لطيفة الحسيني / العهد الاخباري
في عهد محمد بن سلمان لن تشهد المملكة عدلًا. لن يمحو أيّ مرسوم أو قرار سوء سيرته. محاولات تجميلها أمام الغرب لم تعد تجدي، فكلّها مكشوفة، وخطواتها هزيلة، وهدفها الأوّل تضليل الرأي العام محليًا ودوليًا.
في نيسان الماضي، صدر أمر ملكي بإيقاف تنفيذ كافة أحكام الإعدام تعزيرًا بحقّ الأشخاص الذين لم يُتمّوا الـ18 عامًا وتعديلها بما يتوافق مع نظام الأحداث، على أن تكون أقصى عقوبة سجن لمدة لا تزيد على الـ10 سنوات.
بحسب المواكبين للشأن الحقوقي في السعودية، لا يلغي القرار أعلاه حقيقة ثابتة أن كلّ ما يصدر قضائيًا في المملكة ليس سوى هراء. لا مكان للإنصاف في هذه الدولة، فتلك التعديلات لن تُطيح بكلّ نوايا السلطة العلنية لقمع أيّ صوت يُعارضها ولا يُعجبها.
وفق تصنيفات المنظمات الحقوقية، تحتلّ السعودية مرتبة متقدّمة من حيث كمّ أفواه المُعارضين والاعتقالات التعسفية والإعدامات العشوائية. خلال 5 سنوات، تجاوز عدد من أُعدموا الـ800 شخص وبينهم أطفال. السلطات تستسهل قتلهم وقطع رؤوسهم وصلبهم. ليس هناك مجال لمراجعة فعلتها حتى.
على الرغم من هذا الواقع الجليّ، يُحكى عن أن عددًا من الحقوقيين الدوليين ينتظرون صدور تعديل قضائي ما ليبدأ مسلسل الترويج لعدالةٍ لا أحد من عوائل المعتقلين والشهداء لاحظها غيرهم. إنه التهليل المدفوع مُسبقًا، هذا ربّما ما تحتاجه السلطة من وقت لآخر لتبييض صفحتها عن طريق المال أمام الغرب.
قبل أيّام قليلة، أصدرت المحكمة الجزائية في الرياض حكمًا بالسجن عشر سنوات بدل حكم الإعدام بحق المعتقليْن منذ تسع سنوات داود المرهون وعبد الله الزاهر اللذيْن تمّ تلفيق تهم باطلة لهما وهما قاصران، لا لشيء سوى أنهما شاركا وهما صغيران في الحراك الشعبي السلمي في المنطقة الشرقية عام 2011، ما يعني أنهما سينالان حريّتهما بعد نحو سنة و3 أشهر، على اعتبار أن مدّة توقيفهما تُحتسب من ضمن “العقوبة”.
يريد النظام أن يقول من خلال هذه الأحكام إنه بات رحيمًا. هل يصدّقُ عاقلٌ أن من يُصبح طاغية يُمسي سموحًا؟ عن أيّ تحنّنٍ يتحدّث في هذا القرار الفاقد للشرعية في الأصل؟ هل وكّل أيّ معتقل سيق ظلمًا الى الزنازين محامٍيا بملء إرادته ليُدافع عنه، أم عاش تجربة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد التي اعتقلت وحوكمت صوريًا مع محامٍ فُرض عليها ولم ينتزع حريّتها؟ كيف تُعقد تلك المحاكمات التي لا يستطيع أحد حضورها، أقلّه من ذوي المعتقلين؟ كيف يتمكّن هؤلاء من تعليل أفعالهم وتحرّكاتهم وتعبيراتهم؟ لا أحد يُجيب.
وأكثر، هل سُمح للناشطات المعتقلات بالدفاع عن أنفسهنّ ولا سيّما المناضلات من أجل حقوق المرأة في مملكة القمع؟ لجين الهذلول وإيمان النفجان ونسيمة السادة وسمر بدوي ومياء الزهراني ونوف عبد العزيز لا يزلن يقبعن في السجن. لجين تُضرب عن الطعام احتجاجًا على تقييد تواصلها مع أهلها، بعد الكشف عن تعرّضها لأقسى أنواع التعذيب والتحرّش وغيرها من زميلات السجن.
السلطات لم تكتفِ بالمعتقلين في سجونها. هؤلاء يتنوّعون بين مُناهضين لها وعلماء دين ومفكّرين ودعاة وأطباء وناشطين. هذه الفئة من الشعب مهدّدة دائمًا بالتكبيل. آخرهم كان الرادود الحسيني محمد بوجبارة الذي أوقف الشهر الماضي على خلفية تصويره فيديو في الأحساء بمناسبة ذكرى أربعين الإمام الحسين (ع).
على أن المثير للسخرية أن هناك هيئة لحقوق الإنسان في السعودية لم تتطرّق يومًا منذ تأسيسها الى أوضاع هؤلاء المنسيّين والمنكّل بهم. ما يدعو للتهكّم أيضًا أن وزارة الخارجية في المملكة دعت عقب إساءة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للدين الإسلامي لأن “تكون الحرية الفكرية والثقافية منارة تشع بالاحترام والتسامح والسلام وتنبذ كل الممارسات والأعمال التي تولد الكراهية والعنف والتطرف وتمس بقيم التعايش المشترك والاحترام المتبادل بين شعوب العالم”، وكأنّها توفّر كلّ ذلك لمواطنيها!