الحلم الذي تجسد على شكل المياه في أنابيب 2 ملم كان جميلاً جداً. خلال نصف سنة تقريباً اعتادت 12 قرية فلسطينية في جنوب جبل الخليل على مياه متدفقة ونقية، إلى أن جاءت يوم الأربعاء الماضي قوات الإدارة المدنية بمرافقة الجيش وحرس الحدود وعدد من الحفارات. هذه القوات كشفت عن الأنابيب وقامت بقصها ورأت المياه المتدفقة التي اندفعت منها. حوالي 350 متراً مكعباً من المياه ذهبت هباء من شبكة تبلغ 20 كم، صادر رجال الإدارة المدنية أجزاء وقطع من المواسير بطول 6 كم. حملوها على أربع شاحنات لجمع القمامة، التي كان عنوان رمات غان مطبوعاً عليها.
ست ساعات ونصف استمر التدمي. إصلاح شبكة الأنابيب استمر أربعة أشهر تقريباً. هذه كانت عملية واضحة للعصيان المدني بروح المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ ضد أحد القيود القاسية جداً التي تفرضها إسرائيل على التجمعات الفلسطينية في مناطق «ج» في الضفة الغربية: منع الارتباط بشبكة المياه القائمة.
مغر السكن والآبار القديمة لجمع مياه الأمطار التي توجد في منطقة مسافر يطا (توابع وخرب يطا) تؤكد أقوال أبناء المنطقة بأن القرى موجودة منذ عشرات السنين حتى قبل إقامة دولة إسرائيل. في السبعينيات أعلنت إسرائيل عن 30 ألف دونم كـ «منطقة نيران 918». وفي العام 1999 في ظل المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية طرد الجيش سكان القرى وهدم بيوتهم وآبار المياه. ذريعة الدولة كانت وما زالت أن السكان اقتحموا منطقة نيران. هذا رغم أن هذه أراضيهم وهم يعيشون في المنطقة قبل زمن طويل من احتلال الضفة الغربية.
تم تقديم التماس لمحكمة العدل العليا والقضاة صادقوا على عودة جزئية للقرى، لكنهم لم يسمحوا بالبناء أو الارتباط بالبنى التحتية. محاولة جسر لم تنجح لأن الدولة تطلب من السكان ترك قراهم والسكن في يطا والحضور للرعي والفلاحة فقط في أيام محددة من السنة. السكان يفضلون مواصلة العيش في بيوتهم والمخاطرة باقتحامات الجيش والهدم حتى للمباني العامة مثل المدارس والعيادات والمراحيض.
هم يتنازلون عن الكثير من أجل مواصلة نمط حياة رعي الأغنام، لكنهم لا يستطيعون التنازل عن المياه.
في السنوات الأخيرة فترة الأمطار قصرت جداً، 45 يوماً في السنة فقط، شرح نضال يونس، رئيس مجلس قرى مسافر يطا. «في السابق لم نكن نملأ فوراً الآبار بمياه الأمطار، بل سمحنا لها بالتدفق أولاً كي تصبح نقية. وعندما قلت مياه الأمطار قام الناس بجمع المياه على الفور. تبين أن المياه القذرة أضرت بالأغنام والناس.
طريق مشوشة
في السنوات كثيرة الأمطار أيضاً (لأن عدد السكان ارتفع) في مرحلة ما تفرغ الآبار، عندها يضطر الرعاة إلى إحضار المياه بواسطة التراكتورات: يقومون بربط الصهاريج فيها التي تحمل كل واحدة 4 متر مكعب ويسافرون في طرق ترابية وضيقة، التي تحظر إسرائيل توسيعها وتعبيدها. «المياه تحولت إلى التكلفة العالية لكل عائلة»، قال يونس. في قرية حلاوة أشار إلى أبو زياد (60 سنة): «دائماً أراه على التراكتور يحضر المياه أو يسافر لإحضار المياه». أحياناً التراكتورات تنقل والسائقون يصابون والإطارات تتلف بسرعة. أيام العمل الغالية تذهب سدى. ونحن، قال أبو زياد «نغرق في الديون لتمويل نقل المياه».
في 2017 قطعت ودمرت قوات الإدارة المدنية والجيش الطرق إلى هذه القرى، التي نجح المجلس في السابق في توسيعها وإعادة تأهيلها من أجل التسهيل على نقل المياه وخاصة السفر إلى القرى ومنها بشكل عام. كان ذلك بعد أن قامت جمعية اليمين «رغفيم» بكشف الجريمة الكبيرة المتمثلة بإصلاح الطرق ودفعت الإدارة المدنية والجيش لتدميرها. «معاناة السكان زادت»، لخص يونس الوضع، «سألنا أنفسنا كيف يمكن حل مشكلة المياه». الحل، وكم هذا مفاجئ، أنابيب تتدفق منها المياه من الأنبوب الرئيسي في قرية التواني، وتمر في أراضي خاصة. «فحصت وبحثت عن منع وضع أنبوب مياه في الأراضي الخاصة ولم أجد»، قال يونس.
ما وراء التذرع: «من أجل أن تستبدل بسكانها الأصليين يهوداً»
العمل تم بالتطوع، وفي الليل وبدون أدوات ثقيلة، تقريباً بالأيدي. علي دبابسة من قرية خلة ادبع (77 سنة)، استعاد هذا الأسبوع اللحظة التي فتح فيها صنبور المياه الذي تم تركيبه قرب بيته وغسل وجهه بالمياه الجارية: «أردت الرقص من الفرح. لقد فرحت مثل العريس في يوم عرسه». أم فادي من حلاوة احتاجت إلى قول كلمة فرح كي تصف فيها نصف السنة التي كان لها فيها صنبور مياه قرب الكوخ الذي تعيش فيه: «المياه نقية، غير بنية اللون بسبب الصدأ والتراب، ليس علينا الابتعاد حتى البئر كي نأخذ منها المياه، ولا يجب علينا حساب كل قطرة». الآن يصعب علينا العودة والتعود على الاعتماد على مياه الصهاريج.
الأنابيب والوصلات وساعات المياه اشتريت بدعم من أوروبا، 100 ألف يورو، بدلاً من دفع 40 شيكلاً للمتر المكعب من المياه المنقولة بالصهاريج دفع السكان 6 شيكل فقط لنفس كمية المياه المتدفقة. فجأة أصبح لديهم ساعات عمل كثيرة وثمينة. هذا أيضاً يمكن أن يكون توفير لدافعي الضرائب في أوروبا. من العام 2011 يعمل مشروع أوروبي لدعم بقاء السكان في بيوتهم. الحديث يدور عن منحة سنوية تبلغ 120 ألف يورو تغطي في أشهر الصيف الثلاثة تكلفة شراء ونقل مياه الشرب للناس فقط (الحساب هو حسب 750 لتراً للفرد شهرياً، أقل من الحد الأدنى الضروري حسب منظمة الصحة العالمية، عدد السكان بين 1500 ـ 2000). الآن عندما دمرت الإدارة الأنابيب التي اضطرت الدول الأوروبية كما يبدو إلى أن تدفع في الصيف ثمن النقل المرتفع الذي يرفع سعر المياه بسبعة أضعاف، التجمع السكاني الفقير سيعود إلى تمويل مياه الشرب المنقولة والثمينة من جيبه، طوال أشهر السنة والمياه لحوالي 40 رأساً من الأغنام.
من الناطقة بلسان منسق أعمال الحكومة في المناطق جاء «في 13 شباط نفذت في منطقة النيران 918 الواقعة تحت أمر إغلاق عسكري، نشاطات تطبيق للقانون ضد بنى تحتية للمياه، التي تم وصلها بمباني غير قانونية في هذه المنطقة وبنيت بدون ترخيص حسب القانون.
من الجيد أنه لا يوجد عمل
إسماعيل بحيص من يطا كان يجب أن يحزن بسبب مد أنابيب المياه في السنة الماضية. هو وأخوته من سكان يطا، هم أصحاب صهاريج لنقل المياه، وكانوا مزودي المياه الرئيسيين لسكان قرى مسافر يطا، بكوبونات اشتريت من المنحة الأوروبية حصلوا على 800 شيكل لكل نقلة فيها 20 كوب مياه. ولكن بحيص مسرور من فقدان هذا العمل. «الطرق إلى مسافر يطا صعبة وخطيرة، خاصة بعد أن قام الجيش بقطعها»، قال، وأضاف «كل سفرة لعدة كيلومترات استغرقت 3.5 ساعة على الأقل. ذات مرة انقلبت أنا والصهريج. ومرة أخرى صادر الجيش شاحنة أخي بدعوى أن هذه منطقة عسكرية مغلقة. وقمنا بتحرير الشاحنة مقابل دفع خمسة آلاف شيكل. دائماً كانت لنا تكاليف إضافية لتغيير الإطارات المستمر وتصليح الشاحنات». نضال يونس قال إنه في حينه وقع المجلس على اتفاق مع ناقل مياه آخر من أجل تغطية الطلب: بعد ثلاثة أسابيع توقف. فهو لم يتعود على هذه الطرق الخربة والخطيرة.
في يوم الأربعاء 13 شباط سمع يونس أن قوات كبيرة من الإدارة المدنية بدأت بتدمير الأنابيب قرب قرية فخيت. سارع إلى الموقع وبدأ بالنقاش مع شرطة حرس الحدود والإدارة المدنية. شرطة حرس الحدود اعتقلوه وكبلوه وأجلسوه في جيب رافق القوات التي دمرت مدة ست ساعات. زميلي رئيس مجلس التواني، محمد الربعي، تقدم أيضاً نحو من قاموا بالتدمير للاحتجاج. «ولكن أنا أوقفوني بعد كلمتين قلتهما، نضال على الأقل تمكن من التحدث أكثر»، قال بابتسامة غطت على الغضب.
الهدم نفذه طاقمان، أحدهما تقدم نحو جنبه في الجنوب الشرقي والثاني تقدم نحو التواني في الشمال الغربي. هم أيضاً هدموا طرق الوصول التي تؤدي إلى قرية شعب البطم بحيث لو أراد بحيص العودة لنقل المياه فعليه الالتفاف لمسافة طويلة.
يونس دهش من رؤية شخص من طاقم التدمير اسمه ماركو. «تذكرته كطفل من الثمانينيات عندما كان مفتش الإدارة المدنية. في 1985 أشرف على هدم بيوت في قريتنا جنبه مرتين: في شهر رمضان وفي عيد الفطر. في كل القرى في المنطقة عرفوه جيداً لأنه يرافق كل عملية هدم. اسم ماركو كان اسم مصاحب لروح الشر. والذين شاهدوه يهدم بيوتهم ماتوا. هو اختفى وفجأة ظهر مرة أخرى».
الحديث يدور عن ماركو بن شبات الذي يعمل منذ عشر سنوات مدير وحدة الإشراف في الإدارة المدنية. لمراسلة صحيفة «إسرائيل اليوم» التي رافقت قوات الهدم قال: «المشروع لم يتم من قبل القروي الفرد، السلطة الفلسطينية بالتأكيد وضعت هنا مدير مشروع واستثمرت الكثير من الأموال» ـ الأكثر دقة الدول الأوروبية.
من كل قرية قطع عمال الإدارة المدنية فيها أنابيب المياه تظهر البؤر الاستيطانية متسبيه يئير وافيغيل وهي تلوح من فوق قمم التلال. رغم أنها غير قانونية، أيضاً حسب قوانين الاستيطان المتساهلة لإسرائيل، هذه البؤر تم ربطها فوراً عند إقامتها بشبكة المياه والكهرباء والطرق المعبدة التي تؤدي إليها. «سألت لماذا يقومون بتدمير أنابيب المياه»، قال نضال يونس. جندي من حرس الحدود أجابني بالإنجليزية «من أجل استبدال العرب باليهود».
عميره هاس
هآرتس