شكلت ملاعب الجزائر، خلال الأعوام الأخيرة، منابر لجماهير كرة القدم الجزائرية، لإطلاق أغاني رياضية ذات دلالات اجتماعية وسياسية تنتقد السلطة، وتعكس حقيقة الواقع المعيشي بحسب مختصين.
ولا تخلو مباريات الدوري الجزائري لكرة القدم، بدرجتيه الأولى والثانية، من تأدية الجماهير بشكل جماعي وحماسي لأغانٍ سياسية تشرّح الواقعين الاجتماعي والاقتصادي، الذي يعيشه الجزائريون.
وهناك أمثلة كثيرة من هذه الأغاني مثل “بابور اللوح” (سفينة الخشب)، الأغنية التي يؤديها مشجعو نادي اتحاد العاصمة الجزائري.
“بابور اللوح” و”في سوق الليل”
وتبدأ كلمات الأغنية بالقول: “أوو أوو أوو مارانيش قادر نحمل هاذ لعذاب والزمان يطول عليا (لست قادرا أن أتحمل هذا العذاب والزمن يطول علّي)، (كل ما فعلته لم يصلح رغم أنّ تفكيري صائب).”
كما تقول: “impass لمعيشة هاديا، ونقول خلاص، والغلطة نعاود نديرها 1000 (fois (mille، هذه المعيشة فراغ”، (أتجاوز هذه المعيشة، وأقول انتهى، والخطأ أعيده ألف مرّة، هذه المعيشة فراغ).
وتضيف: “خليني نروح قلبي مجروح، خليني نروح في بابور اللوح (دعني أهاجر، قلبي مجروح، دعني أذهب في سفينة من خشب)”.
كما تضيف: “الحكاية تكبر، ما لقيتلهاش حساب، لفراق تحتم زاد داني، ما نقدرش نولي، ياك تعرفي الجواب، (الحكاية تكبر، لم أجد لها حلاّ، الفراق أصبح محتما، وأكثر من ذلك أنه أخذني، لا أستطيع العودة، تعرفين الجواب).
وتستطرد: “ابني لحباس، لمرا تخدم، والشبيبة راقدة (شيدّ السجون، المرأة تعمل والشباب نائم)”.
وتختتم: “خليني نروح في بابور اللوح (دعني أذهب في سفينة من خشب)، أوو أوو أوو”.
وفي 2017، أطلق جمهور فريق مولودية الجزائر أغنية سياسية حققت رواجا كبيرا تحت عنوان “في سوق الليل”.
وتقول في بدايتها: “قولي علاش نقولك شوف لتحتا (قل لي لماذا؟ أقول لك انظر للأسفل)، كاين لي فطر وما تعشاش (هناك من تناول الغداء ولم يتعش)”.
وتضيف: “قل لي كيفاش أقول لك جاية هاكدا، لي حاكيمنها ما خلاوش (قل لي لماذا؟ أقول لك هي هكذا، حكامها (أي البلاد) لم يتركوا شيئا”.
وتتابع “قل لي وقتاش (قل لي متى) أقول لك هذه مدة، ليسونسيال أنا ما نشفاش (المهم أنا لا أتذكر)، قاع ما عشناش، حلوا باب القنطة (لم نعش أبدا، فَتحوا باب القنوط)”.
وتستطرد: “مادام غلقوا باب التقلاش (مادام أغلقوا باب الرفاهية)، أواه أواه جامي ننسى الباسي، وعلينا كيفاش تبدل الحال (أبدا لن أنسى الماضي، وكيف تغير علينا الوضع)”.
وتسدل ستارها الأغنية، بكلمات رياضية تشجيعا لفريق المولودية “والله يا لميمة نحب المولودية هدا مكان. (والله يا أمي أحب المولودية هذا فقط)”.
لماذا تغني جماهير الكرة السياسة؟
وقال المختص الاجتماعي محسن بن عاشور، إنّ “ما تؤديه جماهير الكرة الجزائرية من أغانٍ يعبر عن المواطن البسيط والواقع المعاش”.
ما تؤديه جماهير الكرة الجزائرية من أغانٍ يعبر عن المواطن البسيط والواقع المعاش
وأضاف بن عاشور، أنّ “المواطن بصفة عامة هو مسكين (مغلوب على أمره) يحب التعبير عما يحسه بترجمة همومه ومشاكله على جدران الشوارع والأرصفة والفضاءات الافتراضية، أو وسط مجموعة” كما في ملاعب كرة القدم.
وأردف المتحدث أنّ “سُبل التعبير هذه يراها، البعض خوفا ويراها آخرون جبنا”.
وأشار بن عاشور، إلى أنّ الكلمات السياسية التي تصدرها جماهير الملاعب تعكس حقيقة المواطن المغلوب على أمره الذي لا يستطيع كشف همومه جهرا إمّا خوفا أو حياء أو احتراما.
ولفت إلى أنّ أغاني مشجعي الكرة الجزائرية لها دلالات سياسية واجتماعية واقتصادية تنم عن وعيهم ووعي المواطن بصورة عامة بما تشهده البلاد من قضايا ومشاكل.
وأوضح المتحدث، أنّه يفترض من الحكومة أن تكون ذكية وتسمع لمثل هذه الأغاني الناقمة على الوضع العام، والتي يصدرها المشجعون فوق المدرجات.
أزمات دبلوماسية بسبب أغاني ولافتات المدرجات
بدوره، قال محمد بلقطار، صحافي بالقسم الرياضي لجريدة الفجر (خاصة)، إنّ الأغاني السياسية في الملاعب الجزائرية تحولت إلى منبر لقصف وانتقاد المسؤولين.
وأضاف بلقطار: “من يوم لآخر يثبت المناصر الجزائري إدراكه الكامل للوضع الذي تعيشه البلاد”.
الأغاني السياسية في الملاعب الجزائرية تحولت إلى منبر لقصف وانتقاد المسؤولين، ومن يوم لآخر يثبت الجزائري إدراكه الكامل للوضع الذي تعيشه البلاد
وأردف: “مجموعات الألتراس، في ملاعبنا ظاهرة ملفتة للنظر، خاصة بعد ترويجها لشعارات وأغانٍ ذات طبيعة سياسية”.
وأشار بلقطار، إلى أنّ “المدرجات تحولت إلى منبر لتمرير الرسائل إلى المسؤولين، للتعبير عن الواقع ونقد السلطة وطريقة تسييرها للبلاد”.
ولفت إلى أن مشجعي الفرق يتفنون في ترجمة واقعهم بطريقة بسيطة تؤكد فهمهم لأسباب التراجع الذي تعيشه البلاد خصوصا على صعيد التكفل بالشباب.
وأوضح المتحدث، أنّ رابطات مشجعي كرة القدم الجزائرية، توجه رسائل متعددة كالمطالبة بالعيش الكريم والحرية وتندد بالظلم والفساد.
ووفق المتحدث: “هذا الأمر يدفع كثيرا عناصر الأمن للتدخل لمنع الأنصار من تعليق رايات يعتبرونها عادية في حين تراها السلطة تعدّيا عليها”.
ويعتقد نبيل بلحيمر، صحافي بالقسم الرياضي لجريدة الشروق (خاصة)، أنّ “الملاعب حاليا تعدّ المنفذ الوحيد أمام الشباب للتعبير عما يختلج في صدورهم”.
وقال بلحيمر: “يستغلون المكان لتمرير أفكارهم السياسية بالهتافات والأغاني وحتى بالرايات واللافتات، بعد أن سدت في وجوههم الأبواب”.
وأردف: “ما نشهده حاليا في ملاعبنا من شتم وعنف، هو نتاج لأفكار متداولة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، لا علاقة لها بتقاليد وأعراف الجزائريين”.
وأوضح أنّ “المشاكل الاجتماعية وظهور الطبقية والعشرية السوداء (سنوات الإرهاب في تسعينات القرن الماضي) سبب بارز في ذلك”.
وعلق قائلا: “جماهير الكرة الجزائرية ورغم أنها كثيرا ما تسببت في أزمات دبلوماسية مع دول (بعد ترديد أغاني وشعارات وصفت بالمسيئة لقادة دول)، وسببت حرجا كبيرا للحكومة التي اضطرت غالبا لتقديم اعتذارات رسمية للحفاظ على علاقاتها مع هذه الدول”.
وتابع: “ولكن موقف الحكومة إزاء ما يحدث في الملاعب يطرح تساؤلات، خاصة حول عدم قيامها بسن قوانين ردعية تمنع الجماهير من هذه الهتافات والأغاني”.