6 منظمات حقوقية: التعذيب في مصر سياسة دولة بتوجيهات من رأس السلطة

قالت 6 منظمات حقوقية في تقرير عن أوضاع الاحتجاز في السجون المدنية والعسكرية المصرية، إن التعذيب في مصر سياسة دولة.
وشاركت في إعداد التقرير، منظمة ديغنتي «المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب»، وكوميتي فور جستس، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم لمناهضة التعذيب، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومنظمة أخرى فضلت عدم ذكر أسمها خوفًا من الملاحقة الأمنية والأعمال الانتقامية.
وقالت المنظمات في تقريرها، إنه رغم اقتراب موعد الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي أمام الأمم المتحدة المقرر في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل في جنيف، لم تخفت مزاعم التعذيب المنهجي في مصر ولم تقل وتيرته، بل توافدت شهادات المقبوض عليهم مؤخرًا بعد مظاهرات محدودة في بعض المحافظات يومي 20 و27 سبتمبر/ أيلول الماضي.

449 ضحية في 4 سنوات

وأكدت المنظمات تمسك السلطات المصرية بمثل هذه الممارسات، وأن ما كشفت عنه مؤخرًا هذه الشهادات بالتعذيب، مثل شهادة المحامي الحقوقي محمد الباقر، والمدون والناشط علاء عبد الفتاح، والصحافية إسراء عبد الفتاح، بمثابة نذر يسير من شهادات أكثر تم توثيقها عن التعذيب والمعاملة القاسية خلال السنوات الخمس الماضية، رفض بعض أصحابها الكشف عن هويتهم خوفًا من الأعمال الانتقامية التي قد تعرضهم مجددًا للتعذيب، أو ربما تفرض عليهم ظروف احتجاز أكثر سوءاً.
وحسب التقرير المشترك، لم تكتف السلطات المصرية باستخدام التعذيب كوسيلة لنزع الاعترافات الملفقة من المختفين قسريًا في أماكن الاحتجاز غير الرسمية، وإنما توسعت في توظيف التعذيب في أماكن الاحتجاز الرسمية.
ولفتت إلى أنه خلال الفترة بين عامي 2014 وحتى نهاية 2018، توفي 449 سجينًا في أماكن الاحتجاز، ضمنهم 85 نتيجة التعذيب، بالإضافة إلى الإهمال الطبي المتعمد وحرمان المحتجزين من الرعاية الصحية اللازمة لهم، الأمر الذي يهدد حياة رئيس حزب «مصر القوية» عبد المنعم أبو الفتوح، والمحتجز منذ فبراير/ شباط 2018، حيث سبق وأودى بحياة الرئيس الأسبق محمد مرسي في يونيو/ حزيران الماضي.
وتعتقد المنظمات أن هذا الاستخدام الواسع والمنهجي للتعذيب الذي يوثقه التقرير، لا يمكن أن يتم بمعزل عن توجيهات من رأس السلطة السياسية وتحت أعين الحكومة المصرية، على نحو يضمن حماية الجناة من المساءلة، خاصة عندما يكون ضحايا التعذيب من المعارضين السياسيين.
وتابعت: «تخطى التعذيب في مصر حدود المسؤولية الفردية لمرتكبيه، وتحول إلى سياسة دولة تسعى إلى إحكام قبضتها على المجال العام، فحنثت بوعودها بشأن إعادة تعريف جريمة التعذيب في القانون وفقاً للدستور المصري والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، بل وتلاحق النشطاء الحقوقيين ممن سعوا لذلك، وتسعى لتوظيف تغييرات تشريعية وقوانين جديدة لتقنين هذه الممارسة، مثل قانون مكافحة الإرهاب، الذي قنن احتجاز المشتبه به لمدة تصل إلى 14 يومًا- ثم تم تعديلها لـ 28 يومًا ـ دون عرضه على جهات التحقيق».

تواطؤ النيابة

وأكد التقرير تواطؤ النيابة العامة وخصوصاً نيابة أمن الدولة العليا، وكذلك القضاء في التستر على جريمة التعذيب وحماية مرتكبيها، على النحو الذي سبق وأشار له تقرير لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة الذي قال إن التعذيب يمارسه مسؤولو الشرطة والمسؤولون العسكريون ومسؤولو الأمن الوطني وحراس السجون، إلا أن المدعين العامين والقضاة ومسؤولي السجون يسهلون أيضا التعذيب بتقاعسهم عن كبح ممارسات التعذيب والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة، أوعن اتخاذ إجراء بشأن الشكاوى. ووثق تقرير المنظمات حالات عدة اشتكت تعرضها للتعذيب أمام وكلاء النيابة، فتجاهلوا شكواهم، وتقاعسوا عن التحقيق فيها، وفي أفضل الأحوال أحالوا صاحب الشكوى للطب الشرعي بعد مدة طويلة من تاريخ تعذيبه لضمان اختفاء آثار التعذيب في جسمه، بينما تعمد القضاء تجاهل شكاوى وادعاءات بعض المتهمين بالتعذيب لانتزاع الاعترافات منهم، وأصدر أحكامه – التي وصلت حد الإعدام- مستندًا لهذه الاعترافات المنتزعة بقوة التعذيب.
وتابعت: «تفشي ممارسات التعذيب وتحولها الى سياسة حكم، خلق حالة من «التطبيع» مع هذه الجريمة، وبدّل تصورات الضحايا عنها وعن شدتها، فلم يعد الركل والصفع والتهديد والإيذاء النفسي – في تصور بعض الضحايا- تعذيباً، طالما لم يصل الأمر للصعق بالكهرباء أو الجلد أو الضرب الشديد الذي يؤدي لإيذاء عنيف أو عاهة كبرى».
وتناول التقرير أنماطا متعددة من التعذيب، تعرض لها بعض الضحايا خاصة المتهمين منهم في قضايا سياسية، بينها الاختفاء القسري، أو الحبس بمعزل عن العالم الخارجي، وإجبار المتهمين على تصوير اعترافاتهم- تحت التعذيب والإعياء- ضمن أفلام دعائية من إعداد الجيش أو وزارة الداخلية، الأمر الذي وقع مؤخرًا ـ على سبيل المثال – مع مجموعة من الطلاب والسائحين الأجانب ألقي القبض عليهم في محيط وسط القاهرة، وأذاعت وسائل إعلام مصرية فيديوهات مصورة يعترفون فيها- تحت الإكراه- بالاشتراك في مؤامرة دولية لنشر الفوضى في مصر، وقد ثبت بعد أيام كذب هذه الادعاءات وتم إخلاء سبيلهم والسماح بسفرهم لبلادهم.
وتضمن الجزء الأخير من التقرير عددا من التوصيات، على رأسها الضغط على الحكومة المصرية من أجل السماح لخبراء الأمم المتحدة خاصة المقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب، والمقررة الخاصة المعنية بحماية حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب بزيارة مصر، فضلاً عن السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية المتخصصة بزيارة أماكن الاحتجاز.
كما أوصى التقرير المجتمع الدولي بالضغط على مصر للتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، بالإضافة إلى تشكيل آلية وقائية وطنية من منظمات حقوقية مستقلة، تتولى تنظيم زيارات غير معلنة لأماكن الاحتجاز لبيان أوضاعها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *