قالت الولايات المتحدة، اليوم الأربعاء، إنها بدأت سحب قوات من سوريا في حين قال مسؤولون أمريكيون إن واشنطن تبحث سحب كل قواتها منها مع اقترابها من نهاية حملتها لاستعادة كل الأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم “الدولة” (داعش).
وإذا تأكد هذا فسوف يثير الشكوك حول كيفية منع ظهور التنظيم مرة أخرى ويقلل من نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة ويقوض الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية السورية التي دخلت عامها الثامن.
وأثارت أنباء سحب كامل القوات العسكرية الأمريكية انتقادات على الفور من بعض رفاق الرئيس دونالد ترامب الجمهوريين الذين قالوا إن مغادرة سوريا ستعزز نفوذ روسيا وإيران اللتين تدعمان بشار الأسد.
وقالت سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض، في بيان، “بدأنا إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن مع انتقالنا إلى المرحلة التالية من هذه الحملة”. وصدر البيان بعدما قال ترامب في تغريدة على تويتر “لقد هزمنا تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وهذا مبرري الوحيد للوجود هناك”.
ولم يتضح حتى الآن من بيان ساندرز ما إذا كان كل الجنود الأمريكيين، وعددهم 2000 جندي في سوريا، سيغادرون أو متى سيغادرون في حالة حدوث ذلك.
وأضافت ساندرز “الولايات المتحدة وحلفاؤنا مستعدون للانخراط مجددا على كل المستويات دفاعا عن المصالح الأمريكية ما دامت الضرورة تقتضي ذلك. وسنواصل العمل سويا لمنع (سيطرة) إرهابيي الدولة الإسلامية الراديكالية على الأراضي أو (تلقيها) التمويل والدعم”.
وقال مسؤول أمريكي إن واشنطن تريد سحب القوات في فترة تتراوح بين 60 يوما و100 يوم مضيفا أن وزارة الخارجية الأمريكية بدأت عملية لإجلاء موظفيها من سوريا في غضون 24 ساعة.
وقال مسؤول أمريكي ثان، طلب أيضا عدم نشر اسمه، إن الجيش الأمريكي يخطط لسحب كامل قواته لكنه أضاف أن المدى الزمني سيكون أسرع.
وسوف يضع قرار سحب كل القوات نهاية للافتراضات حول وجود أطول أمدا للقوات الأمريكية في سوريا والذي دافع عنه مسؤولون أمريكيون كبار آخرون للمساعدة في ضمان عدم عودة التنظيم للظهور.
وأبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السابق رغبة شديدة لإعادة القوات الأمريكية من سوريا عندما يكون ذلك ممكنا.
وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، المدافع الدائم عن الرئيس، إن الانسحاب سيؤدي إلى “عواقب مدمرة” على الولايات المتحدة والمنطقة والعالم.
وأضاف في بيان “الانسحاب الأمريكي في هذا التوقيت سيكون انتصارا كبيرا لتنظيم الدولة الإسلامية وإيران وبشار الأسد وروسيا”.
وقال وزير في وزارة الدفاع البريطانية إنه يختلف بشدة مع رأي ترامب بأنه جرى إلحاق الهزيمة بـ”الدولة” في سوريا. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن بلاده ستدرس القرار الأمريكي بسحب القوات من سوريا وسوف تعمل على ضمان أمنها. وفي روسيا نقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الخارجية قولها إن سحب القوات الأمريكية من سوريا يساعد على التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة هناك.
قوات خاصة
كثير من القوات الأمريكية الباقية في سوريا من قوات العمليات الخاصة التي تعمل عن كثب مع تحالف من المسلحين الأكراد والعرب يعرف باسم قوات سوريا الديمقراطية.
وأدت الشراكة مع هذا التحالف على مدى الأعوام الماضية إلى هزيمة “الدولة” في سوريا لكنها أغضبت تركيا عضو حلف شمال الأطلسي التي تعتبر وحدات حماية الشعب الكردية، الموجودة ضمن التحالف، امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردا مسلحا على أراضيها.
وتزامنت المداولات بشأن سحب القوات الأمريكية من سوريا مع تهديد أنقرة بشن هجوم جديد في سوريا. ويُنظر إلى وجود القوات الأمريكية في سوريا إلى اليوم على أنه عنصر استقرار في البلاد إذ قيد هذا الوجود إلى حد ما الإجراءات التي تتخذها تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية.
لكن حتى مع الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية من سوريا سيظل هناك وجود عسكري أمريكي كبير في المنطقة يتضمن نحو 5200 جندي عبر الحدود في العراق.
وبرغم ذلك، فلطالما عبر وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس ومسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية عن القلق من فكرة الانسحاب من سوريا قبل التوصل إلى اتفاق للسلام ينهي الحرب الأهلية الوحشية.
ومن المعتقد على نطاق واسع أن تنظيم “الدولة” سيلجأ إلى أساليب حرب العصابات ما إن يفقد كل أراضيه. وقد يعرض سحب القوات ترامب لانتقادات إذا عاد التنظيم للظهور.
كان ترامب قد انتقد سلفه أوباما في السابق بسبب سحب القوات الأمريكية من العراق والذي سبق انهيار القوات العراقية أمام تقدم التنظيم في البلاد في 2014.
وقال خبراء إن الانسحاب سيتيح لدول أخرى مثل إيران زيادة نفوذها في سوريا.
وقال أندرو تابلر المتخصص في شؤون سوريا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وهو مؤسسة بحثية “إذا انسحبنا فمن سيملأ الفراغ، من يملك القدرة على إرساء الاستقرار، وهذا هو السؤال الأهم”.
وأضاف “من الصعب فهم التوقيت”.
آخر 1 في المئة
أعلنت “الدولة” ما سمتها “الخلافة” في 2014 بعدما سيطرت على مساحات واسعة من سوريا والعراق. وجعل التنظيم المتشدد من مدينة الرقة السورية عاصمته الفعلية، حيث استخدمها قاعدة لتدبير هجمات في أوروبا.
ووفقا لتقديرات أمريكية، فقد كان التنظيم يدير مساحة من الأراضي تبلغ نحو 100 ألف كيلومتر مربع ويسيطر على نحو ثمانية ملايين شخص. وكانت عائداته تقدر بقرابة المليار دولار سنويا.
كان بريت مكغورك مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى التحالف العالمي لهزيمة تنظيم “الدولة” قد قال، الأسبوع الماضي، إن أراضي التنظيم تقلصت إلى واحد بالمئة مما كان يسيطر عليه في “الخلافة” التي أعلنها. ولم يعد التنظيم يسيطر على أراض في العراق.
ويقترب تحالف قوات سوريا الديمقراطية المدعوم من الولايات المتحدة من السيطرة على بلدة هجين آخر معقل كبير للتنظيم في سوريا.
وبعد أن يفقد التنظيم هجين، سيبقى تحت سيطرته شريط من الأرض آخذ في الانكماش على طول الضفة الشرقية لنهر الفرات في المنطقة التي تتركز فيها عمليات القوات المدعومة من الولايات المتحدة. ويسيطر المتشددون أيضا على بعض الأراضي الصحراوية غربي النهر في مناطق تسيطر عليها قوات النظام السوري وحلفاؤه.
لكن مسؤولين حذروا من أن استعادة الأراضي من التنظيم لن تعني هزيمته.
وقال مكغورك في إفادة بوزارة الخارجية في 11 ديسمبر/ كانون الأول “حتى رغم اقتراب نهاية الخلافة حاليا بشكل واضح، فإن نهاية تنظيم الدولة الإسلامية ستكون عملية أطول أمدا بكثير”.
وحذر الجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، في وقت سابق من ديسمبر/ كانون الأول، من أن الولايات المتحدة لم تدرب سوى نحو 20 في المئة من القوات السورية اللازمة لإرساء الاستقرار في المناطق التي تمت استعادتها من التنظيم.
(رويترز)