إيكونوميست: خيارات البشير تقل.. الشارع ضده والحلفاء مترددون في إخراجه من ورطته

قالت مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير إن الاحتجاجات التي بدأت للمطالبة بالخبز باتت تهدد النظام السوداني.

وأضافت المجلة أن مراكز الشرطة في الخرطوم ازدحمت بالمعتقلين، ففي كل ساعة تحضر الشرطة معتقلين جددا. وبعد فترة امتلأ المركز في شمال الخرطوم بالمحتجين الذين وضعوا في ساحته. ونقلت عن الناشط عاطف الذي اعتقل في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2018 قوله إنه شاهد اعتقال حوالي ألف شخص في ذلك اليوم. وتم ضرب الكثيرين منهم، فيما حلقت رؤوس الآخرين، وخُص بالإهانة المحامون والأطباء.
وكان عاطف واحدا من عشرات الآلاف الذين خرجوا للشوارع في الأيام الأخيرة.
وما بدأ كشغب واحتجاج على ارتفاع أسعار الخبز في مدينة عطبرة في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018، انتشر في معظم مدن البلاد. وحسب التقارير فقد قتل على الأقل 40 شخصا على يد قوات الأمن في 400 احتجاج.

وتقول الحكومة إنها اعتقلت حوالي 800 من الذين شاركوا في التظاهرات (وربما كان العدد الحقيقي أعلى)، إلا أن هذه الجهود لم تفعل الكثير لإخماد ما ينظر إليها بأنها أكبر انتفاضة ضد حكم عمر حسن البشير الديكتاتوري.

وتعود جذور الغضب السوداني إلى عام 2017، عندما أعلنت الحكومة عن خطط لوقف الدعم عن القمح. وكان الهدف منها هو تخفيف العجز في الميزانية الذي كان سيصل إلى 5% من حجم الناتج المحلي هذا العام. وعندما ارتفعت أسعار الخبز في العام الماضي بشكل أدى لاحتجاجات، حاولت الحكومة إرجاع المسار وأعادت بعض الدعم على المواد الأساسية، إلا أن الاقتصاد الذي يكافح منذ انفصال الجنوب عن الشمال وأخذ معه في عام 2011 نسبة 75% من الثروة النفطية انخفض بشكل كبير، وتقلص بنسبة 2.3% في عام 2018، ولم تعد الحكومة قادرة على دفع الفواتير، ولهذا قامت بطباعة أموال نقدية جديدة وهو ما دفع التضخم لنسبة 70% ويعد الأعلى في العالم بعد فنزويلا.

ويعاني السودانيون من نقص في الخبز والوقود والأدوية. وقال عبد العزيز عثمان (28 عاما)، المصور الذي اعتقل الشهر الماضي “تقف في الطوابير أمام البنوك للحصول على النقد الذي لا تشتري فيه أي شيء” وأضاف: “نقضي معظم حياتنا الآن واقفين في الطوابير”.
وتعلق المجلة أن دعوات تغيير النظام باتت واسعة. فقد تم حرق فرع لحزب البشير “الحزب الوطني”. وفي 6 كانون الثاني/ يناير زحف المتظاهرون إلى القصر الجمهوري لتقديم عريضة تطالب باستقالة البشير، فالرئيس الذي وصل إلى السلطة عام 1989 على متن دبابة وفاز في عدة انتخابات مشبوهة يخطط لخوضها من جديد في عام 2020. وتعرض الإئتلاف الحاكم الذي يقوده البشير لانشقاقات، حيث انسحبت منه ثمانية أحزاب على الأقل. وتساءلت المجلة إن كان البشير سيصمد أمام موجة الإحتجاجات الشعبية؟
وتجيب أن البشير ليس غريبا على الاحتجاجات، فقد واجه حركات تمرد في الجنوب، وارتكب جرائم في دارفور وقمع تظاهرات ونجا منها. لكن التظاهرات الأخيرة مختلفة، ويبدو أنها هزت النظام. فقد وعد البشير بالتوقف عن قطع الدعم وزيادة النفقات الحكومية بنسبة 39%، خاصة على الرواتب والموظفين في المؤسسات العامة.

ووصف البشير المتظاهرين بالخونة والذين باعوا أنفسهم والمخربين. كما وجه أصابع الإتهام لناشطين في دارفور بالتآمر مع إسرائيل لتخريب السودان. وتم اعتقال 50 طالبا من دارفور بتهمة الإرهاب. ولم تنجح أساليب البشير، فقد هتف المتظاهرون في معاقله بالخرطوم والشمال “كلنا دارفور”.

ورغم قمع الشرطة والأمن، فالتظاهرات مستمرة بل وتبدو أكثر تنظيما وأًصبحت أضخم وتقودها النقابات المهنية. وشبه البعض التظاهرات الأخيرة بثورتي 1964 و 1985 اللتين أطاحتا بحكم ديكتاتوري. ففي كلتا الحالتين تطورت أحداث شغب معزولة إلى حركة تغيير سياسي واسعة. وفي كلتا الحالتين قرر النظام التنحي عن السلطة. ولكن البشير قد يعاند ويصعب إجباره على التنحي.

وقال الخبير بشؤون السودان في جامعة تافس أليكيس دي وال: “كان الجيش جيشه لمدة 29 عاما) ولديه القدرة على لعب الفصائل ضد بعضها البعض. ويخشى القادة العسكريون من المحاكمة بجرائم حرب لو خرج البشير”.
ولا تزال لديه مؤسسة أمنية قوية. ورغم كل هذا فخياراته تقل. ففي السنوات القليلة الماضية تحول السودان عن حليفته إيران واقترب من السعودية والإمارات العربية المتحدة. وأسهمت المساعدات المالية منهما على إخفاء المأزق الاقتصادي للبلاد. ولا يبدو أن أي منهما تبدو مستعدة لإخراجه من ورطته لأن البشير لا يعد حليفا مواليا، فقد تقارب مع قطر وتركيا.

وحيدا ومحطما، يواجه البشير المحتجين الذين يعاودون الخروج إلى الشوارع رغم القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي. فغضب الناس لا نهاية له كما يقول إبراهيم سنوبي، مخرج الأفلام و”لا نعرف ماذا سيحدث بعد؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *