لم يكد يتبدّى العدوان الصهيوني على لبنان والأسلوب الجديد في استهداف اللبنانيين، حتى اشتعلت همّة الشباب ذكوراً وإناثاً لنجدة وغوث المصابين، ومحاولة بلسمة جراحاتهم في مشهد وطني قلّ مثيله.
وما شكّل صدمة لدى عدد من المراقبين سرعة الاستجابة، ومحاولة فعل كل ما يمكن من حشود شبابية من مختلف المذاهب والطوائف في لبنان لا سيما في الشمال، وتحديداً في طرابلس وعكار والضنية والمنية، فضلاً عن بقية المناطق كالبقاع وبيروت، فالفاجعة كبيرة والتضامن الوطني حاجة ماسّة، والإرهاب الصهيوني كان هذه المرة على شاكلة تفجير أجهزة اتصالات البايجر التي كان يحملها، في الغالب الأعمّ، مدنيون من مختلف القطاعات الصحيّة والتربويّة والاجتماعيّة، حيث أحصيَ عدد كبير من الضحايا وأكثر من 3000 جريح.
بيانات تنديد واستنكار ملأت صفحات الوكالة الوطنية للإعلام، ونداءات عديدة وجّهتها مرجعيّات دينية وأحزاب وشخصيات سياسية واجتماعية وجمعيات أهلية محلية لبّتها حشود شبابية غفيرة، فمن طريق الجديدة مع الشيخ حسن مرعب إمام مسجد الإمام علي، إلى البقاع مع الموقف الكبير للمفتي علي الغزاوي، إلى طرابلس حيث كانت تحرّكات فاعلة لحركة التوحيد الإسلامي بتوجيه مباشر من أمينها العام الشيخ الدكتور بلال شعبان، مروراً بالضنية والمنية بعلمائها وفعالياتها وعلى رأسهم الحاج كمال الخير، وصولاً إلى الضنية وعكار بمختلف قراه ومنها البعيدة نسبيّاً مثل تكريت التي شهدت تفاعلاً كبيراً، فتمّ تأمين الباصات للمتبرعين الذين انطلقوا إلى مستشفى حلبا الحكومي ليستمرّ كل ذلك حتى فجر اليوم الأربعاء.
حالة الإجماع شمالاً بإدانة جريمة إسرائيل وتكريس التضامن الوطني كانت غير مسبوقة فكانت طرابلس والشمال على موعد مع تحركات إغاثية وبيانات استنكار لكل من دار الفتوى وللجماعة الإسلامية ولفرق الجمعية الطبية الإسلامية، ولتيار الكرامة وللمؤتمر الشعبي اللبناني، وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، وحزب البعث والحزب القومي، والجمعيات في جبل محسن، وجمعية الإصلاح والانماء الاجتماعي في الشمال، وغيرها…
وممّا هو جدير بالذكر أن جميع محاولات بعض الحسابات الوهمية وأرقام الهاتف الدولية المشبوهة المنتشرة على بعض وسائل التواصل الاجتماعي، لم تفلح في تعكير هذه الأجواء الوطنية الإيجابية، فالعنوان هو لبنان والعدو هم الصهاينة ولا مكان للخصومات ولا للمحرضين والمصطادين بالماء العكر.
مظاهر العونة ومدّ يد المساعدة لم تقتصر على التبرّع بالدم من مختلف الفئات بعد أن غصّت المستشفيات بالمتبرّعين، بل تمّ استقبال الجرحى في مستشفيات المناطق لا سيما في طرابلس وفي حلبا في عكار، واحتضان أهاليهم الذين رافقوهم وتأمين ما يلزم من مبيت وغذاء ورعاية، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي هذه المرة مساحة للمنافسة الشريفة وللمسابقة في إعلان الأحياء والمناطق في المدن والقرى النائية عن توجّه مجموعات شعبية منها إلى المستشفيات والمراكز الصحية وتقديم كل ما يلزم لأهلنا.
صور التلاحم الوطني وخاصة في مناطق أهل السنّة برهنت بما لا يقبل الشك فشل رهانات العدو الصهيوني وعملاؤه، فقد كان العدوان مناسبة للتلاقي والبذل والعطاء، وتبدّى للجميع الإقبال الجماهيري العفوي للتصدي لتداعيات المجزرة الرهيبة بحق أهلنا في الجنوب وفي الضاحية والبقاع، فلا يمكن أن يستفرد شعبنا في معركته مع شذاذ الآفاق وفي إسناده العظيم لأهلنا في غزة، لذلك هي بروفه لما سيحدث في حال اندلاع المعركة الكبرى، ولقد نجح أهلنا في إثبات أن البيئة التي تبذل من دماء أبنائها في محراب فلسطين تستحقّ أن نقدّم لها دماءنا وبيوتنا وهذا واجب شرعي يتخطى المذهبية والطائفية، ويرخص في الوقوف إلى جانبهم كلّ غال ونفيس.
Ab.com.lb