“النشرة” غير مسؤولة عن الآراء الموجودة في خانة “مقالات مختارة”، بل هي تعبّر عن رأي كاتبها والوسيلة الإعلامية المنشورة فيها حصرًا، وتم نشرها بناءً على طلب الكاتب.
يوجد حل لمشكلة التعليم في لبنان
يواجه التعليم في لبنان أزمة حقيقية، فبسبب الاوضاع الاقتصادية المتدهورة يتجّه كثير من العائلات نحو التعليم الرسمي، في ظلّ أزمة تتخبّط فيها الدولة من انعدام الموارد والخطط والرؤية لتطوير القطاع التعليمي، علماً انّه حتى حينما كانت الموارد متوافرة، فشلت الدولة فشلاً كبيراً في توفير تعليم مقبول. وكانت هذه أحد وجوه الهدر الكثيرة التي اوصلتنا الى ما نحن عليه.
فلا يمكن الادّعاء انّ لدينا تعليماً رسمياً اليوم في مستوى مقبول. فالمشكلات التي تحاصر التعليم العام في لبنان كبيرة ومتعددة، جعلت هذا القطاع الحيوي والمهم، يصل إلى مستوى من السوء والتدهور، وأصبح مصدراً لتخريج جيش من الشباب العاطل من العمل المنتج.
وفي دفاعهم عن المدرسة الرسمية، يتحجّج البعض انّ هناك مدارس حكومية ناجحة. من هنا، من هو مقتنع انّ التعليم الرسمي مستواه جيد، عليه ان يطالب الدولة بوقف تقديم مساعدات مدرسية للأساتذة في التعليم الرسمي الذين يرسلون اولادهم الى مدارس خاصة، وايضاً موظفي القطاع العام والاسلاك العسكرية. فهذا تناقض فظيع. وحين كنت وزيراً وطالبت بذلك، كان الجواب انّه لن يبقى اساتذة في القطاع الرسمي في حال توقفت الدولة عن دفع مساعدات مدرسية لهم. هذا المؤشر وحده دليل واضح الى انّ حتى الاساتذة الرسميين انفسهم لا يثقون بالتعليم الرسمي. علينا التوقف عن دفن الرؤوس في الرمال ومواجهة الواقع. لا توجد ثقة في التعليم الرسمي حتى من القيّمين عليه. وحتى اذا وُجدت بعض المدارس الحكومية الناجحة، نتساءل عن معيار هذا النجاح؟ بعض المدارس تلجأ الى غربلة التلاميذ واختيار الأكفأ، ما يوحي انّها تقوم بعمل ناجح.
أذكر هنا حلاً سليماً، وهو ان تتسلّم مؤسسات تعليمية، مشهود لها بقدراتها، ادارة بعض المدارس الرسمية، ونقترح مدرستين او ثلاث في كل محافظة كمرحلة أولية، ويتمّ عقد اتفاقات محدّدة مع المؤسسات التعليمية، على ان تّكون هناك امتحانات دورية تحت إشراف لجان مختصة، وتشارك فيها وزارة التربية. هذه الفكرة تحتاج الى شرح أعمق سنقوم بتفصيلها لاحقاً. ولكن نلفت الى انّها ستكون مجانية، بمعنى انّ الطالب لن يدفع شيئاً بل الدولة تدفع عنه، ودور المدرسة هو استقطاب التلاميذ، لأنّها ستتقاضى اتعاباً عن كل ولد يتسجّل فيها، وبالتالي ستحافظ على تنافسيتها ومستواها التعليمي. الدولة تدفع للمؤسسة عن التلاميذ الذين يتسجّلون فيها فقط، فيما المؤسسة التي تقبل بالاتفاق لا يحق لها ان تقبل طلاباً يدفعون اقساطاً، فمن يتسجّل تدفع عنه الدولة، وهذا يعني أنّه اذا لم تقدّم المؤسسة اداء جيداً واقتنع به الاهالي ستتعرض للخسارة والإقفال.
هذه ليست فكرة نظرية فقط. فقد تمّ تطبيق نموذج ناجح على مدى سنوات عدة في «مدرسة ليلى سعد سابس المتن» في المتين، وهو مبادرة خاصة، الطلاب فيها لا يدفعون شيئاً ولا تتقاضى المدرسة اي مساعدات من الدولة، ويتمّ تمويلها كلياً من مؤسسة «سابس». وكل من يود التأكّد عليه زيارة المدرسة لرؤية المستوى التعليمي المتطور الذي يحصل عليه الطلاب من العائلات الأكثر فقراً، والذي يوازي مستوى اكبر المدارس الخاصة. إنني متأكّد انّه اذا إتُبّع هذا الحل سينجح في رفع مستوى التعليم في لبنان، لأنّه ليس نظرياً، فقد تمّ تطبيقه وأثبت نجاحه، ويستطيع الجميع رؤية النتائج كما ذكرنا. كما انّ مؤسسة «سابس» أدارت بنجاح مدارس رسمية عدة في بلدان خارج لبنان.
الأهم من هذا كله، تطبيق الشفافية المطلقة قبل الانطلاق بهذا الحل، لتكون كل العقود والاتفاقات واضحة للجميع، ومتوافرة لمَن يود الاطلاع عليها، لكي لا نقع في المحاصصة والتنفيعات على حساب الطلاب والنظام التعليمي.
معالجة الواقع التعليمي ضرورة ملحّة واساسية، لأنّ ما نبنيه اليوم هو ترجمة لما سيكون عليه المستقبل. فالتعليم ركن أساس لاقتصاد منتج. فكلما ارتفع مستوى التعليم في أي مجتمع ارتفعت معه قيَم الرأسمال البشري، وهو الاساس في الاقتصاد الحديث. النشرة