صفقة القرن: من الجولان إلى «يهودا والسامرة»


في حزيران القريب القادم، مع نهاية شهر رمضان، تعتزم إدارة ترامب نشر تفاصيل صفقة القرن التي تستهدف بعصا سحرية إنهاء النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني الذي يعود لمئة سنة. قبل أن تولد الصفقة، يسارع الكثيرون منذ الآن إلى دفنها: فبعد كل شيء، لا يخفي عموم الشركاء تحفظهم منها أو حتى يعلنون على الملأ بأنهم سيرفضون قبولها.
يتطلع الفلسطينيون بعيون تعبة كيف يحترق حلمهم في الحصول على طبق من الفضة على إملاء دولي لعموم مطالبهم من إسرائيل. وبقدر ما يتعلق الأمر بالاستجابة إلى أماني الفلسطينيين فإن صفقة القرن بعيدة بعد الشرق عن الغرب عن التنازلات التي كانت إدارات أمريكية سابقة من كلينتون وحتى اوباما، مستعدة لأن تمنحهم إياها. ليس في اقتراح ترامب أي ذكر لإقامة دولة فلسطينية، وليس فيه أيضاً مطالبة من إسرائيل بالانسحاب من كل يهودا والسامرة إلى حدود حزيران 1967.
في أعقاب الرفض الفلسطيني ستسير دول عربية لا يمكنها أن تسمح لنفسها بأن تتخذ في الرأي العام العربي صورة من «باعت» القضية الفلسطينية بثمن بخس لقاء مساعدة اقتصادية أمريكية. كان يسر الحكام العرب بالطبع إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني كي يتفرغوا للمشاكل الحقيقية التي تشغل بالهم، كالتهديد الإيراني أو الاقتصادات المنهارة. ولكن من هنا وحتى الاستعداد للاستلقاء على الجدار عن الفلسطينيين، إسرائيل وترامب ـ المسافة بعيدة.
في إسرائيل أيضاً ولا سيما في الجانب اليميني من الخريطة السياسية، يعربون عن تخوفهم من الصفقة التي تتكفل إسرائيل في إطارها بأن تكون مطالبة بالتنازل عن أجزاء هامة من السامرة ويهودا. فإن لم تقم في هذه دولة فلسطينية، ولكن وجود السلطة الفلسطينية كفيل بأن يتثبت فيها كحقيقة شرعية ومعترف بها أمام الأسرة الدولية. السيناريو إذن معروف مسبقاً: الأمريكيون سيقترحون الخطة وهذه سترفض أو تذوب وتدخل كتب التاريخ كـ «خطة أخرى»، واحدة من خطط كثيرة طرحت النزاع في أثناء مئة سنة، ولكنها لم تجلب السلام المنشود.

لا تأتي على ذكر دولة فلسطينية ولا تطالب إسرائيل بالانسحاب

ولكن من الخطأ التفكير بأن صفقة القرن لن ترفع ولن تنزل: فكفيلة أن تكون لها آثار بعيدة المدى على مستقبل العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين بل وأهم من ذلك على مستقبل إسرائيل.
أولاً، تفاصيل الصفقة ستصبح نقاط انطلاق لكل بحث مستقبلي لمسألة النزاع. وهكذا، بدلاً أو إلى جانب مخطط كلينتون أو عرض أولمرت على أبو مازن، سيكون ممكناً عرض «مخطط ترامب»، والتحسين لذلك كثيراً لموقف المساومة الإسرائيلي في وجه كل إدارة أمريكية، بل وفي وجه الأسرة الدولية التي لا تزال ترى في اقتراحات كلينتون وأولمرت الأساس الذي ينبغي انطلاقاً منه بدء كل مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين.
ثانياً، في الاقتراح ثمة ما يدفع إلى الأمام بحل، وفي واقع الأمر يشطب من جدول الأعمال عدة مسائل مركزية للطرفين، وعلى رأسها مسألة اللاجئين الفلسطينيين. فالمخطط الأمريكي، الذي يقول إنه لن يعطي حق عودة للاجئين وأنه يجب توطينهم في أماكن تواجدهم، يمكن أن ينفذ حتى دون اتفاق شامل، وسيكون في ذلك ما يسهل على تحقيق اتفاق كهذا في المستقبل.
وأخيراً، المخطط كفيل بأن يمنح فرصة للحكومة للدفع إلى الأمام برؤياها بشأن إحلال القانون الإسرائيلي على أجزاء من السامرة ويهودا، وبالأساس على الكتل الاستيطانية التي عليها إجماع من الحائط إلى الحائط في إسرائيل.
في ضوء الرفض الفلسطيني المتوقع لصفقة القرن، وبغياب كل احتمال للتقدم نحو السلام، يمكن لإسرائيل أن تدعي، وعن حق من ناحيتها، بأنه لا يمكنها أن تنتظر بعد اليوم الطرف الفلسطيني وأنها تسعى لأن تحقق خطوات من طرف واحد بروح مخطط إدارة ترامب، وينبغي الافتراض بدعمها أيضاً.
وهكذا، بعد 52 سنة من حرب الأيام الستة في حزيران 1967، كفيلة صفقة القرن في حزيران 2019 أن تبشر بالتغيير، لدرجة التحول الإضافي في مكانة يهودا والسامرة. ومن شأن هذا التحول على ما يبدو أن يحظى باعتراف أمريكي يشبه ذاك الذي منحه الرئيس ترامب للتواجد الإسرائيلي في هضبة الجولان.

ايال زيسر
إسرائيل اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *