مع بداية عام دراسي جديد في المغرب، عاد الجدل ليفرض نفسه من جديد بشأن دمج اللهجة العامية الدارجة في المقررات الدراسية وخاصة بمرحلة التعليم الأساسي، وهو ما قوبل بانتقاد شديد بلغ حد المطالبة بإقالة المسؤولين عن تبني هذا النهج في التعليم.
كان السبب في اشتعال هذا الجدل صورة في كتاب للغة العربية مقرر على الصف الثاني الابتدائي مصحوبة بكلمات توضيحية بالعامية، تداولها أولياء الأمور عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الإنترنت معلقين عليها تارة بالسخرية والتهكم وتارة أخرى بالغضب والسخط.
وهناك شد حبل بين تيار المدافعين عن الدارجة ومن ينحازون للفصحى، مثل أولياء الأمور الذين يريدون تأسيس الأبناء وحفظ هويتهم العربية وهو ما تدعمه رموز مجتمعية عديدة مثل المفكر المغربي عبد الله العروي وغيره.
لكن القلق يساور البعض من تسلل بعض المصطلحات والمفردات إلى التلاميذ.
وصف حزب الاستقلال المحافظ إدخال العامية في التدريس، بأنه “اختراق” كما قرر البرلمان المغربي استدعاء سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية والتكوين المهني لمناقشة مسألة المقررات التعليمية والمناهج المدرسية.
وإزاء الجدل المجتمعي الدائر بهذا الشأن بادر رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بالتأكيد على تمسك الدولة باللغة الفصحى وعدم استخدام اللهجة العامية في التعليم.
وقال العثماني في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “لا يمكن أبدا استعمال الدارجة في التعليم، أولا لأن اللغتين العربية والأمازيغية دستوريا هما اللغتان الرسميتان وثانيا لأن القانون الإطار الذي يؤطر العملية كلها ينص على ضرورة التقيد باللغة المقررة في التدريس دون غيرها من الاستعمالات اللغوية وذلك لقطع الطريق على استعمال الدارجة وبالتالي لا يمكن العثور على تعابير أو جمل أو فقرات بالدارجة ضمن المقرر”.
لكنه عاد ليوضح أن ثمة إجراءات يتعين اتخاذها لضمان الحفاظ على سلامة العملية التعليمية.
وقال العثماني “فعلا هناك بعض المقررات توجد بها كلمات فيها نقاش. وهذا النقاش يجب عرضه على المتخصصين لإيجاد الحلول ونحن لا مشكلة لدينا للتراجع عن هذه المقررات والطلب من الوزارة التي أصدرتها بأن تتراجع عنها إذا كان المربون واللغويون واللجان المعنية، بعد استشارة المجلس الأعلى للتربية والبحث العلمي، يرون ذلك”.
ويتعلق الجدل الذي بدأ مطلع سبتمبر/أيلول الجاري بنص يصف حفل “عقيقة” على الطريقة المغربية وهي وليمة يقيمها أهل المولود الجديد وتُقدم فيها لحوم الذبائح. وكان النص يصف ملابس الحاضرين للوليمة.
وقال فؤاد شفيقي مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية “النص ليس فيه ولا تعبير واحد باللهجة المغربية، فيه مصطلحات وردت داخل النص بين مزدوجتين، الغاية منها هي أن يدرك الطفل اسم الشيء في علاقته بالصورة”.
وأضاف أن وزارة التربية لا تؤلف الكتب المدرسية منذ العام 2002 فالكتب تُؤلف عن طريق طلب عروض، بحيث يقوم فريق من الخبراء والباحثين لا علاقة لهم بالوزارة بالتأليف بشكل مستقل، ويتم تقديم الكتب إلى الوزارة لترى هل هي متوافقة مع المناهج وقيم المدرسة المغربية وما هو مسطر في برامج الوزارة وحينئذ يتم اختيار أجود الكتب ويطبع عليها “مصادق عليها من طرف وزارة التربية الوطنية”.
وتابع قائلا “مؤلفو كتاب اللغة العربية للسنة الثانية بحثوا عن صور الأشياء بحيث يكون الاسم ينطبق على الصورة وهو الاسم أيضا المتداول في المجتمع”.
وفي المقابل تعجب نور الدين عيوش عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وأحد أبرز المدافعين عن إدخال الدارجة في المقررات الدراسية خاصة في سنوات التعليم الأولي من الضجة التي أحدثها إدخال بعض المصطلحات العامية إلى الكتاب المدرسي.
وقال عيوش الذي دعا نشطاء لإقالته من منصبه “المغاربة متخوفون من كل ما هو جديد، فالدارجة هي سوء تفاهم بين الأساتذة والشعب المغربي وبين لغته الأم لأن كل بلد أينما كان في آسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية.. له لغته الأم وتُعطى لها أهمية كبيرة”.
ويرى عيوش أن الهوية لا تأتي من اللغة الرسمية ولكن من اللغة المتداولة وقال “نحن نعبر بهذه الدارجة ونكتب بها مسرحيات ونصوص سينمائية وشعر وإنترنت.. و95 في المئة من المغاربة يتكلمون بها”.
وقال “نحن لم نقل أن تأخذ العامية مكان اللغة العربية.. هذا غلط. اللغة العربية لها أهميتها وكتاب وشعراء يكتبون بها وهي تُحترم، لكنها بقيت لغة جامدة ومنطوية على نفسها ولا تريد أن تنفتح على اللغات الأخرى ولا تغير قواعد النحو”.
وأضاف “في العامين الأولين ما قبل الابتدائي يجب أن يستقبل الطفل بلغته الأم حتى يحب المدرسة أكثر ويفهم الأشياء التي يدرسها الأستاذ ثم نفسر له القيم والأخلاق التي رآها في البيت ولم تفسر له سواء من خلال ممارسات أو من خلال الأمثال الشعبية”.
وأشار عيوش إلى أنه بعد إصداره معجما للغة العامية في 2016 سيصدر قريبا كتابا لقواعد النحو بالدارجة. (رويترز)