توقف نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس “نيل كويليام” في مقالةٍ بصحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية عند العلاقات السعودية الإماراتية، قائلًا إنه مع ظهور سلسلة الخلافات السياسية بين الرياض وأبو ظبي خلال العام الماضي، وتطورها خلال الأسابيع الماضية، بدأت العلاقة بين السعودية و الإمارات تتآكل، وتبدو قائمة الخلافات بينهما طويلة، لتنتهي علاقة الحب وتبدأ العلاقة الخشنة.
وأشار الكاتب إلى أنَّ العلاقة السعودية الإماراتية المنسقة عن كثب، والتي كانت متماسكة في يوم من الأيام في تآكل، إذ ظهرت سلسلة من الاختلافات السياسية بين الرياض وأبو ظبي خلال العام الماضي وبشكل أكثر حدة خلال الأسابيع الماضية.
وأوضح أنَّ قائمة الاختلافات الطويلة تشمل المواقف تجاه الحرب على اليمن، ووتيرة المصالحة مع قطر بعد خلاف دام ثلاث سنوات ونصف، والتطبيع مع الكيان الصهيوني واتفاقات إبراهيم، وإدارة العلاقات مع تركيا، وحصص إنتاج أوبك، وإيران والاستراتيجية والتجارة عبر الحدود.
ورأى الكاتب أنَّ الديناميكية الناشئة بين الرياض وأبو ظبي هي الوضع الطبيعي الجديد – ولا تنطبق فقط على الدولتين ولكن على جميع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة، كلما أسرعت البلدان الخارجية في فهم ديناميكية المعاملات الجديدة، كلما تمكنت من إدارة العلاقات مع المنطقة بأكملها بشكل أفضل.
وأضاف “في الحقيقة، التوترات بين الرياض وأبو ظبي ليست جديدة. لقد كانت سمة متكررة، متقطعة مرة أخرى لسياسة دول مجلس التعاون الخليجي قبل عقود من الانتفاضات العربية عام 2011. غالبًا ما تم التستر على هذه الاختلافات.. إن عودة هذه التحديات إلى السطح يذكّر بأن المنافسة بين دول الخليج الفارسي لطالما دعمت دول مجلس التعاون الخليجي”.
واعتبر الكاتب أنَّه ليس من قبيل المصادفة أن الديناميكيات السياسية الجديدة الوعرة تزامنت مع تغيير جيلي في القيادة، مع وفاة الملك عبد الله في 2015، وسلطان عمان قابوس في 2020، والصباح في الكويت عام 2020، وظهورها من القادة الشباب على الساحة السياسية بمن فيهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسلطان عمان هيثم، وأمير قطر تميم بن حمد، (ينتمي وصول ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد أيضًا إلى الجيل الجديد، على الرغم من ظهوره قبل عقد من الزمان في 2005.)
وتابع “لكن الانتفاضات العربية عام 2011 كانت بمثابة نقطة تحول في العلاقات الخليجية إذ أدى تأثير الدومينو للاحتجاجات الإقليمية، التي انتشرت في البحرين، إلى تعاون دول الخليج الفارسي بشكل أوثق في معالجة ما يرون أنه تهديدات مشتركة للنظام الإقليمي”.
وأكَّد الكاتب أنَّ إرسال الدبابات لقمع الاحتجاجات في البحرين في آذار/مارس 2011 أعطى مؤشرًا واضحًا على أن لا السعودية ولا الإمارات العربية المتحدة ستسمحان بالانتفاضات في جوارها.
ولفت إلى أنَّه على الرغم من كونها مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن هذه الخطوة كانت بمثابة علامة مبكرة لتعاون إماراتي سعودي أوثق، والذي ظهر في سوريا واليمن وتحول نحو قطر في عام 2017، ولكن خلال هذه الفترة، على الرغم من دعم موقف دول مجلس التعاون الخليجي في البحرين، الدوحة ( التي لم تعتبر الإسلام السياسي مزعزعًا للاستقرار بالقدر نفسه) رسمت مسارها الخاص الذي يتعارض مع النشاط السعودي الإماراتي.
وذكر أنَّ الانسحاب العسكري لأبوظبي 2020 من الحرب على اليمن ودعمها للجماعات المحلية بالوكالة مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يُعتقد أن لديه طموحات انفصالية طويلة المدى، يضعها في خلاف مع الرياض.
وقال إنَّ اتفاقيات إبراهيم كشفت في أيلول/سبتمبر 2020 عن اختلافات صارخة في إستراتيجيات الدول تجاه الكيان الصهيوني، ففي سعيها للاستفادة من الفرص التجارية والاستراتيجية إلى جانب التعاون الوثيق مع واشنطن، ربطت الإمارات نفسها بشكل محكم ومنفتح بالاتفاقية. بينما حافظت الرياض منذ فترة طويلة على علاقات هادئة خلف الكواليس مع الكيان الصهيوني، فقد اتبعت نهجًا أكثر حذرًا في إعادة الالتزام بالقضية الفلسطينية، باعتبارها السبيل الوحيد للتطبيع. تواصل الإمارات التحرك برفق تجاه أنقرة، في حين رسمت الرياض مرة أخرى مساراً للتهدئة.
ولفت الكاتب إلى أنَّه في الوقت نفسه، سعت السعودية إلى وضع نفسها كمحور جديد لمنطقة الخليج في منافسة مباشرة مع جيرانها، مطالبة الشركات الدولية بأن يكون لها مكاتب في المملكة. كما قامت الرياض بتعديل قواعد التعريفة الجمركية التي تستهدف السلع المنتجة في مناطق التجارة الحرة وكذلك السلع المصنعة في الاراضي المحتلة.
وأوضح أنَّ الدراما حول حصص إنتاج “أوبك +”، والتي اتخذت أبوظبي فيها نهجًا استباقيًا لزيادة خط إنتاجها الأساسي كشرط لتمديد الصفقة الحالية، هي مثال آخر على المنافسة المتزايدة. يمكن أيضًا ملاحظة نقص التنسيق في السياسات البيئية المتغيرة للإمارات.
وشدَّد الكاتب على أنَّ هذه الاختلافات تتضح بشكل متزايد في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، فعلى الرغم من أن قطر قد تصالحت مع المملكة العربية السعودية وأن جهودها للقيام بذلك مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين تتقدم (وإن كان ذلك ببطء)، مرجحًا أن تظل دولة نائية ومستقلة بشدة، وتواصل السير نحو بطولتها الخاصة.
وأضاف أنَّه لا تزال الكويت وفية لشركائها العرب في منطقة الخليج ومشروع مجلس التعاون الخليجي ككل، لكنها تركت على المذبح تفكر في تحركاتها التالية. في هذه الأثناء، يجري استمالة مسقط وتقترب أكثر من الرياض (يُرى من خلال زيارة السلطان هيثم الأخيرة هناك)، والبحرين تقترب أكثر من أي وقت مضى من أبو ظبي.
وتابع “تكمن المشكلة الأساسية لدول مجلس التعاون الخليجي في أن الخطاب الأمني الذي كان بمثابة الصمغ الذي كان يجمع ذات يوم المصالح الجماعية والسرديات السياسية لجميع الدول الست قد تلاشى. تحل المصالح الوطنية التي تشمل التنويع الاقتصادي والأمن الداخلي محل مصالح دول مجلس التعاون الرائدة مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية لرسم مسارها الخاص”.
وأردف أنَّه مع العلاقات الأسرية والقبلية والتجارية القوية التي تربط دول مجلس التعاون والمواطنين معًا، سيستمر صرح التنسيق بين الدول الست بلا شك، مؤكدًا أنَّ الاتجاه نحو المعاملات الذي ترسخ هذا العام سيقود قرارات دول مجلس التعاون الخليجي السياسية والتجارية والإقليمية لسنوات عديدة قادمة، وسيؤثر على مساراتها السياسية والمالية والتجارية والطاقة الوطنية. على الأرجح، سيظل كل منهم ملتزمًا بالمفهوم والأداء الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي – ولكن في نفس الوقت، سيرغبون في السير في طريقهم الخاص.
وخلص الكاتب إلى أنَّه لن يكون لذلك تأثير كبير على دول مجلس التعاون الخليجي فحسب، بل أيضًا على العلاقات الثنائية بين الدول الأعضاء، ولا سيما أنها تقيم شراكات جديدة مع لاعبين إقليميين وعالميين آخرين. في الواقع، أثبتت التحركات الثنائية الأخيرة لتعزيز العلاقات مع الصين وروسيا والهند الكثير، معتبرًا أنَّ الحقبة الجديدة من العلاقات داخل دول مجلس التعاون الخليجي ستؤثر أيضًا على قدرة واشنطن على رعاية الإجماع بين الكتلة – وهذا يعني أنه قد يكون هناك إجماع أقل بكثير مما اعتاد عليه العالم مؤخراً.