في السعودية اليوم.. قلة الأدب لا تثير اهتماما قدر انتقاد النظام

تحت عنوان “السعودية تتغير بسرعة”، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” مقالا قالت فيه كارين إليوت هاوس إن “اللبرلة” الاجتماعية تفوقت على الإصلاحات الاقتصادية ولكن لا عودة للوراء كما يبدو.
وجاء مقالها بعد زيارة للمملكة استغرقت ثلاثة أسابيع حيث وصفت السعوديين هذه الأيام مثل قطار ملاهي سريع ينتقل ركابه من نقطة مثيرة لأخرى. وحتى بعد الهجوم الصاروخي الإيراني الذي هدد الأمن القومي والحياة اليومية إلا أن الحريات الاجتماعية التي لم يتخيلها أحد من قبل في تسارع مستمر.

يخشى بعض السعوديين من الاعتقال حتى بسبب انتقاد خفيف، بالإضافة لمقتل جمال خاشقجي الفظيع العام الماضي وتجريد الأمراء البارزين من ثرواتهم وسجنهم عام 2017. لا يعبر السعوديون عن هذه المخاوف إلا في الأحاديث الخاصة جدا.

كل هذا ترك بعض السعوديين في حالة من النشوة فيما تجمد آخرون من الخوف. ويظهر التغيير في العاصمة إلى المناطق الريفية في جيزان بجنوب البلاد إلى تبوك في الشمال. فتيات مراهقات يصرخن بطريقة جنونية أثناء حفلة لفرقة غنائية كورية “بي تي أس”. ونساء سعوديات يركضن خمسة كيلومترات بشوارع الرياض بقمصان قصيرة الأكمام وسراويل ضيقة، فيما يجلس فريق من النساء والرجال براحة في مقهى “ستارباكس”. ولم تعد الفنادق تسأل الأزواج لتقديم وثيقة زواج للفحص.

وكل هذه التغيرات في المجتمع السعودي حيث كانت المرأة حتى وقت قريب ترتدي العباءة وتمنع من قيادة السيارة أو تظهر مع الرجل في الأماكن العامة. وتضيف: “أكثر المجتمعات الإسلامية تشددا يقلد الأخلاق الغربية حيث تحاول الحكومة جذب السياح الأجانب والمستثمرين الذين تحتاج لأموالهم لتنويع اقتصادها ووقف اعتمادها على النفط”.

وتقول هاوس إن النظام السعودي غير قلق لتآكل الخصوصية الثقافية للمملكة. فهو يرى أن وسائل التواصل الاجتماعي في كل مكان بشكل يمزج كل الثقافات مما يجعل من الحفاظ على الخصوصية أمرا غير قابل للتطبيق وغير مرغوب أن تغلق السعودية على نفسها وتنعزل عن التوجهات الدولية المستمرة. وتقول الكاتبة إنه من الصعب تقييم الكيفية التي تؤثر فيها التغيرات الحالية على المواطن العادي. فالنقاش المفتوح والجدال لا يسمح به مما يعني عدم القدرة على جس نبض الرأي العام.

ويخشى بعض السعوديين من الاعتقال حتى بسبب انتقاد خفيف، بالإضافة لمقتل جمال خاشقجي الفظيع العام الماضي وتجريد الأمراء البارزين من ثرواتهم وسجنهم عام 2017. لا يعبر السعوديون عن هذه المخاوف إلا في الأحاديث الخاصة جدا. فالمملكة تدار بناء على ما يمكن تسميتها “قاعدة ثامبر” عندما يقوم والد الأرنب الصغير “بامبي” بتعليمه قاعدة “إن لم تقل شيئا جيدا فلا تقل أي شيء”، أو “إن كان الكلام من ذهب فالسكوت من فضة”.

وقال سعودي يشعر بالخوف: “نحن نركب في المقعد الخلفي لسيارة سريعة” و”لا نعرف إلى أين نحن ماضون ولكننا ندعو الله أن السائق يعرف لكي نتجنب الاصطدام”، وهذا أقرب ما يمكن للسعوديين الحديث عنه بطريقة نقدية. فيما يلخص سعودي آخر الوضع بقوله: “كنا نناقش لكن لم نكن نقرر”، أما الآن فالملك وولي العهد “يقرران لكننا لا نناقش”.

لخص سعودي آخر الوضع بقوله: “كنا نناقش لكن لم نكن نقرر”، أما الآن فالملك وولي العهد “يقرران لكننا لا نناقش”.

وتعلق الكاتبة أن ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد، قرر المضي في الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، مع أن الأخيرة أصعب ولن يمنعه شيء إلا أنه يؤمن ومن حوله أن هذه الإصلاحات ضرورية وعاجلة. ولهذا يرى أن النقاش لا معنى له، فهو لا يرى إمكانية للتراجع عن قراره ولا خوف من ردة فعل التيار المحافظ. فقد تحولت السلطة الدينية التي كانت قوية جدا إلى بوق إعلامي للنظام فيما لم يعد الرأي العام يلقي بالا لها.

وحتى التهديدات الأجنبية تعد حرفا للنظر وليس ردعا لولي العهد عن مواصلة أجندته المحلية. فالتغير ماض، وتنفق الحكومة المليارات على مناسبات الترفيه وجلب المصارعة والتنس وسباق السيارات والمطاعم الفخمة والفرق الموسيقية إلى المملكة كوسيلة لدفع السياحة. وتشير إلى دعوة على العشاء مع عائلة سعودية حيث قادتها امرأة سعودية بدون حجاب وشعر مقصوص وبدون عباءة. وقالت امرأة كانت حاضرة إنها شعرت وكأنها خارج المكان عندما شاهدت فنانة لبنانية وهي تصل إلى الفندق بثوب للمساء بلا أكمام.

وتعلق الكاتبة أن “قلة الحشمة” هذه لم تعد تثير الخوف قدر انتقاد النظام الذي يحمل مخاطر كثيرة.

وبعيدا عن التغيرات الاجتماعية فالتحول الاقتصادي يقتضي استثمارات ضخمة. ومن هنا جاء قرار السعودية طرح أسهم من شركة النفط أرامكو في السوق العام. وتقول إن المخاطر على الإصلاح الاقتصادي لا تنبع من الداخل ولكن من الخارج. وتشير إلى هجمات 14 أيلول (سبتمبر) على منشآت النفط التي أدت لوقف نصف الإنتاج. ورغم عودة الأمور لطبيعتها إلا أنها أظهرت المخاطر ومكامن الضعف في بنية النفط. ونقلت عن وزير النفط الجديد الأمير عبد العزيز بن سلمان قوله: “لقد بكيت ليلة الهجوم” و”في اليوم الثاني ذرفت دموع الشكر عندما قام مهندسو أرامكو بالتأكيد لنا أنهم سيصلحون الأمور سريعا”.

ولم تلتق في السعودية من يتحدث عن الهجمات على منشآت النفط، ولو تم الضغط على السعوديين فإنهم يقولون إن بلادهم كانت مصيبة في عدم الرد. وكان التعليق: “سنخسر الكثير”. والحقيقة هي أن السعودية ليست في وضع لتذهب إلى حرب ضد إيران. فالجيش السعودي ضعيف والحليف الأمريكي متردد وحرب مع إيران تعني نهاية أجندة الإصلاح. وأكد السعوديون في معرض تبريرهم عدم الرد أن الهجوم على المنشآت النفطية لم يكن موجها ضدهم بل ضد أمريكا. وقال وزير النفط: “هذا ليس هجوما على السعودية” و”لكن على كل بيت في العالم”.

وأكد أن إيران استهدفت السعودية بسبب الضغوط التي تسببت بها العقوبات الأمريكية على إيران التي لا تستطيع ضرب أمريكا مباشرة. ووصف محمد بن سلمان الهجوم “بالأحمق”، مؤكدا أن طهران وليس الرياض هي الخاسرة. والدليل: إيران باتت أكثر عزلة أكثر من أي وقت حيث شجبت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا- مع أنها لم تفرض عقوبات عليها. ويقول السعوديون إن حلفاء إيران في اليمن، الحوثيين، لديهم استعداد للتوصل إلى تسوية في حرب تجفف منابع الخزينة السعودية وسمعتها الدولية. ويحاول السعوديون تبرير الهجمات الإيرانية وأن طهران الخاسرة لدرجة أن القيادة البارزة باتت تصدق هذا الكلام.

في الوقت نفسه، تقوم السعودية بوضع ضغوط قصوى على الولايات المتحدة كي تقدم لها دعما عسكريا إضافيا. ويقول المسؤولون السعوديون إن عدم دعم أمريكا لهم سيشجع إيران على توجيه ضربات أخرى. وإلا استبدل السعوديون ثمن النفط بعملة أخرى غير الدولار، مما سيترك آثارا على الاقتصاد الأمريكي والعالمي.

وتقول الصحيفة إن ولي العهد السعودي عبر عن غضبه لبطء الرد الأمريكي، إلا أنه هدأ بعد قرار إدارة دونالد ترامب الأخير إرسال ألفي جندي إضافي إلى السعودية مع صواريخ باتريوت ونظام حماية للمناطق المرتفعة المعروف اختصارا بـ “ثاد”. وتهدف التعزيزات الأمريكية لردع إيران عن هجمات أخرى في المستقبل، وسواء كانت أمريكا تريد المشاركة في حرب أم لا فذلك هو أمر عائد للحدس نظرا لعدم وجود اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين.

وشعر السعوديون بالقلق عندما فشل باراك أوباما بتطبيق خطه الأحمر في سوريا، وفعل ترامب نفس الأمر بعدما أسقط الإيرانيون طائرة أمريكية مسيرة في حزيران (يونيو) والرد على هجمات أرامكو قبل ستة أسابيع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *