تونس: إضراب عام يشلّ البلاد… وشعارات تطالب بـ«إسقاط النظام»

مسافرون يفترشون الأرض في مطار قرطاج، وطوابير من المرضى أمام مشفى «مُغلق»، هكذا بدا الوضع في العاصمة التونسية في يوم الإضراب العام، الذي يُتوقع أن يكلف البلاد أكثر من 100 مليون دولار. في وقت تواصل فيه الجدل حول جدوى هذا الإضراب، والأطراف التي تتحمل المسؤولية عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، فيما اتهم سياسيون ورجال دين اتحاد الشغل بـ«تخريب الاقتصاد»، وطالب آخرون بمقاضاة بعض قياداته.

وكان اتحاد الشغل بدأ الخميس إضرابا عاما يستمر ليوم واحد، ويشمل جميع المؤسسات العامة والقطاعات الحيوية في البلاد، وذلك بعد فشل جميع جلسات التفاوض مع الحكومة حول زيادة أجور العامين في الوظيفة العمومية (القطاع العام).
وشارك آلاف الموظفين التونسيين في مسيرة حاشدة نظمها اتحاد الشغل في العاصمة التونسية، وردد المشاركون شعارات مناهضة للحكومة، وطالب بعضهم بـ«إسقاط النظام» واستقالة الحكومة.

ووجه نور الدين الطبّوبي، الأمين العام لاتحاد الشغل، انتقادات لاذعة للحكومة، حيث قال في اجتماع كبير في ساحة محمد علي أمام مقر الاتحاد «أقول لهذه الحكومة التي استهانت بأبناء الشعب: نحن لا نساوم، والشعب يريد السيادة الوطنية (…) ولولا الشعب التونسي لما كنتم اليوم في الحكم»، مشيرا إلى أن «المعركة مستمرة الى حين تحقيق أهدافنا. ونحن جاهزون لكل الخيارات وصامدون ولن نخذل أبناء شعبنا أبدا».
وكان رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، أكد في كلمة بثها التلفزيون الرسمي مساء الأربعاء أن حكومته قدمت مقترحات «معقولة وتتماشى مع إمكانيات الدولة» في مفاوضات زيادة الأجور في الوظيفة العمومية، معبّرا عن أسفه لرفض الاتحاد قبول هذه المقترحات، لكنه أكد أيضا أن منظمة الشغّيلة «شريك هام، ومواصلة التفاوض هو قدر الطرفين».
وأثار الإضراب العام جدلا سياسيا ودينيا في تونس، حيث حملت المعارضة كلا من الاتحاد والحكومة المسؤولية عن هذا الإضراب، فيما لجأ بعض رجال الدين لانتقاد الاتحاد وتحميله مسؤولية شلّ البلاد وضرب الاقتصاد.
ودوّن هشام عجبوني القيادي في حزب التيار الديمقراطي على صفحته في موقع فيسبوك «علينا الإقرار أن تونس في حالة إضراب عام متواصل و في حالة شلل سياسي واقتصادي واجتماعي منذ سنوات. منظومة الحكم الحالية التي انبثقت عن انتخابات 2014 والتي أتت بعد الترويكا الفاشلة، واصلت في نفس الطريق وكرّست الفشل وعجزت عن إيقاف النزيف. البرلمان عاجز ورئاسة الجمهورية عاجزة ورئاسة الحكومة عاجزة، والشعب يعاني من غلاء المعيشة وتدهور طاقته الشرائية بصفة ملحوظة وغير مسبوقة».
وأضاف «ما الحلّ؟ أعيد وأكرّر، على المدى القصير، وفي سنة انتخابية مصيرية لا يمكن تمنّي أكثر من: إيقاف نزيف التدهور الإقتصادي والإجتماعي والحدّ من الخسائر، واستكمال بناء المؤسسات الدستورية وحلّ معضلة هيئة الانتخابات، وتوفير مناخ ملائم لإجراء انتخابات حرّة ونزيهة. وبعد ذلك، تعود مسؤولية تغيير الأوضاع إلى الناخبين المدعوّين للمشاركة بكثافة وإلى حسن الاختيار ومعاقبة الفاشلين والمتحيّلين والمسؤولين عن تردّي الأوضاع الحالية، وتركيز النقاش السياسي على البرامج والتصوّرات والرؤى. بدون ناخب واع وبدون محاسبة كل من يدير الشأن العام على حصيلته، لن تتقدّم تونس وستتواصل الرداءة المستشرية إلى أبد الآبدين».
ودوّن الوزير السابق صلاد الدين معاوي «شعارات مريبة اليوم في ساحة محمد علي. هي ليست صراخ نضال اجتماعي، بل تعبير عن صراع محموم من أجل التحكًم في السلطة. هي استعراض عضلات بين قوى تتناحر حول حكم البلاد، وتسعى للغلبة للأقوى، للأعلى صوت وللأكثر سواعد مفتولة. هكذا تحوًلت هذه الفترة «الانتقالية الديمقراطية» الى فترة انتقامية من البلاد والعباد».
ولم يغب رجال الدين في تونس عن الحدث، حيث هاجم عدد كبير منهم اتحاد الشغل واتهموه بمحاولة «تخريب» الاقتصاد التونسي، حيث دوّن الداعية رضا الجوّادي «الاتحاد أكبر ماكينة خراب في البلاد». كما وصف الداعية بشير بن حسن اتحاد الشغل بقوله «اتحاد شفاه الدخان وبطون الجعّة وشوارب التخلّف ووجوه الكلاحة، يدّعي الوطنية وحمل همّ العمال! هزلت».فيما دعا الإعلام إلى ملاحقة قيادات اتحاد الشغل قضائيا، معتبرا أن الإضراب عمل «عمل غير قانوني»، حيث دوّن على صفحته في موقع فيسبوك «سلوا أي أستاذ قانون سيؤكد لكم أن مشاركة المنشآت العمومية في إضراب الوظيفة العمومية يوم 17 جانفي (كانون الثاني) عمل غير قانوني، ويمثل بالتالي جريمة موجبة للتتبع القضائي. دوس قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل على القانون يعتبر جريمة في حق الدولة وفي حق مسيرة النضال الوطني للاتحاد. فمن حق الاتحاد أن يقرر الإضراب، وإضرابه في الوظيفة العمومية غدا قانوني وشرعي لا لبس فيه. لكن لا يحق لقيادة الاتحاد الاعتداء على قوانين الدولة».
وأضاف «الاتحاد بهذا السلوك المشين يشرّع لدولة «البانديّة والتبوريب» (البلطجة أو استعراض العضلات)، ولو كان في بلادنا قضاء فاعل وملتزم بعلوية القانون، لقامت النيابة العمومية اليوم بتتبع أمينه العام المساعد منعم عميرة إثر تصريحه في ندوة صحافية قبل قليل بأن «البلاد ستشهدا غدا الخميس توقفا كليا للنقل البري والبحري والجوي، ولاتخذت الإجراءات القانونية لإحالة مسؤولي كل نقابات المنشآت العمومية التي أعلنت مشاركتها في الإضراب على القضاء».
وتابع الهاني بقوله «انتبهوا بني بلدي إن دولتكم تنهار بانهيار سلطة القانون فيها، والمستأمن عليها منذ بواكير الحركة الوطنية المكافحة ضد الأستعمار، تحول إلى معول أساسي في تحطيمها بالدوس على قوانينها، عوض أن يكون القدوة في احترام هذه القوانين التي تعتبر عمادا للدولة المدنية الحديثة. أطلب من كل من سيتضرر من إضراب المنشآت العمومية، بأن يلجأ للمحاكم لمقاضاة الاتحاد وطلب التعويض منه عن الضرر الحاصل له. هذه هي الدولة المدنية كما أفهمها، والاحتكام إلى سلطة القانون كما أطالب به».
فيما قدرّ خبراء الاقتصاد أن يكلف يوم الإضراب الدولة التونسية أكثر من 300 مليون دينار (100 مليون دولار)، حيث أكد الخبير الاقتصادي مُعز الجودي أن الاضراب العام ستكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد التونسي، مشيرا إلى أن الخسائر التي ستتكبدها الدولة بسبب هذا الإضراب تتراوح بين 250 و300 مليون دينار، وهو الناتج المحلّي الخام ليوم عمل في تونس.
وأضاف الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان «بترفيع الحكومة في أجور القطاع الخاص ومؤسسات القطاع العام وجدت نفسها أمام اشكال تبرير ذلك للاتحاد التونسي للشغل والاضراب الذي من المزمع شنه يوم غد الخميس ستكون له أضرار مباشرة وأخرى غير مباشرة»، مشيرا إلى أن «الكلفة المباشرة لا يمكن احتسابها ولكن عديد المؤشرات يبرز أنها ستكون في حدود 300 مليون دينار وتغطي هذه الكلفة الوظيقة العمومية والمؤسسات العمومية كما ستشمل القطاع الخاص (…) لكن الأهم حسب سعيدان « الكلفة غير المباشرة بما يعني الكلفة على صورة البلاد وهذه الديمقراطية الناشئة.
وهذا الإضراب العام الثاني الذي ينفذه اتحاد الشغل خلال أقل من شهرين، حيث شارك أكثر من 700 ألف موظف تونسي في إضراب مماثل نظمه الاتحاد في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أمام البرلمان وعدد من المدن التونسية، للمطالبة بزيادة الأجور، ورددوا شعارات تطالب باستقالة حكومة يوسف الشاهد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *