دراسة إسرائيلية: المفاوضات مع الفلسطينيين تحمي الكيان الاسرائيلي من المقاطعة الدولية

تحذر دراسة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، من تنامي المقاطعة ونزع الشرعية ضد إسرائيل، بعد مشروعي قانون معاديين في إيرلندا وتشيلي، وتقدم الدراسة سلسلة نصائح لمواجهة أزمة تواجهها إسرائيل في العالم مستقبلا.

وفي الشهرين الأخيرين، اتخذ البرلمان في إيرلندا وتشيلي قرارات تفرض قيودا غير مسبوقة على العلاقات الاقتصادية مع المستوطنات. ورغم أن قرارات كهذه في المرحلة الحالية ليست ملزمة وتأثيرها المباشر محدود، فإنها تعكس نزع شرعية المستوطنات من قبل لاعبين كثر في الحلبة الدولية، واستعدادا متصاعدا للقيام بخطوات حقيقية في هذا المضمار.

وتشير الدراسة إلى أن مثل هذه القرارات إضافة لاحتمال نشر مجلس حقوق الإنسان الأممي قائمة سوداء بالشركات الإسرائيلية والدولية الفاعلة داخل المستوطنات من شأنها أن تقود لخطوات مستقبلية تنطوي على مساس بمكانة إسرائيل الجماهيرية والسياسية في العالم، وبحرية عملها الدبلوماسي بل وباقتصادها.

ولذا ترى الدراسة بضرورة القيام بعدة خطوات احترازية تمكن إسرائيل من تقليص تأثير القرارات المذكورة، والحيلولة دون انتشار خطوات جديدة لاحقة. وتستذكر الدراسة اتخاذ البرلمان الإيرلندي في الرابع والعشرين من يناير الماضي قرارا بأغلبية 78 مؤيدا مقابل 45 معارضا يحظر المتاجرة بمنتوجات وخدمات المستوطنات، ويعتبر الإخلال به مخالفة يترتب عليها تسديد غرامة بل سجن.

وتنوه الدراسة إلى أن هذا القرار يشذ عن السياسة الحالية للاتحاد الأوروبي وفق الاتفاقات الموقعة بينه وبين إسرائيل، وتقول إن القانون المقترح يحتاج للمصادقة النهائية. كما تشير الدراسة إلى أن برلمان تشيلي صادق في تشرين ثاني/نوفمبر الماضي على مشروع قانون بأغلبية 99 مؤيدا مقابل 7 معارضا يدعو الحكومة لإعادة النظر باتفاقات سابقة مع إسرائيل وتوجيهها في اتفاقات مستقبلية إلى أنها تنطبق فقط على حدود ما قبل حزيران 1967.

فصل عنصري
كما دعا برلمان تشيلي الحكومة لتوجيه سكان الدولة بعدم التبرع للمستوطنات أو التعاون معها؛ لأن ذلك ينتهك القانون الدولي.

وتنوه الدراسة إلى أن مشروع القانون تعاين أجهزة لمنع استيراد منتوجات المستوطنات، وتستذكر أن إيرلندا وتشيلي تشكلان منذ فترة طويلة حلبة للنشاط المناهض لإسرائيل بما في ذلك دعم حملة المقاطعة الدولية ودعوة 50 نائبا إيرلنديا ووزير واحد لفرض مقاطعة على إسرائيل، علاوة على مجلس الطلاب الجامعيين الإيرلنديين والمجلس البلدي في دبلن.

وتشير الدراسة الإسرائيلية إلى أن تشيلي تستضيف الشتات الفلسطيني الأكبر في العالم وأن بعض ولاياتها تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وبرعاية نظام فصل عنصري (أبرتهايد) وتدعو لحكومة تشيلي لإدانتها وإعادة النظر باتفاقات التعاون مع جيشها.

كما تستذكر إعلان بلدية مدينة فالديبيا في الصيف الماضي عن دعمها لمقاطعة إسرائيل، وتقول إنه في العامين الأخيرين دعت منظمات طلابية في البلاد في عدة جامعات لدعم حملة المقاطعة الدولية. وتعتبر الدراسة أن المستوطنات التي تكون أحيانا مصدرا لانتقاد السياسات الإسرائيلية، تعكس تضامنا مع الكفاح الفلسطيني لدى أوساط واسعة في العالم، وتمكّن حملة المقاطعة الدولية من نزع الشرعية عن إسرائيل ومن تجنيد منتقديها في المعركة لمجابهتها.

وتتابع الدراسة: “في الواقع الضبابي هذا إسرائيل أيضا لا تميز في أحيان كثيرة عمدا أو من دون قصد بين منتقدي سياساتها وبين من ينفون ويرفضون وجودها ويعملون على زعزعة شرعيتها.

نزع الشرعية
وترى الدراسة الصادرة عن معهد دراسات الأمن القومي أن مشروعي القانون لا ينطويان على تأثير جوهري، ويحتاجان لعمليات إضافية للتصديق النهائي وربما يصطدمان بعراقيل قانونية وسياسية مما يعني احتمال إلغائهما.

ورغم الحجم الضئيل جدا للتبادل التجاري بين إسرائيل وبين إيرلندا وتشيلي، تحذر الدراسة من تأثير جوهري لمشروعي القانون في المنظورين المتوسط والبعيد، كونهما يعبران عن قلة شرعية نشاط إسرائيل في الأرض المحتلة عام 67 لدى دول مختلفة، ويشددان على استعداد متزايد لاتخاذ خطوات حقيقية وشديدة ضدها مما يمنح الدعم لجهات تسعى لنزع الشرعية عنها.

كما تحذر الدراسة من أن بلورة قائمة سوداء للشركات العاملة في المستوطنات على يد مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، من شأنها أن تشكل مصدرا للقوة للمنظمات والناشطين المعادية لإسرائيل بل تمنحهم دافعية ومحفزات جديدة لرعاية حملات مشابهة في دول أخرى بعضها مهم جدا بالنسبة لإسرائيل أو اتخاذ قرارات متشددة أكثر معها.

قوائم سوداء
كما يزداد القلق من أن قرارا رسميا بمقاطعة منتوجات المستوطنات من شأنه تشجيع مقاطعة رسمية أو غير رسمية لشركات إسرائيلية مرتبطة بنشاط داخل المستوطنات من خلال تقييد عمل البنوك الإسرائيلية على سبيل المثال.

وضمن تحذيراتها من تبعات محتملة لمثل هذه القوانين، تشير الدراسة إلى احتمال تغيير الاتحاد الأوروبي ودول أخرى حيال المستوطنات ونشر قوائم سوداء إضافية، والامتناع عن استثمار جهات أجنبية في شركات ومبادرات إسرائيلية، بل فرض عقوبات وقيود على مؤسسات إسرائيلية.

وفي فصل التوصيات، تعتقد الدراسة أنه من أجل تحاشي التبعات السلبية المحتملة لمشروعي القانون في إيرلندا وتشيلي، ينبغي القيام بعدة خطوات على المستوى العام، أهمها استئناف “الاتصالات مع الفلسطينيين” أو على الأقل إبداء رغبة جوهرية بذلك أمام المجتمع الدولي.

وعن ذلك تضيف: “بذلك تقلص إسرائيل الدعم لدعوات مقاطعة منتوجات الاستيطان وغيرها بل يتيح هذا لصناع القرار في الدول والمنظمات الدولية الامتناع عن تطبيق دعوات المقاطعة”.

كما ترجح الدراسة أن رد إسرائيل على “صفقة القرن” عند الكشف عنها من المنتظر أن يؤثر على معاملة المجتمع الدولي لإسرائيل. وتتابع في التوصيات: “بصرف النظر إذا كان كجزء من عملية سياسية واسعة أو بدونه، فإن رعاية مشاريع اقتصادية مشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين سوف تمكّن لاعبين دوليين مختلفين في الحلبة الدولية من بلوغ قنوات للتدخل نحو التأثير والتعاون كبديل للمقاطعات ووسائل للوقاية منها ضمن الكفاح الدبلوماسي الدعائي ضدها. كما توصي بالعمل عينيا بكل ما يتعلق بمشاريع القوانين المعادية كالعمل مقابل الحكومة الإيرلندية بهدوء من أجل التثبت أنها فعلا تعارض مشروع قانون مقاطعة المستوطنات ودفعها لعرقلته وتخفيف مضمونه أو الامتناع عن تطبيقه بالاعتماد على سياسة الاتحاد الأوروبي.

شق صف الاتحاد الأوروبي
كذلك توصي بفحص مدى قانونية وصلاحية مشروع القانون في إيرلندا في ظل مواثيق تجارية دولية تلتزم بها إيرلندا وإسرائيل والتأكد من نوايا حكومة تشيلي حيال تطبيق القانون فعلا بالتزامن مع فتح قنوات اتصال مع نواب مجلس الشيوخ في تشيلي لتخفيف وطأة العداء لإسرائيل.

وتوصي الدراسة أيضا بالكشف عن الأهداف والساحات المستقبلية التي تستعد حملة المقاطعة الدولية ونزع الشرعية للعمل فيها، من أجل وأد مشاريع معادية في مهدها. وتقترح التركيز على مؤسسات الاتحاد الأوروبي لمنع تغيير سياسات واتخاذ قرارات بروح القانون الإيرلندي من خلال حوار مع المفوضية الأوروبية وتجنيد الدول الأوروبية الصديقة للتأثير على مواقف الاتحاد الأوروبي بهذا المضمار.

يشار إلى إسرائيل تحاول المساس بالاتحاد الأوروبي وشق صفوفه من خلال استغلال الصداقات والتحالفات مع بعض دول شرق أوروبا التي تقودها أحزاب يمينية مصابة بالإسلاموفوبيا في ظل موجات هجرة اللاجئين من الشرق علاوة على استغلال التعاون في التجارة والأمن والسايبر والمخابرات. يشار أيضا إلى أن إسرائيل ضاعفت الاستيطان ثلاث مرات منذ توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 حتى بلغ عدد المستوطنين اليوم نحو 600 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *