قالت صحيفة “فايننشال تايمز” إن الأزمة الاقتصادية في لبنان تهدد بتدمير الطبقة المتوسطة. وفي التقرير الذي أعدته كلوي كورنيش قالت إن 3 من الرجال المسلحين جاءوا إلى بيت حسين في جنوب بيروت بعد التاسعة مساء، وكانت معهم رسالة واضحة من صاحب البيت وهي ضرورة إخلائه بعدما تأخر بدفع 1.400 دولار أجرة. وكان حسين قد خسر وظيفته كأمين مستودع منذ ثلاثة أشهر. وهو واحد من آلاف اللبنانيين الذين رأوا الظروف المعيشية تتراجع بسرعة فائقة، في أزمة مالية ونقدية لم تمر على البلاد منذ 30 عاما.
الحكومة تحذر.. ارتفاع معدلات البطالة قد يقود إلى احتجاجات جديدة من تحول 60% من سكان البلاد إلى مستوى الفقر بنهاية 2020.
وفي تلك الليلة جمع حسين عائلته وتركوا البيت وقال لهم: “علينا نسيان الماضي، كيف كنا نعيش وكيف كنا نشتري الأشياء”. وقبل الأزمة كان حسين يحصل على راتب ألفي دولار في الشهر وعاش حياة مريحة. وبعد دفع أجرة البيت المكون من 4 غرف نوم كان بإمكانه توفير رسوم الجامعة والمدارس لأبنائه الثلاثة وغير ذلك من المصاريف الأخرى. وبات اليوم بدون وظيفة حيث باع سيارة بي أم دبليو كان يملكها ومجوهرات زوجته وأثاث بيته، أما ابنته فقد منعت من مواصلة دراساتها الجامعية لأنها لم تدفع رسوم الساعات. وتقول كورنيش إن لبنان دخل الأزمة العام الماضي عندما قاد الغضب على فساد الطبقة الحاكمة إلى تظاهرات واسعة وبدأ الاقتصاد بالتباطؤ. وتحذر الحكومة مع ارتفاع معدلات البطالة التي قد تقود إلى احتجاجات جديدة من تحول 60% من سكان البلاد إلى مستوى الفقر بنهاية 2020. وتقول سها زعيتر، المديرة التنفيذية لجمعية بنك الطعام اللبنانية: “كان لدينا طبقة اسمها الأثرياء الجدد” و”الآن أصبح لدينا الفقراء الجدد، وهم الناس الذين كانوا ينتمون للطبقة المتوسطة”. وكدليل على زيادة العائلات الفقيرة في لبنان فقد وزعت الجمعية رزم طعام هذا العام 6 أضعاف ما وزعته في عام 2019. ومن بين المحتاجين الجدد موظفون فقدوا أعمالهم في الشركات والدوائر المدنية، من أصحاب حرف المحاسبة إلى العاملين بالتسويق. وطلبت الحكومة من صندوق النقد الدولي الدعم المالي ولكن لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق حول البرنامج. وأصبح أبناء الطبقة المتوسطة وعائلات الدخل المتدني في مخاطر بسبب بطء النمو الاقتصادي في حكومة لم يعد لديها المال ولم تستطع دفع دينها الخارجي. وقال جاد صقر، مدير فرع لبنان في منظمة “سيف ذا تشيلدرن” والتي كانت تعمل في مساعدة اللاجئين السوريين والفلسطينيين ولكنها تدعم اللبنانيين الآن: “لبنان ليس بلدا فيه حماية اجتماعية”. وزادت حدة الأزمة الاقتصادية خلال موجة وباء كورونا. وفي دراسة مسحية نشرت نتائجها في حزيران/يونيو منظمة العمل الدولية جاء أن 37% من المشاركين قالوا إنهم بدون عمل و80% قالوا إنهم أعفوا من أعمالهم إما مؤقتا أو بشكل دائم بسبب وباء كورونا وما رافقه من إغلاق شامل. ولكن المشكلة الرئيسية هي أن لبنان أنفق أبعد من قدرته خلال الأعوام الأربعة الماضية، وذلك لتمويل فاتورة الاستيراد والتي تضم 80% من طعام لبنان، حسبما أشارت دراسة للأمم المتحدة. وبدلا من الاستثمار في الإنتاج المحلي فقد تم استخدام العملة الأجنبية التي اجتذبتها البنوك اللبنانية وبفوائد عالية لتمويل الحكومة ودفع فاتورة الاستيراد ودعم الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي، بشكل زاد ومن ناحية سطحية قدرة الشراء المحلية. ويقول شربل نحاس، الاقتصادي والسياسي المعارض: “استفادت الطبقة المتوسطة من السياسة النقدية” و”انعكس هذا من خلال التفاخر بالاستهلاك” والذي عزز من بيروت كعاصمة الحفلات في الشرق الأوسط. ولكن سياسة الحكومة النقدية انفجرت في العام الماضي حيث فقد الرأي العام الثقة بها مع جفاف العملة الأجنبية خاصة الدولار. ومن ثم انهارت العملة اللبنانية وزادت معدلات التضخم وأسعار المواد الأساسية بنسبة 55%.