رفعت عمليّة إغتيال قائد فيلق القُدس التابع للحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سُليماني، ومعه نائب رئيس الحشد العراقي، أبو مهدي المُهندس، مُستوى التوتّر الأمني في الشرق الأوسط، إلى أقصى الدرجات. فلماذا أخذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا القرار الخطير، وكيف سيكون الردّ اِلإيراني،ومن سيُنفّذ هذا الردّ، وأين يُمكن أن تصل الأمور في المنطقة ككل، وماذا عن التداعيات على لبنان؟.
أوّلاً: إنّ إغتيال اللواء سليماني من قبل الجيش الأميركي، جاء بالنيابة عن إسرائيل والسُعودية والإمارات وغيرها من الدول، لأنّ قائد فيلق القُدس السابق كان مسؤولاً عن تأسيس بُنية عسكرية-أمنيّة إيرانيّة في العديد من دول المنطقة، من لبنان إلى سوريا وُصولاً إلى العراق واليمن، وحتى إلى غزّة، إضافة إلى أفغانستان خارج منطقتنا. وليس بسرّ أنّ هذه البنية العسكريّة نمت بفاعليّة خلال السنوات القليلة الماضية، بحيث صار النُفوذ الإقليمي الإيراني مؤثّرًا جدًا، وخطيرًا على أمن ومصالح العديد من حُلفاء واشنطن في الشرق الأوسط والخليج وغيرها. وقد كانت العديد من الدول، وفي طليعتها إسرائيل، راغبة بإغتيال سليماني، إلا أنّها لم تكن تجرؤ على ذلك، خوفًا من ردّ الفعل الإيراني، ما أدّى في النهاية إلى تولّي الولايات المتحدة الأميركيّة هذه المهمّة البالغة الأهميّة والخُطورة.
ثانيًا: صحيح أنّ عمليّة الإغتيال حرفت الأنظار عن مشاكل الرئيس الأميركي الداخليّة، والإرتدادات المُرتقبة قد تحمي ترامب من أي مُحاولات لعزله، لكنّ الأصحّ أنّ قرار الإغتيال لا يُمكن أن ينطلق من هذه الإعتبارات فحسب، حيث أنّه يحمل أبعادًا إستراتيجيّة. وفي هذا السياق، إنّ الكباش الأميركي-الإيراني المَفتوح، يهدف إلى بسط قواعد جديدة في الإقليم ككل، لكنّ طهران كانت حتّى الأمس القريب لا تزال تُقاوم الضُغوط الأميركيّة السياسيّة والإقتصاديّة، وتواصل توسيع نُفوذها السياسي والعسكري غير المُباشر في العديد من دول المنطقة، مُستفيدة من أقليّة إسلاميّة لا تنتمي إلى الطائفة السُنيّة تارة، ومن جماعات إسلاميّة على خلاف عقائدي وسياسي مع مراجعهاالتقليديّة حينًا آخر. وعلى الرغم من الطابع الأمني لعمليّة إغتيال سليماني إلا أنّه يهدف على المدى المتوسّط إلى جلب طهران إلى طاولة المُفاوضات مع واشنطن-أقلّه بحسب الرهان الأميركي والذي ستُثبت المرحلة المُقبلة ما إذا كان صحيحًا أم غير صائب إطلاقًا!.
ثالثًا: بالنسبة إلى الردّ الإيراني المُتوقّع فهو سيكون بأبعاد إستراتيجيّة أيضًا، بمعنى أنّه لن ينحصر بقتل مسؤول أميركي كبير، أو بضرب مجموعة من القواعد العسكريّة الأميركيّة-كما تردّد. فكما أنّ الهدف الأميركي من إغتيال سليماني يشمل قصّ أجنحة إيران الإقليميّة، وتحجيم نُفوذها، فإنّ هدف أيّ رد إيراني سيكون-إضافة إلى مُواصلة تنفيذ البنية العسكريّة الإقليميّة التي أنشأها سُليماني، إضعاف الوُجود الأميركي في المنطقة، ودفع واشنطن إلى سحب قوّاتها كليًا من العراق، ثم من غيرها من المناطق، من خلال تنفيذ سلسلة من الضربات والهجمات التي ترمي إلى إيقاع أكبر عدد مُمكن من الخسائر في الأرواح، الأمر الذي سيُشكّل موجة ضغط شعبي كبيرة داخل الولايات المتحدة الأميركيّة، لسحب القوّات الأميركيّة من المنطقة، وستجعل أيّ أميركي يخشى زيارة أي دولة في الشرق الأوسط أو الخليج.
رابعًا: بالنسبة إلى الجهّات التي ستُنفّذ هذا الردّ فهي ستكون مُتعدّدة، ولن تكون محصورة بالجيش الإيراني بشكل مُباشر. وبالتالي، إنّ كل المُنظّمات والميليشيات المُسلّحة والمُدرّبة والمُموّلة من قبل إيران، ستكون مَعنيّة بتنفيذ هجمات ضُدّ المصالح الأميركيّة، لكن ليس بشكل عشوائي، بل بشكل مُنظّم ومَدروس، ووفق خطة مُتكاملة تُحدّد أماكن الإستهداف وأزمنتها. وكلّما تمكّنت إيران من تنفيذ ضربات مُوجعة عبر أذرعها الأمنيّة غير الإيرانيّة، كلّما كان الأمر أفضل لها، تجنّبًا لتحمّل ردّات الفعل بشكل مُباشر. إشارة إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة تملك عددًا كبيرًا من القواعد العسكريّة في الشرق الأوسط والخليج(1)، الأمر الذي يضع قوّاتها في مرمى النيران في المنطقة، في حال وُجود النيّة بضربها.
خامسًا: في ما خصّ ما ستؤول إليه الأمور بعد الشروع في مُهاجمة سلسلة من الأهداف الأميركيّة في المنطقة، فإنّه من المُرجّح أن تزيد مخاطر عمليّات الإستهداف، وعمليّات الرد. ويُمكن أن تبقى الأمور مَضبوطة ضُمن سقف مُعيّن، في حال إستعانت إيران بالوحدات غير الإيرانيّة وغير النظاميّة في هجماتها، وكذلك في حال إكتفت الولايات المتحدة الأميركيّة بالردّ على هذه الأذرع الخارجيّة لإيران. أمّا في حال لجأت طهران إلى ردّ مُباشر من قبل قوّاتها ضُد الأميركيّين، أو في حال لجأت واشنطن إلى ردّ مُباشر ضُدّ أهداف داخل إيران(2)، فإنّ الأمور يُمكن أن تتدهور سريعًا إلى مُواجهة عسكريّة واسعة تنخرط فيها أكثر من دولة، ما لم يُسارع المُجتمع الدَولي إلى جمع واشنطن وطهران في مُفاوضات تهدئة، علمًا أنّ الأوروبيّين باشروا من اليوم التحرّك دبلوماسيًا لتخفيف التوتّر، من خلال العمل على ثني إيران عن الردّ في مُقابل وعودبتخفيف الخناق الإقتصادي عنها، الأمر الذي قد يفتح بابًا للتفاوض غير المباشر بين واشنطن وطهران.
سادسًا: بالنسبة إلى التداعيات المُرتقبة على لبنان، فهي الأقلّ نسبة إلى المخاطر التي ستلحق بالعراق وبباقي الدول التي ينتشر الجيشالأميركي فيها. وبالتالي، لا مخاطر مُباشرة على لبنان، طالما أنّ إسرائيل خارج المُواجهة المُنتظرة بين القوى المُسلّحة المَدعومة من إيران والقوّات الأميركيّة في منطقتنا.
(1) تستضيف قطر قاعدة “العديد” وهي أكبر قاعدة عسكريّة أميركيّة خارج الولايات المتحدة الأميركيّة، في حين تضمّ الكويت أكبر عدد من الجنود الأميركيّين في منطقة الخليج. ويتمركز الأسطول الخامس الأميركي في البحرين، علمًا أنّ الجُنود الأميركيّين موجودون أيضًا في السُعودية والإمارات وسلطنة عمان في إطار إتفاقات تدريب حينًا أو وفق تسهيلات تسمح بإستخدام المطارات والمرافئ حينًا آخر، من دون أن ننسى الوجود العسكري الأميركي في مناطق حُدوديّة بين سوريا والعراق، إلخ…
(2) هدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتوجيه ضربة ضُدّ إيران بشكل مُباشر، في حال تعرّضت طهران للقوّات الأميركيّة، مُتحدّثًا عن وُجود لائحة تضمّ 52 هدفًا.النشرة