تبحث السلطات الفرنسية عن أي أثر قد يقود لملاحقة مئات المقاتلين الفرنسيين في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) الذين يبدو مصيرهم مجهولاً؛ وقد استحدثت لذلك قاعدة بيانات ضخمة بأسمائهم وصورهم في سابقة من نوعها في فرنسا.
وتواجه السلطات الفرنسية صعوبات جمة في تعقب المقاتلين الفرنسيين في صفوف تنظيم الدولة نتيجة غياب المعلومات الدقيقة وانتهاج التنظيم تكتيكا جديدا عبر إعلان وفاة المقاتل واختفائه فترة قبل العودة للظهور وتنفيذ عمليات في مناطق غير متوقعة. كما يصعب عليها التحقق من دقة المعلومات التي تنشر حول وفاة بعض هؤلاء المقاتلين، في ظل عدم توقر أدلة مادية تثبت بالفعل وفاتهم.
فقد سبق وأن توصلت السلطات الفرنسية بمعلومات عن وفاة أفراد في التنظيم ليتبين لاحقاً أن هذه المعلومات لم تكن دقيقة، كما هو الحال مع القيادي الفرنسي عمر ديبي الذي أكدت إدارة الأمن الفرنسية شهر سبتمبر 2015 وفاته في غارة جوية يوم 7 أغسطس 2015، قبل أن يتم تحديد موقعه الصيف الماضي في شمال سوريا، بل تشير معلومات إلى انخراطه في حملة اكتتاب مقاتلين فرنسيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وينطبق الأمر ذاته على عبد الحميد أبا عود قائد كتيبة هجمات 13 نوفمبر 2015 الذي كانت تقارير استخباراتية أمريكية قد أكدت موته نهاية عام 2014 وتلقت عائلته اتصالا هاتفياً يؤكد خبر موته، لكن اتضح أنه كان يقيم في اليونان بانتظار العبور إلى فرنسا ليشن هجوم 13 فبراير وتم تحييده بعدها بأيام قليلة لدى اقتحام شقة كان يقطن بها في ضاحية سانت دوني في ضاحية باريس.
ويلجأ عدد من مقاتلي تنظيم الدولة إلى إعلان وفاتهم من أجل مغالطة السلطات القضائية لبلدانهم أو العودة بطريقة سرية إلى هذه البلدان، كما هو الحال مع المقاتل الفرنسي منير الشرقي الذي تلقى شقيقه اتصالا مقتضبا يقول فيه المتصل “لقد مات منير شهيدا” وبعدها بأيام قليلة تم نشر صور تظهر أنه لقي حتفه في تفجير انتحاري في حلب بسوريا استهدف قوات النظام وخلف 10 قتلى. ومع ذلك تمت محاكمته غيابيا في 4 سبتمبر الماضي وصدر بحقه حكم بالسجن 10 سنوات بتهمة تأسيس خلية إرهابية وهي نفس التهم الموجهة لجميع الفرنسيين الذين غادروا إلى سوريا للقتال مع التنظيمات الإرهابية.
وتقول مجلة “لوبس” نقلاً عن مصادرها إن 250 من المقاتلين الفرنسيين الذين انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة (داعش) لايزالون على الأراضي السورية، بينما يقيم 100 آخرون في أربيل بالعراق، وغادر آخرون إلى اليمن عبر إيران، تحاول الاستخبارات الفرنسية تعقبهم؛ وذلك في وقت ما زال مصير آخرين مجهولا وتتضارب المعلومات بشأن عودتهم إلى فرنسا أو دخولهم دولا أخرى. في حين، تم الإعلان عن وفاة 305 من هؤلاء المقاتلين. يضاف إليهم فابيان كلاين الذي أعلن عن وفاته هذا الأسبوع في غارة نفذتها قوات التحالف في البغوز بسوريا.
وتضم ملفات هؤلاء المقاتلين عشرات الصور بعضها لقبور لا يمكن التأكد من أن داخلها جثثا بسبب غياب الإحداثيات الدقيقة لتلك المقابر التي يحتمل أنه تم دفن المقاتلين فيها، ليبقى خطر عودة المقاتلين الذين أعلنت وفاتهم قائما.
ومن بين الأشباح التي تطاردها السلطات الفرنسية؛ هناك أسماء مقاتلين معروفين وآخرين لا تعرف عنهم معلومات دقيقة على غرار شاب يدعى رشيد كان قد غادر سرا إلى سوريا قبل أن يتلقى والده اتصالا هاتفيا يؤكد موته هناك.
وفي عام 2015 تفاجأت عائلة أحد المقاتلين الفرنسيين يدعى فؤاد بأن حسابه على فيسبوك ما زال نشطاً بعد تأكيد وفاته. وقام أحد أصدقاء فؤاد بمراسلته عبر حسابه فكان الجواب: “لقد توفي هذا الأخ شهيدا في المعركة”. ولم يعرف ما إذا كان التنظيم يستخدم الحساب أم أن المقاتل بالفعل ما زال على قيد الحياة وهو ما يحاول المحققون الفرنسيون الكشف عنه.
ومن النادر أن تتسلم عائلات المقاتلين إفادات تثبت وفاتهم، كما حدث مع مقاتل يدعى سامي سياح تلقت عائلته شهادة تثبت وفاته في حادث سير مع صور لجثمانه بعثها تنظيم داعش.
وقد سبق للتنظيم الإرهابي أن بث شريطا مصورا في 19 نوفمبر 2014 يشجع المقاتلين على انتهاج هذا التكتيك، ويظهر التسجيل مواطنين فرنسيين يقومون بإحراق جوازات سفرهم ويحثون الشباب الفرنسي على الالتحاق بصفوف تنظيم الدولة (داعش).