إِنَّ ما أَشار إِليْه الأَمين العامّ لـ “حزْب الله” السَّيِّد حسن نصر الله في إِطْلالَته الإِعْلاميَّة الأَخيرة عبر قَناة “المَيادين”، لناحية الفَساد عَن طَريق بِدْعة “التَّلزيم بالتَّراضي”، تَحَدَّث عَنْه رَئيسُ “الحزْب التَّقدُّميِّ الاشْتِراكيِّ” وليد جُنبلاط، في تَغْريدةٍ له بَعْد أَرْبعة أَيَّامٍ مِن إِطْلالة السَّيِّد الإِعلاميَّة، إِذ اعْتَبر أَن: “في أَوجِّ الأَزْمة الحُكوميَّة، جرى التَّلزيم بِشِبْه التَّراضي لمرفقَين أَساسيَّين من المُلْك العامّ: خزَّانات مِصفاة طَرابلس، والمَحطَّة الكَهْربائيَّة لدَيْر عْمار”…
غَيْر أَنَّ بَيْن “التَّلزيم بالتَّراضي” و”شِبْه التَّلزيم بالتَّراضي”، يَتسلَّل عامل اللَّعب على الكَلام المُرفق بنيَّةٍ في تَوْجيه الاتِّهامات على قاعِدَة الرَّأْي الخاصِّ والافْتِراض، ولِدوافِع سياسيَّةٍ وحسابيَّةٍ ضيِّقة… إِذْ لا يُمكِن الأَخْذ في بِضْع كَلِماتٍ تَغْريدًا مِن دون الإِثْبات والتَّفْصيل والقَرائن، في وَقْتٍ يُمْكن لأَيٍّ كان، أَنْ يَكْتُب بَعْض الكَلِمات على حِسابِه الخاصِّ عَبْر مواقع التواصل الاجتماعي ويَعود ليَمْحوَها بعد قليلٍ، أَو يَتجاهلُها، غَيْر أَنَّ الفِكْرة لا تُمْحى مِن ذاكِرَة المُتَلقِّي!.
وفي مُقابِل التَّلهِّي في التَّراشُق الإِعلاميِّ، إِنْطَلَقَت مُحرِّكاتُ مُحاربَةِ الفَساد في كلِّ اتِّجاهٍ:
-مُلاحقَةُ المُتَّهَمين في مُوبِئات فَسادِ المُوَلِّدات الكَهْربائيَّة أَمام القَضاء، وهو الجِهَةُ الوَحيدةُ المُخَوَّلة بتَّ مِلفٍّ يَجِب تَحْييدُه عن “الصَّالوناتِ السِّياسيَّةِ”…
-مُداهَمَةُ “شُعْبة المَعْلومات” مُسْتَوْدَعين عائِدَين إِلى شَرِكةٍ تِجاريَّةٍ في محلَّتَي “تَحْويطَة الغَدير” و”الكوكودي” في الضَّاحيَة الجَنُوبيَّة، وضبط 4 عُمَّالٍ يَتلاعَبون بِتاريخِ صَلاحيَّةِ مشروبٍ للطَّاقة…
وتَبْقى المُعْضِلةُ الكامِنَةُ في سُبُلِ مُواجَهَةِ الفَسادِ المُعَشْعِش في الإِداراتِ الرَّسْميَّةِ، وقد خَلُصَت النَّظريَّات إِلى تَحْديد خُطُوات الإِصْلاحِ فيها، في إِطارِ خارِطَة طريقٍ مُحدَّدةِ الخُطُواتِ…
طُرق مُكافحة الفَساد
يبقى الالْتزام الخُلُقيُّ، الوطنيُّ والإِنسانيُّ، مِحْوَر كُلِّ خِطَّةٍ إِصْلاحيَّةٍ لِمُكافَحَة الفَساد، وذَلِك لا يَتأتَّى إِلاَّ مِن خلال التَّربية على القِيَم والأَخْلاق الحَميدة والنَّخْوة الوطنيَّة. إِذًا، عَلَيْنا بالتَّرْبِيَة، ومِن ثَمَّ التَّربِيَة… كما وأَنَّ لِسَنِّ الأَنْظِمة والقَوانين والتَّشريعات الحاسِمَة، أَهميَّةً كُبرى في هذا المَجال. وكذَلك من الواجِبِ تَوْعِية المُوظَّفين تجنُّبًا لِوَباء الفَساد المُعْدي. وفي هَذا الإِطار، يُمْكن عَقْد نَدَواتٍ دينيَّةٍ في أَماكِن العَمَل. كَما ويُمْكِن تَخْصيصُ مُكافَأَةٍ ماليَّةٍ “من باب التَّشْجيع” لمَنْ يُبلِّغ عن حالِ فسادٍ. وفي المُقابِل، لا بُدَّ مِن وَضْعِ جَزاءاتٍ وعُقوباتٍ رادِعَةٍ، لكُلِّ أَنْواعِ الفَساد، وتَحْسين الرَّواتِب للمُوظَّفين تَحْسينًا للظُّروفِ المَعيشيَّة.
وفي المُؤسَّساتِ الرَّسميَّةِ اللُّبنانيَّةِ -المُتْخَمَةِ في عَدَد المُوظَّفين في وزاراتٍ والشَّاكيةِ مِن نقصٍ حادٍّ في وزاراتٍ أُخْرى– يَجِبُ إِعْطاء الفُرْصة لإِخْراج كُلِّ المَواهِب والإِبْداعات لدى المُوظَّفين، لِخَلْق مَجالٍ مِن التَّنافُسِ. كَما وِمن المُفيدِ أَيْضًا تَشْكيلُ لِجانٍ للإِصْلاح الإِداريِّ، وإِتاحةِ الفُرْصةِ أَمام القِيادات الشَّابةِ المُؤْمِنة بالتَّغيير والتَّطوير. وهنا يَنْبغي وَضْع الشَّخْص المُناسِب في الزَّمان والمَكان المُناسِبَين…
ومِن طُرُق مُكافَحةِ الفَساد أَيْضًا وَضْعُ نِظامِ تَقييمٍ للمُوَظَّفين، على أَنْ يَمْتازَ هذا التَّقييمُ بالدِّقَّة والمَوْضوعيَّةِ، خِلافًا لِما يَحْصل في بَعْض الإِداراتِ الَّتي يَجْهل فيها المُدير حتَّى فَتْرة عَمَل المُوظَّفين في إِدارتِهِ، حين تَكونُ الفَتَرات مُتداخِلَةً، أَو أَنَّه يُؤْثِر “تَغْطية” المُقرَّبين مِنْه، وإِبْلاغِهم مُسْبقًا بإِمْكان قِيام “التَّفْتيش المَرْكزيِّ” بـ”كَبْسةٍ” لمُراقَبة الدَّوام وحُضور المُوظَّفين، إِضافةً إِلى أَنَّ المُدير قَد لا يُحْسن حتَّى تَقْييم أَداء مُوظَّفين الَّذين هُم أَصْلاً أَكْثر كِفايةً منْه، وصولاً إِلى الافْتِراء والتَّجنِّي الإِداريِّ على المُوَظَّفين…
إِلى ذلك مِن المُهمِّ أَيْضًا وَضْع شُروطِ الدَّوائِر والمُؤَسَّساتِ في مَكانٍ بارزٍ مِن أَجْل المُراجِعين، وتَبْسيط القَوانين، ومُتابَعَة المُوظَّفين، وتَفْعيل بَرنامَج الحُكومةِ الإِلكتْرونيِّ.النشرة