تتزايد المخاوف من فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، بعدما نجح هذا الوباء بعزل ثلث سكان العالم، حيث أصاب أكثر من نصف مليون شخص، وحصد أرواح 23 ألفا، كما غيّر نمط حياة البشر على كوكب الأرض، في وقت بدأ فيه الخبراء بالتساؤل عن مستقبل النظام العالمي الحالي وطبيعة الحياة بعد أزمة كورونا التي كشفت هشاشة النظام الصحي في العالم، بعد عجره عن استيعاب الأعداد الكبيرة من المصابين بالفيروس.
في التحقيق التالي، تسلط “القدس العربي” الضوء على أوضاع الجالية العربية المقيمة في دول باتت تشكل بؤرا لفيروس كورونا، عبر شهادات خاصة لعدد من المواطنين العرب المقيمين في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
إيطاليا.. الموت مرّ من هنا
في العاصمة الإيطالية روما، تقضي الروائية نجوى بن شتوان جلّ وقتها في القراءة والكتابة ومشاهدة الأفلام، فهي لا تخرج إلا نادرا لشراء الدواء والمواد الغذائية الضرورية.
بن شتوان: ارقام الحكومة الأيطالية حول عدد الإصابات مشكوك بها، هناك تكتم على العدد الكبير للموتى
وتقول لـ”القدس العربي”: “عُدت إلى روما في الأول من آذار/مارس، ولم يكن هناك أي إجراءات للعزل الصحي أو الفحص في المطار، سوى جهاز عام لقياس درجة الحرارة للمسافرين القادمين إلى البلاد. لكني عزلت نفسي في المنزل لمدة أسبوعين. كان لدي أعراض أنفلونزا وخشيت أن أكون مصابة بوباء كورونا، لكن هذا القلق تبدد لاحقا بعدما تأكدت من عدم الإصابة بالفيروس. والآن أنا ملتزمة بالحجر الصحي الذي فرضته الحكومة، ولا أخرج من المنزل إلا نادرا لزيارة السوبر ماركت أو الصيدلية القريبين من منزلي”.
وتشكّك بن شتوان بالأرقام التي أعلنتها الحكومة حول عدد الإصابات بفيروس كورونا، مشيرة إلى احتمال وجود تكتم حول العدد الكبير للموتى وخاصة شمال البلاد، حيث يبدو الوضع كارثيا.
وتضيف “قبل أن تتحول إيطاليا إلى بؤرة للفيروس تفوق الصين، لم يكن هناك جدّية من الناس، كما أن الدولة تأخرت في إعلان حالة الطوارئ واتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انتشار الفيروس القاتل. الآن هناك حجر صحي في جميع أنحاء البلاد، والحكومة تفرض حظر تجوال وتمنع التنقّل بين المدن، وقامت بإغلاق المناطق الحيوية وإيقاف الدراسة، والحياة متوقفة عموما في البلاد”.
لكن هذه الإجراءات غير كافية للحد من انتشار الفيروس، فالمرض ما زال يتجول في الخارج. تقول بن شتوان “هناك خوف كبير وتخبّط بين الناس وخاصة لدى كبار السن الذين يفضّلون البقاء في المنازل. والخوف ناتج عن الخشية من الإصابة وليس بسبب الوعي. لأن عدد الإصابات والوفيات يزداد. ورغم الدعم الطبي الذي تتلقاه إيطاليا من بعض الدول كالصين وروسيا، إلا أنه ثمة عجز كبير في القطاع الصحي. كما أن الكمامات اختفت من الصيدليات وأسعارها باتت مرتفعة جدا”.
وتحذّر من تداعيات الأزمة على الجوانب الأخرى وخاصة على الصعيد الاجتماعي والنفسي “فالناس لن يصبروا على بعضهم بعضا في المنازل لمدة طويلة، في ظل وجود أطفال وعائلة كبيرة العدد، وخاصة أن الناس في إيطاليا معتادون على الحياة والخروج من الإطارات كلها، فكيف بحجبهم الآن في إطار واحد؟”.
وباتت إيطاليا الدولة الأولى في العالم بعدد الوفيات الناجمة عن وباء كورونا، حيث توفي 8000 شخص حتى الآن، وتجاوز عدد الإصابات بالفيروس 80 ألفا، إلا أن أنجيلو بوريلي، مدير وكالة الدفاع المدني، المسؤولة عن جمع بيانات فيروس كورونا، اعتبر أن العدد الحقيقي للإصابات قد يتجاوز 600 ألفا.
نيويورك.. أين ورق التواليت؟
حالة ذعر وقلق كبيرة يعيشها سكان نيويورك حاليا، وخاصة بعدما تحولت مدينتهم لبؤرة وباء فيروس كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية، رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها السلطات لاحتواء الوباء.
خوري: “إذا لم تصل المساعدات الفيدرالية للعائلات الأمريكية في الوقت المناسب، فسيكون الوضع سيئا”
وكما هي العادة في الحروب والكوارث في العالم، فإن الناس يقبلون بكثافة على المواد الغذائية والاستهلاكية. يقول عصام خوري (كاتب وصحافي) لـ”القدس العربي”: “في البداية لم يكترث الناس كثيرا بالتحذيرات ولم يلتزموا بارتداء أقنعة الوجه (الكمامات)، ولكن أغلبهم الآن يضعون كمامات. المدينة مغلقة بالكامل، وهناك هناك حالة ذعر وقلق كبيرة، تدفع الناس للإقبال بشكل كثيف جدا على استهلاك المواد الغذائية والطبية. حتى أن ورق التواليت لم يعد متوفرا في المتاجر، كما أن مادة الكحول المعقم فُقدت من الصيدليات لبضعة أيام، وارتفعت أيضا أسعار بعض المنتجات، قبل أن تتدخل الحكومية لتدارك الأمر ومعاقبة الأشخاص الذين يرفعون الأسعار لأكثر من عشرة في المئة”.
لكن عدد الكمامات يتناقص باستمرار وأسعاره مرتفعة جدا، وهذا ما يؤرق الناس والسلطات أيضا، يقول خوري “إذا لم تصل المساعدات الفيدرالية (الفا دولار لكل عائلة) في الوقت المناسب، فسيكون الوضع سيئا. ورغم تدخل الجيش لبناء مراكز طبية، حيث تم توفير حوالي ألف غرفة طبية لاستقبال المرضى، لكنها ليس كافيا لمدينة كبيرة مثل نيويورك، وخاصة أن عدد الإصابات بفيروس كورونا فيها تجاوز 31 ألفا”.
على الصعيد الشخصي، لا يواجه خوري أي مشكلة “فمكتبي قريب من المنزل وهذا يساعدني كثيرا في العمل، ويؤمن لي -كصحافي- هامشا بسيطا للحركة. ولكن المشكلة تتعلق بالناس الذين توقف دخلهم، وخاصة أن نيويورك مدينة غالية ومن الصعب جدا عليهم تأمين إيجار منازلهم”.
ويضيف “المدينة مشلولة عموما. فهي تعتمد على المترو في حركة التنقل، ونادرا ما ترى أشخاصا داخل عربات المترو، لأنهم -ببساطة- يخشون العدوى بفيروس كورونا. ورغم الجهود التي تبذلها السلطات لتعقيم محطات وعربات المترو، إلا أن هذه الإجراءات غير كافية للحد من انتشار العدوى، وخاصة أن وسائل النقل تعتبر وسطا ملائما جدا للإصابة بالفيروس”.
وتحتل الولايات المتحدة حاليا المركز الأول عالميا من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، والذي بلغ 83 ألفا، توفي منهم أكثر من 1200 شخص.
وكانت منظمة الصحة العالمية حذرت من تحول الولايات المتحدة إلى بؤرة عالمية للفيروس، مشيرة إلى أن عدد الإصابات فيها قد يتجاوز أوروبا التي تشكل حاليا البؤرة الأساسية للفيروس.
ألمانيا.. تمتّع بالشمس وابتعد عن الآسيويين!
في شارع العرب ببرلين (زونين آليه)، يتجوّل بسام داوود (ممثل ومخرج مسرحي)، للتمتع بأشعة الشمس، فهو كأغلب سكان العاصمة الألمانية، لا يلتزم بتعليمات الحظر الصحي في البلاد.
داوود: هناك أكثر من ألف إصابة بفيروس كورونا في مدينة برلين، لكن المدينة لم تصب بالهلع، والحياة مستمرة
ويقول داوود لـ”القدس العربي”: “هناك أكثر من ألف إصابة بفيروس كورونا في مدينة برلين، لكن المدينة لم تصب بالهلع، فالحياة مستمرة، صحيح أن السلطات ألغت الكثير من الفعاليات والأنشطة وأغلقت أماكن تجمع ومطاعم، ومنعت وجود الناس في الأماكن المغلقة، ولكن الوضع يختلف كليا في الشوارع، فالناس موجودون بكثرة لشراء الطعام والمواد الاستهلاكية، وهم يخرجون للتمتع بأشعة الشمس في الحدائق، ولكن ليس بتجمعات كبيرة، فقد تجد أحيانا تجمعا صغيرا لبعض الأصدقاء. ونستطيع القول إن الناس يمارسون حياتهم الطبيعية قدر الإمكان ضمن الظروف المتاحة، كما أن وسائل النقل ما زالت تعمل بشكل طبيعي”.
ويضيف “الألمان عموما يلتزمون بتعليمات الحجر الصحي، ولكن بنسب متفاوتة حسب المناطق ومرجعيات كل شخص وثقافته. ففي شارع زونين آليه مثلا تجد حركة ونشاطا أكثر -نسبيا- من المناطق الأخرى، ونستطيع القول إن العرب أقل التزاما بالتعليمات من الألمان، فقد تجد بعضهم في المحال التجارية، كما أن الشباب الألمان أقل التزاما من الشيوخ، فهم يرتادون الحدائق بكثرة، وخاصة في ظل وجود شائعات تؤكد أن الفيروس يصيب الشيوخ أكثر من الشباب”.
وتبدو السلطات الألمانية أقل تشددا من جيرانها الفرنسيين فيما يتعلق بتشديد إجراءات الحظر الصحي، رغم أن البلاد تحتل المرتبة الخامسة عالميا بعدد الإصابات، بواقع 43 ألف إصابة، توفي منهم حوالي 240 شخص.
ويقول داوود “الإجراءات الصحية التي اتخذتها السلطات الألمانية ليست كافية، طبعا يمكن اعتبار إغلاق أماكن التجمعات والمسارح والمطاعم وغيرها قرارات جيدة، لكن كان يفترض أن تشدد السلطات الحظر أكثر – مثلما حدث في إيطاليا وفرنسا – ليتم منع التواصل بين الناس خلال هذين الأسبوعين على الأقل، حتى تظهر أعراض المرض لدى الناس”.
ويضيف “هم يكتفون فقط بمطالبة الناس بالحد من حركتهم، ولكن الحركة في الشارع مستمرة. وإذا صعدت إلى وسائل النقل (المترو والحافلات) ستجد عددا كبيرا من الناس، ويمكن ببساطة أن تنقل العدوى للناس أو تتلقاها من أحدهم”.
لكن الألمان لا يختلفون كثيرا عن نظرائهم في الدول الغربية، فهم يقبلون بنهم على المواد الطبية والغذائية، يقول داوود “منذ أسبوعين تم الحديث عن إمكانية إغلاق البلاد، ومن حينها هناك حالة هجوم على الشراء وخاصة ورق التواليت والمواد المعلبة والمعكرونة والرز وغيرها، كما أن المواد الكحولية المعقّمة مفقودة الآن، وتضطر للانتظار عدة أيام لاقتنائها”.
كما يشير إلى وجود “فوبيا” حاليا لدى الألمان من الأشخاص ذوي الملامح الآسيوية، فـ”في بداية الأزمة تم اضطهاد الأشخاص القادمين من شرق آسيا والحاملين للملامح الصينية كاليابانيين والكوريين وغيرهم، كما تم تجنّبهم في وسائل المواصلات. فذات مرة صعدت للمترو وكان هناك شخص يحمل ملامح شرق آسيوية يجلس وحده، لأن الناس – ببساطة- لم يصعدوا إلى المقصورة التي يجلس فيها. وفي إحدى المرات، كان هناك فتاة صينية تحمل لافتة تقول بالإنكليزية “أنا لست فيروسا!”.
وتعوّل ألمانيا في محاربة الوباء على إمكانياتها الاقتصادية الكبيرة ونظامها الصحي المتفوق على بقية الدول الأوروبية. كما أنها قررت أيضا الاستفادة من التجربة الصينية، حيث أعلنت السلطات عن بناء مستشفى ضخم أمام قاعة المعارض في العاصمة الألمانية، يتسع لألف سرير لمرضى فيروس كورونا.
فرنسا.. كيف تُقنع الناس بعدوّ غير مرئي؟
لطالما شكلت مدينة ستراسبورغ رمزاً للصراع الألماني الفرنسي بوصفها عاصمة لإقليم الألزاس المتنازع عليه تاريخياً، لكنها تعتبر اليوم رمزاً للتعاون بين البلدين، حيث يتم نقل عشرات المصابين منها يوميا لتلقي العلاج في مستشفيات ألمانية، بعدما باتت إحدى البؤر الرئيسية لفيروس كورونا في فرنسا، التي تحتل المرتبة السابعة عالميا، بعدد إصابات يتجاوز 29 ألفا.
سفر: لا قناعة لدى سكان مدينة ستراسبورغ بوجود خطر غير مرئي قد يحول حياتهم لجحيم
غير أن الألزاسيين “ما زالوا غير مقتنعين بوجود خطر غير مرئي قد يحول حياتهم إلى جحيم، رغم أن شركائهم في المدينة من مهاجرين ولاجئين، كانوا أكثر تحسساً حيث بدا عليهم الاستعداد المبكر للعزل المحتمل فتقاطروا جماعات جماعات إلى المتاجر الكبيرة وأفرغوها من المواد الأساسية التي تمكنهم من الصمود أطول مدة في حال تم فرض إجراءات أقسى”، هذا ما يؤكد الشاعر والإعلامي علي سفر.
ويقول سفر لـ”القدس العربي”: “الإحساس بالهلع لم يصبح حالة عامة هنا، ربما بسبب حالة التضامن والتكافل السائدة في فرنسا عموماً، ولكن ثمة خوف من ضعف الإمكانيات في الإقليم، حيث نكبت فيه مدينة مولوز بعدد كبير من الإصابات نسبياً ما جعل منطقة “الشرق الكبير” التي يقع فيها الإقليم تحوز المرتبة الثانية في فرنسا لجهة عدد الإصابات!”.
ويضيف “هذا الأمر كان مادة الحديث اليومي في وسائل الإعلام المحلية والوطنية، وقد نال الأمر حصة في إجراءات الرئاسة الفرنسية حيث أُمرت قيادة الجيش بوضع كافة وحداتها الطبية في خدمة المدينة المنكوبة، وما برحت تنقل المصابين من مشافي مولوز إلى أقاليم أخرى ومدن أوروبية قريبة!”.
وكانت السلطات الفرنسية أرسلت قطارا سريعا مجهّز طبياً إلى منطقة الشرق الكبير لمساندة المستشفيات المحلية الرازحة تحت عبء الحالات شديدة الخطورة، حيث قام بنقل مصابين بفيروس كورونا وتوزيعهم على بعض المستشفيات في الغرب الفرنسي.
بلجيكا.. الحياة في زمن كورونا أشبه بما قبله
لم يتأثر البلجيكيون كثيرا بأزمة كورونا، فهم عادة لا يفضلون الخروج من المنزل الا للقيام بأنشطة محدودة كالرياضة والتسوق، وبالتالي هو معتادون أساسا على الحجر الصحي.
ياغي:
ويقول الصحافي المقيم في بروكسل، كزناف ياغي لـ”القدس العربي”: “المجتمع البلجيكي منغلق بشكل عام، والناس هنا لا يتحدثون كثيراً مع الغرباء (الأشخاص الذين لا يعرفونهم)، كما أنهم لا يخرجون من المنزل الا للتسوق او ممارسة الرياضة، ولذلك لن يحسّ المواطن البلجيكي بفارق كبير في ظل الحجر الصحي الذي تفرضه الحكومة بسبب كورونا. ولكن يهتم فقط بانعكاس أزمة كورونا على الاقتصاد، وهو ما سينعكس سلبا على حجم ادّخاره السنوي”.
ياغي: المجتمع البلجيكي منغلق بشكل عام، لذلك لن يشعر بفارق كبير مع الحجر الصحي
ويضيف “الحياة شبه طبيعية الآن. إذ لم يحصل تزاحم على المواد الغذائية كما لم تخف حركة الناس في الشوارع، وهو ما دفع الحكومة لحظر التجمعات في الشوارع ومساءلة من يخالفون حظر التجوال. والآن بدأت تظهر قوانين أكثر صرامة كالعقوبات والغرامات المادية. وبعد هذه الإجراءت المشددة، بات أغلب المواطنين مقتنعون بضرورة الالتزام والمكوث في البيت، والخروج فقط عند الحاجة، وأخذ مسافة متر او اكثر عند التسوق او في اي مكان عام”.
وما زال عدد الإصابات بفيروس كورونا في بلجيكا “مقبولا” قياسا بالدول الأوروبية الأخرى، حيث أصاب الفيروس 6235 شخصا، توفي منهم 220، لكن وزارة الصحة البلجيكية تؤكد أن هذه الأرقام قد تكون أقل من الواقع نظرا للتأخر في الإبلاغ عن الحالات الجديدة.