فيما قبلت بعض دول العالم وتبعتها الأمم المتحدة في الاستجابة لطلب إسرائيل بإلغاء تعريف الصهيونية كنوع من العنصرية، يؤكد رئيس برلمانها الأسبق أنه لا يوجد شيء يدعى صهيونية ليبرالية، مشددا على كونها وسيلة ما زالت تُستخدم للإقصاء والتمييز.
جاء ذلك في مقال رأي لأفراهام بورغ، يساند فيه دعوة رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة للتخلص من المصطلح العنصري “المتداول في إسرائيل خاصة في مواسم الانتخابات، وهو أغلبية يهودية”.
ويرد بورغ في مقاله على أحد المدافعين عن هذا المصطلح، وزير الخارجية الأسبق يوسي بيلين.
طيلة فترة الجولات الانتخابية المتتالية للبرلمان الإسرائيلي، بقي رئيس القائمة المشتركة النائب أيمن عودة يؤكد على عنصرية مصطلح “أغلبية يهودية” داعيا لاستبداله بمصطلح آخر: “أغلبية مدنية”. بذلك لم يكن عودة يرد على رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو فقط، بل على أوساط إسرائيلية واسعة شاركته في نزع شرعية المواطنين العرب (18% من السكان) واعتبار نوابهم غير شرعيين في اللعبة السياسية، وهؤلاء من أتباع اليمين وممن يعتبرون أنفسهم “مركزا أو يساريا صهيونيا”. من هؤلاء وزير الخارجية الأسبق يوسي بيلين (حزب العمل) الذي هاجم عودة قبل يومين في مقال نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم” المقربة من نتنياهو.
وفي مثل هذه القضايا طالما تجلى الفارق بين اليمين واليسار الصهيونيين، فالأول طالما خاطب الفلسطينيين في الداخل بشكل مباشر ودون رتوش، فيما كان الثاني يعبر عن ذات الرؤية بشكل غير مباشر وبلغة مغايرة تكون أحيانا على طريقة يأتي من طرف اللسان حلاوة.
في مقاله يقول بيلين: “إذا كان مصطلح الأغلبية اليهوديّة مصطلحا عنصريا، فإن اصطلاح الدولة اليهوديّة مصطلح عنصريّ أيضا، ويشمل ذلك الصهيونية. هذه أفكار أكثر الرجال براغماتية ومنطقية”. واختار هذه المرة الرد على بيلين أحدُ رفاقه وزملائه ممن خلعوا الصهيونية عن أنفسهم، واعتبرها فكرة متقادمة غير ذات صلة واستبدلها بهوية إسرائيلية مدنية.
الحديث يدور عن رئيس الكنيست الأسبق أفراهام بورغ، الذي ترك “حزب العمل” قبل سنوات وسبق أن أعلن دعمه للقائمة المشتركة، وقبل ذلك اتهم إسرائيل في كتابه “ننتصر على هتلر” بـ”تسليع المحرقة واستغلالها سياسيا حتى اليوم”.
وفي مقال نشرته هآرتس أمس يقول بورغ: “يوسي بيلين مثلي الأعلى، فهو معلم، شريك، صديق عزيز وخصم عنيد. لكن مقالته الأخيرة تحولت إلى جوهر خلافنا بل باتت الخطّ الفاصل بين المعسكر الصهيوني الأوسع واليسار الإسرائيلي الجديد الآخذ بالتبلور”.
ويستذكر بورغ مهاجمة بيلين لموقف أيمن عودة الذي اعتبر فيه مصطلح “الأغلبية اليهوديّة” مصطلحا عنصريا. ويضيف: “لا أعرف ماذا الذي خطر ببال عودة بالضبط حين كتب ما كتب، لكنّني، كواحد من بين آلاف مصوتي القائمة المشتركة، أردّ على بيلين بصراحة: هذا السؤال الذي تعتبره سؤالاً استنكارياً، إجابتي عليه عميقة ومؤلمة، فالصهيونيّة في إسرائيل اليوم تعني شيئاً واحداً واضحا فقط: العنصريّة. لا وجود لما تسميه دولة يهوديّة. أرأيت مرّة ملصقا يحمل شعار سيارة أجرة تحافظ على قدسية السبت؟ لا شك أنك تضحك الآن؟ معك حق. فما الذي تفعله تلك السيارة لتحافظ على قدسية السبت؟ تضيء شموعا؟ تذهب للكنيس؟ طبعا لا. فسيارة الأجرة هذه وسيلة فقط، فهي لا تعمل يوم السبت لأن السائق يحافظ على قدسية السبت، وعليه فالدولة أيضا وسيلة في خدمة الجمهور”.
ومن هنا يستنتج بورغ أنه لا يمكن لجوهر هذه الوسيلة أن يكون يهوديا- دينيا أو قوميا- وجوديا إلا عند الاضطرار الوجوديّ لذلك، وحتى في هذه الحالة على هذا الهامش القومي أن يصل حده الأدنى. ويقول إنه في “أحسن أحوالها هذه دولة قرر يهود كثر الانتقال والعيش فيها، وعليه يجب أن تكون دولة لكل مواطنيها”.
بورغ الذي يدعو منذ سنوات طويلة للتخلص من الصهيونية، يرى أنها التي تتمسّك بهذا التعصب، ليست إلا تعريفا فائضا عن الحاجة. ويقول إن لكل إسرائيلي هناك ثلاثة أسماء، تحت اسم العائلة اليهودي أولا إنسان ككلّ البشر، تحت الاسم الأوسط – إسرائيلي، وتحت الاسم الشخصي يمكن أن يكون يهودياً، مسلماً، مسيحياً، خُضرياً أو حارس بيارة حتى! ولا توجد أي حاجة لتعريف رابع. ويتساءل: “هل تشمل الصهيونية ما لا تشمله الإنسانية، أو المواطنة الإسرائيلية أو حتى الهوية الإيمانية الشخصية لكل شخص منا؟”.
عن ذلك يقول: “لا أظن ذلك” ويضيف: “كانت الصهيونية بمثابة السقالة التي مكّنت الشعب اليهودي من الانتقال من حالة الشتات إلى حالة الحكم السيادي المركزي. وتم تتويج هذه المساعي في أيّار عام 1948 ونجم عن هذا التتويج مأساة الفلسطينيين المرعبة، لذا دعني أخبرك يا بيلين في تلك اللحظة انتهى دور الصهيونية خاصتك”.
ويعلل بورغ رؤيته هذه بالقول إنه “ببساطة شديدة تم إنشاء المبنى السياسي ويعني بذلك دولة اليهود، ومنها انطلقت الإسرائيليّة”. ويتابع: “لكن كان هناك من نسي إزالة هذه السقالات المتهالكة، والتي مع الأسف وبفضل دعائم وهمية تدعي وجود صهيونيّة ليبرالية، ما زالت تُستخدم للإقصاء والتمييز. حيث يقوم كل من إيلي يشاي وميري ريغيف باستخدامها ضد العمال الأجانب، ويقوم ليبرمان باستخدامها ضد الحريديم، أما نتنياهو وغانتس فيستخدمانها ضد العرب. بيلين شو عم تعمل جوه (داخل) هاي الشلّة؟”.
ويؤكد بورغ مخاطبا بيلين إنه بامكانه مناقشة مقولته الرامية إلى الإبقاء على أغلبية يهوديّة من خلال رفضه ضم الضفة الغربية ورغبته بتسمية هذا الحيز “بيت اليهود القومي”. ويقول له:” لكنّك تعلم أنك تضلّل نفسك والآخرين معك بهذه الكلمات. فنقاشك السياسي، كنقاش عودة ونقاشي، لا يحدث في المناطق المحتلة ولا يدور حول رؤيّة الدولة الواحدة. بل يدور داخل دولة إسرائيل القانونية، حيث لا شيء يهدد الأغلبية اليهودية، وحيث من المفروض أن يتساوى تأثير وصوت كافة المواطنين. المطالبة بأغلبية يهودية تعني شيئا واحدا، حكومة دون عرب”.
ويتساءل بورغ بصراحة كاملة: “هل لديك وصف آخر لهذه المطالبة عدا عن كونها عنصرية وقبليّة؟”.
ويوجه بورغ دعوة لبيلين بأن يتنبه للغشاوة التي تغطي عينيه، ويكشف أنه في إحدى الجولات الانتخابيّة القادمة سيتنافس اتحاد يساريّ جديد الذي سيشمل صهيونيّين مثلك ومواطنين كأيمن عودة.
ويخلص بورغ للقول: “سيناضل عودة من أجل مساواة مدنيّة ودستوريّة للجميع، علمنة المجالات العموميّة والعدالة في توزيع الموارد العامّة. سيكون هذا نضالا شاقا بل سيكون عبارة عن مواجهة شاملة بين القومجيّة التي تشكّلت هنا وبين الرؤية المستقبلية المطلوبة. نحن بحاجة لشجاعتك القيميّة والسياسيّة. لقد قلت لك ذات مرّة اتبع قلبك وكن قائدًا، أمّا اليوم فأقول لك تعال مع قلبك، فإسرائيل وأنا نحتاجك”.