شارك وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المُرتَضى في مؤتمر دولي حول غزّة، المنعقد في العاصمة الإيرانية طهران وذلك تلبيةً لدعوةٍ من وزارتي الخارجية والثقافة الإيرانيتين تحت عنوان “غزّة المظلومة المقاومة”.
وخلال كلمة له في المؤتمر قال وزير الثقافة: “نأتيكم من لبنان الفكر والثقافة والانفتاح والعيش الواحد والصمود والمقاومة، لبنان المتسلّح جنوبُه بقوّة الحقّ في الدفاع عن الأهل، وعن الأشقاء في غزّة وكلّ فلسطين، وعن الأرض والمقدّسات”.
وأضاف “نقدّم لكم في البدء، قيادةً وشعبًا، أحرّ التعازي باستشهاد الرئيس السيد إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية الدكتور حسين أمير عبد اللهيان، ورفاقِهما في حادثة السقوط المؤسفة، وأقول “استشهاد”، لأن جميع الذين قاتلوا في سبيل القدس بالموقف أو بالدعم أو بالمفاوضات أو بالصمود، كيفما كانت أسبابُ منيّتهم، شهداءُ في سبيلِها حتّى تتحرّر.
وتابع وزير الثقافة: “لقد أكرمنا الله بأن تعرّفنا بالرئيس وبالوزير وعقدنا الصداقات معهما، ولهذا نحن مطمئنون إلى أن ذكراهما وذكرى سائر العظماء الذين رهنوا حياتهم في خدمة شعوبِنا من أجل الحق، ستبقى محفورةً في الوجدان العام، وأن الجمهورية الإسلامية في إيران ستتجاوز هذا الحدث المفجع وستخرج منه أعزَّ وأقوى، وهذا ما بات واضحًا أمام الجميع”.
وأشار المرتضى إلى أنَّ “الزمان الملتهب الذي نسكنُ راهنًا فيه، يؤكّدُ ما أشهره منذ بدء الثورة الإسلامية سماحة الإمام الخميني (قدّس سره)، من أن “إسرائيل” غدّة سرطانية ينبغي إزالتها من الوجود، لأنّ صراع الحقّ مع الباطل يفرضُ على كلّ أمم الأرض مواجهةَ هذا الكيان المغتصب، كمدخلٍ لا بدَّ منه من أجل تحقيق العدالة الأممية وسيادة الحق بين البشر.
وبيّن أن ذلك بالنسبة لسماحته، ولنا في لبنان، ليس موقفًا عقائديًّا فحسب، لا سيما وأن الإمام قرنَه ببناء مشروعٍ وطنيٍّ وإقليميٍّ وإنساني، مجهَّزٍ بجميع الإمكانيات المادية والروحية، العلمية والثقافية التي تؤهلُه للانتصار الحتمي. فجعله نهجَ حياةٍ وسياسةَ دولة، والتزامًا إيمانيًّا وتكليفًا شرعيًّا. ذلك أنه اعتقد عن يقين بأن قضيةَ فلسطين هي الظلم الأكبرُ الذي يطاولُ البشرية جمعاء في قيمِها الإيمانية والإنسانية، كما يطاولُ الأمّة الإسلامية والعربية وأهل فلسطين مسلمين ومسيحيين في أرضهم ومقدساتهم وكرامتهم وحقّهم في الحياة والحرية وتقرير المصير.”
وأوضح وزير الثقافة أنه في جميع مراحل الصراع مع هذا الكيان الهمجي، منذ اغتصابه أرضَ فلسطين، لم يُقَيَّضْ لقوى المقاومة على اختلافِها إلاّ في الوقت الحاضر، أن تخوضَ المواجهةَ ضدّه من ضمن مشروع متكامل مزوَّدٍ بالرؤية الواضحة والإمكانيات المفتوحة، لافتًا إلى أن هذا العدوّ كان يستهدفُ الفلسطينيين منفردين، والدول العربية فرادى، كلًّا على حدة، سواءٌ بالحروب أو بمحاولات التطبيع أو بأصناف المعاهدات التي لا يلتزم هو فيها بشيء، والتي يُفرغُها من مضامينِها بممارساته العنصرية اليومية. مبينًا ان العدوّ يعرف أن بوجهه مساحات واسعة من اللهيب، تلاحقه في البحر والبر والجو، وتمطره قنابلَ من سجّيل، ومسيّراتٍ أبابيل، وأنَّ الفلسطينيين ليسوا وحدهم، ولا اللبنانيين ولا أيًّا من شعوب المنطقة. وهذا بالطبع من بركات النهجِ الذي أرساه سماحة الإمام الراحل.
وأكمل المرتضى كلمته قائلًا: العملُ معًا من أجل فلسطين، ليست دعوةً إلى العرب وحدهم أو المسلمين دون سواهم، أو أهلِ الإقليم فقط. إنها دعوةٌ إلى العالم أجمع ليكتنه المعنى الحقيقي لإنسانيته في قلبِ جراح فلسطين. هذا لم يحصل إلى الآن، لأن الداعمين الغربيين لـ”إسرائيل”، ما زالوا يعتبرونَها قاعدتَهم العسكرية الأولى في هذا الشرق، والتي من بوابتِها، ترهيبًا وترغيبًا وبثّ فرقةٍ وفساد، يسعون إلى السيطرة على مجتمعاتنا وثرواتنا وأوطاننا ويريدون هدم موروثنا وقيمنا وإيماننا.
واعتبر أنَّ هذا يستلزم من أهل الإقليم ومن الفلسطينيين أساسًا رأب كلِّ صدعٍ وإزالة كلِّ خلاف، ليخوض الجميعُ الصراعَ معًا من أجلِ البقاءِ معًا، وإلا ذهبَتْ ريحُ الجميع وتبدَّدَت الثروات وضاعت الأوطان. من هنا تصبحُ رسالة سماحته دعوةً لتحرير العالم كله وإعادته إلى سكّة الصلاح الأخلاقي والإيماني.”
وأشار إلى أن ما تشهده غزّة منذ ثمانية أشهر من مجازر يومية وحرب إبادة جماعية، وتدمير ممنهج لكلِّ أسباب الحياة ومواردِها، دلالة واضحة على مسألتين:
“أولاهما أن هذا الشعب المجرم الذي استُقْدِمَ من أصقاع الأرض كافةً ليحتلَّ أرضًا ليست له، هو شعب يفتقد كلَّ المعايير التي يتحدَّدُ بها معنى الإنسان. فليس من شعبٍ سواه يتلذّذ بطعم الدم البريء. وليس من شعبٍ سواه يحيا على لحوم الأطفال والشيوخ والنساء. وليس من شعبٍ سواه يفرح بمناظر الدمار. وليس من شعبٍ سواه منافقٍ بهذا المقدار، يدوس بجنازر دباباته على المواثيق الدولية، ويقصف بطائراتِه المذخَّرةِ غربيًا قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ثمّ يطالب بوقاحة ما بعدَها وقاحة، الدول والقوى التي تقف له بالمرصاد بأن تلتزم هي بالشرعية الدولية. إنه كيان قائمٌ على كلِّ أنواع المعاصي والموبقات”.
وأردف: “أما المسألة الثانية فهي أن الجراح التي تسيل، هي الطوفان الحقيقي الذي سيدمر هذا الاحتلال ويزيلُه فعلًا من الوجود. والفضل كلّ الفضل لقوى المقاومة من طهران إلى غزّة، مرورًا بجميع الجبهات القتالية والثقافية والدبلوماسية”.
وتابع المرتضى:”لقد أطلقنا في لبنان مشروع المقاومة الثقافية ضدّ الاحتلال. وبالرغم من اختلاف وجهات النظر لدى اللبنانيين حول مسألة وحدة الصراع وساحاته، وهذا أمر طبيعي في مجتمع كالمجتمع اللبناني، فإنهم جميعًا موحَّدو الرؤية والموقف حول خطورة هذا الكيان وعدوانيته التي لا تتوقف عند حدود وطن أو شعب، مؤكدًا أن اللبنانيين مؤمنون كلُّهم بأنّ المحافظةَ على صيغةِ عيشِهم الواحد هي من أهم وجوه المقاومة الثقافية التي ستتكلل بالنصر، شأنُها في ذلك شأنُ المقاومة العسكرية”.
وختم وزير الثقافة كلامه قائلًا: “ألاَ إن هذا العدوّ إلى زوال ولسوف نرجعُ إلى فلسطين من الجليل إلى النقب، ومن عكا إلى نهر الأردن. طابت ذكرى الإمام والسلام”.