إيكونوميست: طبول الحرب تقرع من جديد بين أمريكا وإيران ولا مناص عن التفاوض

علقت مجلة “إيكونوميست” على التصعيد الحاصل بين الولايات المتحدة وإيران بالقول “مرة ثانية، تقرع طبول الحرب، مجموعة حاملة طائرات أمريكية ترافقها مقاتلة مهام خاصة “بي بومبر” تبحر نحو الخليج الفارسي بعد تهديد غير مسبوق من إيران”. وقال مستشار الأمن القومي جون بولتون أن أي هجوم على القوات الأمريكية والدول الحليفة “سيرد عليه بالقوة”.

وفي طهران قال الرئيس حسن روحاني إن بلاده ستتحلل من بنود الإتفاقية النووية التي وقعتها مع الولايات المتحدة ودول أخرى عام 2015. عندما وافقت على تحديد نشاطاتها النووية مقابل رفع العقوبات عنها. وتبدو إيران في طريقها وببط نحو امتلاك القنبلة النووية، مانحة صقور الولايات المتحدة مثل بولتون مبررات جديدة.

وتعلق المجلة أن الولايات المتحدة وإيران كانتا قبل أربعة أعوام تتجهان لمسار مختلف. وقال باراك أوباما إنه يمد يده لو قرر قادة إيران “فتح قبضتهم”.

فقد اتفق الطرفان على وقف تقدم المشروع النووي لأكثر من عقد، وكان الإتفاق جائزة في حد ذاتها ومحاولة لوقف التهديد والتهديد المضاد الذي شاب العلاقات بين البلدين خلال 40 سنة الماضية. أما اليوم فقد صعد المتشددون على الجانبين وعادت معهم التهديدات المولعة بالحرب. ويؤمن مايك بومبيو وزير الخارجية وبولتون بالضغوط الإقتصادية الصارمة للإطاحة بالنظام الإيراني والقنابل لوقف المشروع النووي الإيراني. وفي إيران لا يثق الملالي والحرس الثوري بأمريكا. وأحكموا القبضة على البلاد ويضربون في الخارج. وفي كلا البلدين يملي السياسة أناس عنيدون قد يجدون انفسهم في حرب.

وترى المجلة أن الوقت قد فات لإنقاذ الإتفاقية النووية المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشركة. وتشير المجلة إلى أن إيران التزمت ببنود الإتفاقية، لكن نقادها يقولون إنها اتفاقية مؤقتة ستؤدي في النهاية لمنح الشرعية على المشروع النووي وتفتح المجال أمام إيران كي تنتج الصواريخ الباليستية وبذر الشر والفوضى في الخارج.

وخرج الرئيس دونالد ترامب من الإتفاقية العام الماضي بعد وصفها بـ “الكارثة” ولم تكن كذلك إلا أن الضرر حصل. وقضى تجديد العقوبات على إيران ومعاقبة من يتعامل معها تجاريا على ما تبقى من الإتفاقية. وفي الأسبوع الماضي ألغت واشنطن الإعفاءات التي منحتها للدول كي تستورد النفط الإيراني وفرضت عقوبات على تصدير الحديد الإيراني. وبدلا من الاستفادة من التعاون فقد تم عزل إيران عن الاقتصاد العالمي. وانهار سعر الريال الإيراني وارتفعت نسبة التضخم وانخفضت الرواتب وأصبح الإقتصاد في أزمة. وتعتقد المجلة إن العقوبات الامريكية قصد منها تركيع الإيرانيين ولكنها أدت لتقوية عصبهم. وأصبح حسن روحاني الذي دافع عن الإتفاقية متشددا. وكان يأمل أن تلتزم أوروبا على الأقل بالإتفاقية ولكنه شعر باليأس. وفي ذكرى خروج أمريكا من الإتفاقية النووية في الثامن من أيار (مايو) قال إن إيران ستبدأ بتخزين يورانيوم مخصب قليل ومياه ثقيلة، وهي مواد لو كانت بكميات كافية لخرقت بنود العقد. ومنح أوروبا 60 يوما لتجد حلا وبدون أي تقدم “فلن نقبل أي حد” على التخصيب. وهذا يعني أن إيران قد تتحرك نحو بناء القنبلة النووية. وتعلق المجلة أن لدى روحاني وهو يمشي ببلده نحو الحافة ثلاثة أطراف. الاول هم المتشددون الذين مقتوا الإتفاقية النووية ودعواللخروج منها. ويبدو أنهم نجح بترضيتهم في الوقت الحالي. ففي 7 أيار (مايو) أعلنت صحيفة متشددة “إيران تشعل الكبريت في الإتفاقية”.

أما الطرف الثاني فهم الأوروبيون الذين يحاول دفعهم للتحرك وعدم تعامل شركاتها مع الولايات المتحدة. ولن ينجح في هذا، فرغم محاولات الإتحاد الاوروبي البحث عن آليات تسمح للشركات الاوروبية التحايل على العقوبات الأمريكية، قررت معظمها أن السوق الأمريكي مهم جدا ولا يمكن التخلي عنه. ويظل الجمهور الأمريكي أهم لإيران، خاصة أن قادتها طالما اعتبروا المشروع النووي ورقة مقايضة مع الغرب. ورغم زعمهم أن المشروع النووي هو للإغراض السلمية إلا أن الأدلة تشير لغير هذا. ويقوم منطق المتشددين أن التكنولوجيا هي نفسها سواء كانت للطاقة أم لإنتاج السلاح النووي. ويمكن لاجهزة الطرد المركزي إنتاج قنبلة أسرع من الإطاحة بالنظام عبر العقوبات الصارمة. ولكنهم يحملون سلاح من حدين، فالتهديد بالسلاح النووي سيظل بدون قيمة لو لم يكن هناك سلاح حقيقي. ولو كان صحيحا فسيؤدي إلى تهديد بضربات عسكرية أمريكية او من إسرائيل. وفي هذا السياق فاحتمال الخطأ وراد ويتنامى. فالقوات الأمريكية لا تبعد سوى أميال عن الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا، وتقف البوارج الحربية الأمريكية على مقربة من الدوريات الإيرانية في الخليج. وأعلنت أمريكا قبل فترة عن الحرس الثوري الإسلامي كمنظمة إرهابية وردت إيران بتصنيف القوات الأمريكية الموجودة في الشرق الأوسط. ويقول المسؤولون من الجانبين إن نواياهم سلمية، ولكن من سيصدقهم؟ وتقول المجلة إن اتهامات أمريكا إيران بالتخطيط لهجمات إرهابية غير محددة وتثير الشك. فعنف تقوم به الجماعات الوكيلة عن إيران في المنطقة ربما كان وراء عملية عسكرية أمريكية. فقد قال بومبيو إنه فضل مرة الطلعات الجوية الأمريكية على التفاوض مع إيران. وفي عام 2015 كتب بولتون مقالا بصحيفة “نيويورك تايمز” تحت عنوان “لوقف قنبلة إيران اقصفوا إيران”. وحتى روحاني بات يرى ان التقدم نحو الأمام يكمن في الإستفزاز والتصعيد. وتحذر الصحيفة من أن إيران نووية سيؤدي لانتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط. وقصف المفاعلات النووية الإيرانية سيدمرها ولكنه لن يقضي على المعرفة النووية التي ستصبح تحت الأرض بشكل يصعب مراقبتها وهذا خطير. والحل الوحيد الذي تراه المجلة هو التفاوض. فترامب الناقد الحاد للتدخل الأمريكي الخارجي يحتاج للحد من أمثال بولتون. وسيواجه ضغوطا من الساسة المتشددين في الداخل ومن القوى الخارجية وبخاصة إسرائيل. فترامب يقدم نفسه كرجل صفقات ولديه القدرة لتغيير رأيه بطريقة مفاجئة كما فعل مع كوريا الشمالية. والحرب لن تكون بصالحه حتى لو كان شعاره هو التشدد ضد إيران. ويجب على أوروبا المساعدة وإقناع إيران على البقاء في الصفقة وشجبها لو خرجت. وعبر روحاني الذي رفض التحادث مع ترامب عن استعداده للحديث مع بقية الموقعين على الإتفاقية لو كانت أساس التفاوض الجديد. وهو ما رفضته إدارة ترامب. ويجب أن لا يكون خاصة ان الجميع يتجهون نحو المواجهة وعليهم المضي نحو طاولة المفاوضات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *