ما إن عقدت طهران اتفاقها النووي في منتصف عام 2015، حتى تنفّس الإيرانيون الصعداء، بعد سنوات من الحصار الإقتصادي والسياسي. رأى الإيرانيون في هذا الاتفاق باب أمل جديد يدخلهم إلى العالم. إلا أن هذا الأمل ما لبث أن تناثر بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من هذا الإتفاق في أيار من العام الحالي، لتتبدد معه كل الطموحات بالإرتياح الاقتصادي.
يومان يفصلان إيران عن موعد الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية في الخامس من تشرين الثاني المقبل، والتي ستشمل هذه المرة بشكل أساسي القطاعات المصرفية والنفطية. وتترقب الأوساط الإقتصادية والرسمية مسار الأوضاع في البلاد بعد هذه العقوبات، إذ من المتوقع أن تهبط صادرات النفط الخام الإيرانية إلى 1.15 مليون برميل يوميًّا بحلول نهاية العام، بعد أن كان نحو 2.5 مليون برميل يوميا في منتصف 2018.
في خطوة استباقية لهذه العقوبات، أقدمت السلطات الأسبوع الماضي على بيع 280 الف برميل من النفط الخام في البورصة الايرانيّة، للمرة الاولى منذ مرور 7 أعوام، بقيمة 74.85 دولار للبرميل الواحد. وتضم الكمية 8 شحنات تضم 35 الف برميل لكل منها بالتعاون مع شركة النفط الوطنيّة الايرانيّة. واعلنت البورصة الايرانية أنها بدأت بعرض شحنة تضم مليون برميل من النفط الخام.
الولايات المتحدة الأميركية قرّرت وفي محاولة لاحتواء أي تأثير على أسعار النفط العالميّة بعد بدء العقوبات ان تسمح لثماني دول شراء النفط من إيران دون فرض أيّ عقوبات، ابرزها اليابان والهند وكوريا الجنوبيّة.
أوروبياً، تبقى فرنسا من أبرز الجاهدين للحفاظ على أفضل العلاقات الإقتصاديّة مع الجمهوريّة الاسلاميّة، ليس كرمى لعيون طهران بالتأكيد، إنما لمصالح إقتصادية يمكن لباريس الإستفادة منها. وفي هذا السياق، جاءت زيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى طهران مطلع الأسبوع الحالي للبحث في السبل القانونيّة للإلتفاف على العقوبات الأميركيّة، خصوصاً في المجال المصرفي، إضافة للتأكيد على ضرورة إحياء الإتفاق النووي الإيراني.
داخلياً، الوضع ليس كارثياً، إلا أنه ليس وردياً أيضاً. فالتوترات بين الخندقين الإصلاحي والمتشدد باتت واضحة، خصوصاً بعد التصريح الذي انتشر للقائد السابق في الحرس الثوري الإيراني سعيد قاسمي والذي اعتبر فيه أن “الرئيس الإيراني حسن روحاني لن يرى السنة الجديدة في التقويم الفارسي (أي في آذار المقبل)” ما اعتبره البعض تهديداً من قبل المتشددين للإصلاحيين. في المقابل، كان لافتاً التصعيد من قبل الإصلاحيين للمطالبة بالإصلاح قبل “فوات الأوان”، وهذا ما جاء على لسان زعيم هذا التيار رئيس الجمهورية الأسبق محمد خاتمي.
وبعيداً عن السياسة، الوضع الإقتصادي في إيران يتخبط أيضاً، صعودا وهبوطا، ويبدو ذلك واضحاً مع الاختلال الحاصل في سعر صرف التومان المتأرجح. فقيمة العملة الإيرانية تراجعت خلال الأشهر القليلة الماضية ووصلت إلى معدلات قياسية، كما تباطأ النمو الاقتصادي في البلاد فيما سجلت البطالة والتصخم معدلات مرتفعة.
العارفون بالإقتصاد الإيراني، يدركون جيداً أن العقوبات الأميركية وحدها ليست سبباً لما آلت إليه الظروف الإقتصاديّة، خصوصاً وأن هذه العقوبات يمكن اعتبارها أحادية الجانب من أميركا. فالمشكلة الأساس في إيران تكمن بالفساد المستشري في المؤسسات الرسميّة والاقتصاديّة، وهذا ما دفع السلطات الإيرانيّة إلى اتخاذ قرارات حاسمة في هذا الموضوع وإلقاء القبض على عشرات الموظفين بتهم الفساد إضافة لإقالة عدد من المسؤولين الرسميين للأسباب عينها.
رغم العقوبات، تضع إيران نصب عينيها الوصول إلى نسبة نمو 8% في العام 2020 (النسبة اليوم 1.5% تحت الصفر). وقد بدأت بهذه الحلول إما عبر مكافحة الفساد وإما عبر سلّة دعم للطبقات الأضعف ما يعزز الصناعة الإيرانيّة وبالتالي يفتح أبواباً جديدة أمام عمليّة التصدير. ولكن لنضع هذا كله حانبا، فالإثنين المقبل سيترقب العالم كله ما ستؤول إليه الأمور بعد فرض الدفعة الجديدة من العقوبات على طهران، فهل سيكون لبنان ضحية لشظاياها؟النشرة