بعد وصول المفاوضات البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي إلى حائط مسدود، وبدء الأخير بالتمهيد لإعلان فشل هذه المفاوضات، عبر جملة من الادّعاءات وردت من تل أبيب، وآخرها اتهام لبنان بـ”الاستفزاز” والتغيير الدائم للموقف التفاوضي، وصولاً إلى اتهامه في الآونة الأخيرة بـ”خيانة تطلعات شعوب المنطقة”، ترافق ذلك مع وصول المشاورات الحكومية بين رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الدين الحريري إلى حائطٍ مسدودٍ أيضاً، بعدما وضع الأخير موانع تعجيزية في مسار تأليف الحكومة المرتقبة، تمثلت بـ ثلاث لاءات، وهي الآتية:
1- ممنوع الاعتذار، تحت طائلة وضع الحريري على قائمة العقوبات الأميركية.
2- ممنوع على الرئيس عون والنائب جبران باسيل تسمية أي وزير.
3- ممنوع على حزب الله أو أي شخصيةٍ يسميها الحزب المشاركة في الحكومة المرتقبة، بناء لأوامر السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، التي هددت رئيس الحكومة المكلف في شكلٍ مباشر، بإدراج اسمه على قائمة العقوبات الأميركية، إذا لم يخضع لإملاءات السفيرة، مستحضرةً أمام الحريري، تجربة العدوان الأميركي على باسيل، على حد تعبير مرجع سياسي في فريق المقاومة. أمام هذا الواقع، خصوصاً في ضوء التهديدات الأميركية للحريري، بات في وضعٍ مأزومٍ، فهو يخشى “سيف هذه العقوبات”، لأنها تطاول أمواله ومصالحه الشخصية في الخارج من جهة، بالتالي ذهب ليبالغ في إظهار التشدد في التمسك بشروطه أو “موانعه” المذكورة، لإرضاء الأميركيين، وهو يدرك مسبقاً فشله المحتوم والمحسوم، في حال أقدم على تسليم الرئيس عون، تشكيلة حكومية غير ميثاقية، ولا تراعي التوازنات الوطنية القائمة في البلد، من جهةٍ أخرى. وفعلاً هذا ما حدث، عندما حاول “المكلف” فرض شروطه التعجيزية وغير المنطقية والواقعية على رئيس الجمهورية، من خلال محاولة تسلميه تشكيلة “حكومة أمر واقع”، فجاء جوابه: ” إذا هيدا هوي أسلوبك بتأليف الحكومات، أنت أعمل تشكيلتك الوزارية، وشوف حدا غيري، يوقّعها”. وهنا تربط مصادر سياسية واسعة الإطلاع التأزيم الحكومي، بما يحدث في المنطقة ككل، خصوصاً لجهة الضغوط الأميركية القصوى على محور المقاومة، لمحاولة دفعه إلى الجلوس إلى طاولة مفاوضات، وتقديمه تنازلاتٍ في ملفاتٍ عدةٍ، “كالنووي الإيراني”، وتطوير العلاقات الإيرانية – الروسية – الصينية، التي تشكل تهديداً للمصالح الأميركية. بالإضافة إلى الملف السوري، وترسيم الحدود بين لبنان والكيان الإسرائيلي. كل ذلك يأتي قبل تنفيذ قرار الإنسحاب الأميركي من المنطقة خلال الأشهر المقبلة، وهذا القرار متفق عليه على ما يبدو، بين الإدارتين الراهنة والمقبلة، بحسب معلومات المصادر. ولا تستبعد أن تتطور الضغوط الاقتصادية الأميركية، إلى مستوى تصعيدٍ أمنيٍ، من خلال تنفيذ عمليات اغتيال، تستهدف شخصياتٍ لبنانيةٍ، يكون لها انعكاسات خطرة في الشارع اللبناني، بهدف تحقيق المزيد من تعقيد الأمور، ومحاولة إرباك فريق المقاومة وحلفائه، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، ودائماً برأي المصادر.
وفي هذا الصدد، يؤكد مرجع ديني في الفريق المذكور، “أن أي مغامرة غير محسوبة، قد يقدم عليها الأميركي، سيأتي الرد عليها، في أي مكانٍ تتواجد فيه قوات أميركية، أو توجد فيه مصالح أو مقرات تابعة للولايات المتحدة في الدول التي تحتضن على أراضيها أفرقاء هذا المحور، وخير دليل إلى ذلك، استهداف السفارة الأميركية في المطقة الخضراء في بغداد، وهذا بمثابة تحذير من أي مغامرة أميركية، ودائماً برأي المرجع. ويلفت إلى أن الاستنفار والمناورات المستمرة للعدو الإسرائيلي على الحدود مع لبنان وسورية، هو دليل إضافيٍ إلى تخوف العدو، من إمكان تعرضه لضربة أو هجوم من المقاومة، في حال أقدم على ارتكاب أي حماقة، على حد تعبير المرجع. لذا يستبعد فرضية لجوء واشنطن ومن يدور في فلكها إلى تنفيذ عمليات اغتيال في المنطقة ككل. وفي الشأن اللبناني تحديداً، يجزم المرجع فشل كل أدوات الضغوط الأميركية على فريق المقاومة، ومحاولة إنهاكه وإرباكه، بدءاً مما يسمى حركة “14 آذار”، وتفعيل دور “المجتمع المدني” و”المنظمات غير الحكومية”، وصولاً إلى ما يعرف بـ “ثورة 17 تشرين”، وهذا باعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قال لوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو خلال زيارته الأخيرة لباريس: “لقد مارستم أقصى الضغوط الإقتصادية والمالية لإخضاع حزب الله وإنهاكه وإرباكه، فأنهكتم الشعب اللبناني، ماعدا حزب الله”، وفق ما ينقل المرجع عينه. ولايخفي تخوفه من إمكان تدحرج الأزمة الاقتصادية والمالية، أكثر فأكثر في المرحلة المقبلة، كذلك لجوء الإدارة الأميركية الى استصدار المزيد من العقوبات في حق شخصياتٍ لبنانيةٍ، ومنع إدخال المساعدات الدولية إلى لبنان، خصوصاً الخليجية، في ضوء انكفاء الدور الخليجي والمصري في البلد في المرحلة الراهنة. ما يعزز فرضية استمرار تعطيل تشكيل الحكومة في المدى المنظور. ولا ينفي إطلاقاً إمكان تبدل الأمور بين ليلةٍ وضحاها، في حال حدوث تفاهمات إقليمية ودولية على سير الأوضاع في لبنان، كالتسوية الرئاسية التي حدثت في العام 2016. ويقول: ” يبقى لبنان بلد المفاجآت في نهاية المطاف”. وتأكيداً على ذلك، جاءت دعوة السفيرة الأميركية شيا للرئيس دياب بتفعيل حكومته، غير أنه رفض الخروج من الأطر الدستورية.
ويختم المرجع بالقول: “لقد صمد محورنا في الحرب الكونية التي شنت علينا طوال هذا العقد من الزمن، من اليمن الى العراق الى سورية وصولاً الى لبنان، وقدمنا خيرة شبابنا، في سبيل الحفاظ على حقوقنا وعيشنا الكريم، فمن يفكر بإخضاعنا بالعقوبات، فهو واهم محض”. النشرة