي والكثير من دول العالم التي ترفض عودة إحياء نظام التمييز العنصري، الذي احتفل العالم بوضع نهاية له مع إسقاطه في جنوب إفريقيا بفعل النضال الوطني للشعب هناك على مدى عقود من الزمن..
وإن تحولت دولة الصهاينة إلى دولة ثنائية القومية، تجنباً لعزلة دولية ستواجه دولة التمييز العنصري، فإن هذه الدولة ستتحول عبر الانتخابات الديمقراطية إلى دولة يسيطر عليها العرب الفلسطينيون.. هذا هو المأزق الذي يواجه كيان الاحتلال الصهيوني ويجعله في حالة تخبط وقلق من المستقبل، خصوصاً أنه عجز عن القضاء على مقاومة وانتفاضة الشعب العربي الفلسطيني ولم يتمكن من إخضاع قطاع غزة، على الرغم من الحصار الجائر الذي فرضه عليه منذ عام 2005، بل إن هذا الحصار أدى إلى تعزيز قوة المقاومة الردعية للاحتلال واعتداءاته وكذلك تطوير وسائل المواجهة الشعبية ضد الاحتلال من اجل إنهاء الحصار وإحباط أهدافه، وما نشهده اليوم من تنامي مأزق حكومة العدو إزاء الانتفاضة الشعبية المتواصلة في مواجهة جيش الاحتلال على تخوم قطاع غزة، إنما يعبر بشكل واضح عن إرادة شعبية فلسطينية لا تلين في المقاومة والانتفاضة وعدم الخضوع لإرهاب المحتلين وشروطهم وإملاءاتهم لفك الحصار..
هكذا هو شعب فلسطين يصنع من معاناته قوة ومقاومة ويقلب المعادلات ويحبط وعد ترامب المكمل لوعد بلفور، مؤكداً أنه لن يتخلى عن حقوقه الوطنية في كل فلسطين المحتلة، وأنه مهما طال ليل الاحتلال فإن فلسطين ستتحرر والحق سيعود إلى أصحابه.. هذا هو الدرس الذي أكدته ثورة الشعب العربي في الجزائر ضد المستعمر الفرنسي الذي مكث على صدور الجزائريين 130 سنة ورحل بقوة المقاومة، وأكدته أيضاً مقاومة الشعب العربي في لبنان التي نجحت في طرد جيش الاحتلال من الجنوب والبقاع الغربي، وتردع اليوم العدوانية والأطماع الصهيونية في مياه ونفط لبنان، كما كانت قد أكدت الدرس نفسه ثورة الشعب الفيتنامي ضد المستعمر الأميركي، إلخ.. إنها إرادة الشعوب التي ترفض الرضوخ لمحتلي أوطانها وتقرر مواصلة المقاومة لتحريرها لا يمكن أن تلقى مصير شعب الهنود الحمر.الوطن القطرية