وثائق مسربة لهيئة الحقيقة والكرامة: بن علي استخدم 40 ألف مخبر لملاحقة معارضيه

يتواصل الجدل في تونس حول وثائق مسرّبة من التقرير النهائي لهيئة الحقيقة والكرامة، تتحدث عن استخدام نظام الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، لأربعين ألف مخبر لملاحقة معارضيه.

وكانت «هيئة الحقيقة والكرامة» المشرفة على مسار العدالة الانتقالية أعلنت أخيراً نهاية أعمالها، حيث سلّمت رئيستها، سهام بن سدرين، تقريرها النهائي إلى الرئيس الباجي قائد السبسي.

بينهم محامون وأطباء وطلاب وأساتذة جامعات

ونشرت صفحات اجتماعية صورا لـ«وثائق مسربة» من التقرير، الذي يُتوقع إتاحته لوسائل الإعلام، بعد اطّلاع الرؤساء الثلاثة عليه، حيث تشير الوثائق إلى أن نظام بن علي «وظّف» أربعين ألفا من التونسيين، من اختصاصات متعددة (موظفون، أطباء، محامون، طلاب، أساتذة جامعات وغيرهم) للتجسس على معارضيه.
وأطلق نشطاء عددا من الوسوم على موقع فيسبوك حول هذا الأمر، من قبيل «بن علي والأربعون ألف صبّاب (مخبر)» و«القوادة (مهنة المخبر) جينات» و«دكتورة لكن قوادة» وغيرها.
وكتب الإعلامي لطفي الحاجي «أربعون ألف مخبر في عهد المخلوع بن علي. هذا هو العدد الذي أعلنته رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين. في اعتقادي أن العدد الحقيقي للعسس والمخبرين في عهد المخلوع يفوق ذلك بكثير، والسبب بسيط للغاية لأن هناك المخبرين المعلنين، والمخبرين غير المعلنين وهم الأكثر عددا. فالإكثار من المخبرين هي حالة هوس تصيب الديكتاتور (أي ديكتاتور). والديكتاتور في التحليل النفسي (وعلى عكس ما يظهر من القوة والجبروت) هو جبان في تركيبة شخصيته، والجبن يجعله يعتقد أن سيطرته على الوضع تكون بالإكثار من عدد المخبرين، ومخبري المخبرين، فداخل الجهاز الأمني ذاته يتم إنشاء فرق لمراقبة فرق أخرى. ومهمة واحدة قد تتولاها أكثر من فرقة حتى يقارن الدكتاتور بين التقارير المتعددة لأنه لا يثق في أحد حتى أقرب الناس إليه».
ودوّن الباحث والناشط السياسي الأمين البوعزيزي «الكثير من المخبرين غضبوا جراء حملة المطالبة بكشف الأربعين ألف قواد زمن الهولوكوست النوفمبري. فطفقوا يهرفون: «البلاد دخلت في حيط منذ إحالتنا على التقاعد المهين… والسي آي إي تعتمد على المخبرين». الأربعون ألف قواد (مخبر) لم يُحالوا على التقاعد وإنما تم تكليفهم بمهمات «أمناء دم الشهداء»؛ وكرونيكارات في منابر تلويث الفضاء العام؛ ونقابات زمن رخاء الثرثرة؛ وخبراء تزييف سبر الآراء؛ بعضهم عزز صفوف أحزاب الخوف من الله وبعضهم عزز صفوف أحزاب التخويف من الله. في مناخات الديمقراطية كلنا حراس للوطن. وفي مناخات الاستبداد فقط قلة قوادين عسس للوثن. كثرة القوادين معناه كثرة المقاومين ورعب المستبدين».
فيما اعتبر الباحث علي المسعودي أن مهنة المخبر (أو الصبابة كما أسماها) هي «فلسفة في الحكم، لقاح دارج الاستعمال يُحْقَنُ به الشعب حتى يتمّ تحصينه من أعراض التمرّد والثورة، وآمال الحرّية التي تخشاها آلهة الأرض وكل أوليغارشية. و«الصِّبابة» هي فنّ صناعة الخوف من كل الأشياء: الحجر والبشر، وما نستنشقه من هواء. يبدأ هذا الوهم بذرة صغيرة في سويداء القلب، ثم تتمدّد وتسافر عبر الشرايين، وتنشأ من البذرة جذور وأغصان تكسوها أوراق سوداء، إلى أن يغرق في ظلها القاتم كلّ الجسد. ثم تنتقل بالعدوى إلى الأصول والفروع، وإلى الجيران والمعارف، وسرعان ما تغزو كلّ شبر في البلد. كذا تنمو شجرة الوهم القاتل، وتنشأ جمهورية الخوف».
وتحت عنوان «عملية حسابية»، كتب الباحث محمد ضيف الله «40 ألفا هو عدد قوادة الشُّعَب. لو أن الواحد منهم يتقاضى 50 دينارا في الشهر، هذا يساوي 2 مليار شهريا، أي 24 مليارا سنويا، في 20 سنة فيما بين 1991 و2010 نجد ما يقرب من 500 مليار (مليون). رقم 40 ألف قوّاد يفسّر لوحده قوة الحملة ضد هيئة الحقيقة والكرامة، وهم يتوزعون على كامل البلاد، يتحركون حتى لا ينتبه الناس إليهم وإلى ما نهبوه مباشرة من ميزانية الدولة عدا الامتيازات والرشاوى. آخرون منخرطون في حملة قوّادة الشُّعب ولم ينتبهوا إلى أنهم يدافعون عن القوّادة».
ويقيم بن علي حاليا في السعودية بعد مغادرته البلاد في منتصف كانون الثاني/يناير 2011 بضغط من الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بحكمه، ويواجه أحكاما عدة بالسجن بلغت حتى الآن 4 أحكام بالسجن المؤبد، فضلا عن 197 سنة سجنا، يتضاف إليها غرامة مالية بقية 213 مليون دينار تونسي (85 مليون دولار).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *