نفى رئيس الوزراء الأسبق والسياسي السوداني البارز، الصادق المهدي، تسلمه أي رسائل طمأنة من جانب النظام أو أي قوى دولية أو إقليمية قبيل عودته لوطنه في ساعة متأخر من ليلة الأربعاء الماضي من منفاه الاختياري والذي تنقل فيه بين أكثر من عاصمة ما بين القاهرة ولندن، مشددا على أنه لا يزال يمثل أحد أهم ركائز المعارضة الرئيسية بالبلاد في مواجهة هذا النظام وأنه لن يتوقف عن انتقاده.
وشدد المهدي في مقابلة أجرته معه وكالة الأنباء الألمانية “لم أحصل على أية ضمانات من أي طرف، ويبدو أن بعض العقلاء داخل النظام اقتنعوا بأن البلاغات ضدي كيدية وأنه لا معنى لملاحقتي جنائيا… لقد اتهموني بالحوار مع وتوجيه الدعم لجماعات وحركات مسلحة يقوم النظام السوداني بالأساس بالتحاور المستمر معها بل ووقع مع بعضها اتفاقيات… وهي حركات معترف بها دولياً وأفريقياً.
وقال “البعض بالنظام لا يزال بطبيعة الحال يتوعد ويهدد.. على أي حال لقد قررت العودة لوطني لانتهاء مهامي الخارجية، وكما لا تعنيني ولا أركن كثيرا للتصريحات التضمينية من قبله، فالتهديد لا يعنيني أيضا… وأعلم أن النظام قادر في أي لحظة على تحريك بلاغات قديمة أو نصب (تقديم) أخرى جديدة، ولذلك فنحن نطالب دائما بالحريات وسيادة حكم القانون لأنها الضمانة الوحيدة لوقف انتهاكات الحقوق المنطلقة من أهواء الحكام”.
واستنكر المهدي (83 عاما) الاتهام بأن عودته جاءت على خلفية صفقة أو تفاهمات مشتركة بينه وبين النظام، بحيث يؤمن الأخير له العودة الأمنة وإسقاط البلاغات القضائية بحقه تدريجياً مقابل صمته عن مقترح برلماني لتمديد ولاية الرئيس السوداني عمر البشير وعدم انتقاد نظامه، قائلا “نحن أزهد عن أية صفقة سرية، ولا نوافق قطعاً على تعديل الدستور للتمديد لولاية أخرى للرئيس… الحديث عن صفقات سرية تلهج به صحف النظام وأبواقه ويسير به بعض المحسوبين على المعارضة جراء غفلة أو سوء نية، وهو حديث مكرر ضمن سياسة تفتيت المعارضة وزرع الفتن في صفوفها”.
وشدد “لقد عرض النظام علينا المناصفة في السلطة مراراً ورفضنا.. رفضنا اقتسام “كيكة السلطة” حينما كان هناك سودان موحد وظروف اقتصادية أفضل، وأي عاقل الآن يعرف أنه لم تعد هناك “كيكة”، ومجهوداتنا الآن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلادنا التي تمزقت وصارت على حافة التلاشي ومواطنينا المطحونين في ذمة حكومة لا تلقي لمعاناتهم بالاً.. وبالتالي نكرر رفضنا للمشاركة بالسلطة، إلا إذا جاءت وفق خطة قومية متفاوض عليها من جانب الجميع لإقامة السلام العادل والتحول الديمقراطي الكامل…أما موقفنا من نقد النظام فهو التزام أخلاقي ووطني”.
وكانت نيابة أمن الدولة السودانية قد وجهت في أبريل/ نيسان الماضي، عشر دعاوى جنائية ضد المهدي، تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام، وذلك استجابة لشكوى تقدم بها جهاز الأمن، يتهمه فيها وآخرين بالتعامل والتنسيق مع حركات مسلحة متمردة لإسقاط النظام بالقوة.
وفي ذات الإطار وصف المهدي- الذي يترأس مجموعة (نداء السودان) التي تتكون من أحزاب سياسية معارضة- دعوة بعض الأحزاب السياسية والبرلمانيين السودانيين لتعديل الدستور لتمديد ولاية البشير، بكونها مجرد”تملق”.
المهدي يصف دعوة بعض الأحزاب السياسية والبرلمانيين السودانيين لتعديل الدستور لتمديد ولاية البشير، بكونها مجرد”تملق”
واستبعد رئيس حزب الأمة، أحد أكبر الأحزاب السودانية، قيام الولايات المتحدة بمنح البشير ضوء أخضر فيما يتعلق بتمديد ولايته الرئاسية، وأوضح “نعم هناك حوار مشترك… ولكنه يتركز حول مٍسألة رفع إسم السودان من الدول الراعية للإرهاب.. وللأمريكان شروط تفرضها على نظام الخرطوم للاستمرار به، في مقدمتها إنهاء الحروب، وبسط السلام، وتوفير الحريات”.
غير أن المهدي عاد ليؤكد على أن “حجم التسهيلات التي يقدمها النظام للولايات المتحدة والغرب عموما قد تجعلهم يتمسكون ببقائه”، لافتا إلى أن تلك الدول الغربية الكبرى “طالما وجدت أن الحكام غير الديمقراطيين أكثر استعداداً للامتثال لمطالبهم”.
وفي رده على تساؤل عما إذا كان إعلان استعداده للحوار مع السلطة يأتي على خلفية أن الأخيرة بالموقع الأقوى فضلا عن صعوبة توحد المعارضة، أجاب المهدي بقوله “النظام مثقل بالمشاكل المستعصية، من حصار اقتصادي، وتشتت بالإرادة لوجود مراكز قوى بداخله، ومطالبته دولياً بتوفير الحريات وحقوق الإنسان… وهذه كلها عوامل تصب في مصلحة المعارضة، نعم النظام يملك القوة المادية من قهر وقمع، ولكنه الآن بلا بوصلة أيديولوجية وبلا برنامج، وفي مقابل صعوبة توحد صف المعارضة أكدنا على نجاعة الحديث عن وحدة الهدف، وهذا ما خطت المعارضة فيه خطوات كبيرة ضمن الاتفاق على ضرورة نظام بديل وسياسات بديلة، برغم الاختلاف في الرؤى حول وسائل إقامة هذا النظام البديل”.
وقلل المهدي بدرجة كبيرة ما تردد مؤخرا عن احتمالية تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل في إطار سعي الأخيرة، إسرائيل، لانتهاز الفرص والتقرب من الدول الأفريقية التي تعاني أزمات مادية أو تهميشا دوليا، وقال” لا أعتقد أن البشير يقدم على خطوة من هذا النوع رغم أن السودان يكاد يكون محاطا بدول معترفة بإسرائيل وتتبادل معها التمثيل الدبلوماسي”.
وكانت تقارير إعلامية إسرائيلية قد أشارت إلى زيارة محتملة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للسودان، غير أن السودان نفي ذلك بشدة.
وأعرب المهدي عن حزنه العميق لما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية بالسودان والمعاناة الكبيرة التي تقصم ظهور مواطنيه جراء انهيار للعملة المحلية أمام الدولار ونقص السيولة وارتفاع الكبير للأسعار، موضحا “الآن تلاشت قيمة العملة الوطنية وصار للدولار ستة أسعار”، معتبرا أن الحل الرئيسي الذي نطرحه هو وجود برنامج قومي جذري يحقق السلام العادل والتحول الديمقراطي الكامل ويضع خطة إسعافيه للوطن ورفع المعاناة عن المواطن لأن الأمور بلغت حداً لا يوصف “وشدد” ودون ذلك فأنه لن تجدي أي محاولات لتحسين الوضع الاقتصادي كالسماح للقطاع الخاص بشراء وتصدير الذهب أو الحديث عن الغاء المهرجانات لتقليل النفقات”.
ويذكر أن المهدي سارع فور عودته بمطالبة المشاركين بالاحتجاجات التي اندلعت الأربعاء في مدن عطبرة وبورتسودان والدمازين وغيرها، بممارسة ضبط النفس، وعدم اللجوء للتخريب، والاحتجاج السلمي، كما دعا الآلاف من أنصاره الذين تجمعوا لاستقباله في أم درمان، مساء الأربعاء، إلى تكوين حكومة انتقالية، ورئاسة توافقية، بهدف الوصول لمخرج آمن للوطن.
ولقي ثمانية أشخاص حتفهم، وأصيب العشرات في الاحتجاجات التي اندلعت خلال اليومين الماضيين بالسودان ضد ارتفاع أسعار الخبز والوقود، حسبما نقلت صحيفة “سودان تربيون” عن مسؤولين حكوميين. وقالت الصحيفة إن وسائل التواصل الاجتماعي توقفت عن العمل في السودان بشكل مفاجئ مساء الخميس. (د ب أ)