في مثل هذا اليوم (2 تشرين الثاني) من العام 1917، كانت بداية تنفيذ المخطّط الاستعماري، بسلب أرض فلسطين من شعبها وطردهم منها، تنفيذاً لـ”وعد بلفور” المشؤوم، الذي يمكن إيجازه، بسلب مَنْ لا يملك (بريطانيا) لأرض شعب فلسطين، ومنحها إلى مَنْ لا يستحق (اليهود)، في منطقة تلاقٍ بين الشرق والغرب، والبوابة المتصلة بالسماء، والبقعة الوحيدة في العالم الذي شهدت مآثر الرسالات السماوية ومعجزات الأنبياء.
هذه المؤامرة البريطانية – الأميركية – الصهيونية بحاجة إلى تصحيح الخلل التاريخي، الذي لحق بالشعب الفلسطيني، من خلال اعتراف هذه الدول بالدولة الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وتتسنّى لنا في هذا العام، متابعة التحضيرات للغضب الفلسطيني، ضد الوعد المشؤوم، من أرض فلسطين، حيث يتمسّك أبناء أرض المرسلين، بحقهم في إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين إليها، وهم يدركون أنّ المرحلة التي نمر بها دقيقة وحسّاسة وخطيرة، تتطلّب مواصلة الصبر والصمود، والتضحيات بأشكالها المتنوّعة، التي لم تتوقّف في يوم من الأيام، تحقيقاً لاستعادة حقهم السليب.
ويُعيد التاريخ نفسه لما سبق من نكبة فلسطين في أيار 1948، بتنفيذ العصابات الصهيونية المجازر بحق الفلسطينيين، وطردهم من الأراضي، التي احتلت في العام 1948، إلا مَنْ صَمَدَ على الرغم من التضحيات الجسام، للإطباق مجدّداً واحتلال كل فلسطين في حزيران 1967، بما في ذلك العاصمة القدس، وتهجير الفلسطينيين أيضاً من داخل فلسطين التاريخية إلى خارجها، وهو ما يسعى الإحتلال إلى تنفيذه في هذه المرحلة، من خلال العمل على “ترانسفير” للفلسطينيين، في الأراضي المحتلة منذ العام 1948، والقدس والضفة الغربية، على اعتبار أنّها (يهودا والسامرة)، إضافة إلى المزيد من التوغّل الاستيطاني، واستجلاب اليهود من العالم،
وممارسة الاعتداءات وسلب الأراضي والممتلكات وتجريفها، واعتقال الآلاف من الفلسطيينين وسن القوانين والتشريعات العنصرية، ولعل أبرزها “قانون القومية العنصري”، الذي يسعى إلى تكريس يهودية الدولة، ويحقّق ما نصَّ عليه “المؤتمر الصهيوني” في بازل (27 آب 1897)، و”وعد بلفور”، الذي بوشر بتنفيذه في نكبة العام 1948، بتهجير مَنْ تبقّى من الفلسطينيين، والعمل على تكريس القدس الموحّدة عاصمة للكيان الإسرائيلي، وهو ما يتجلّى بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الغاصب، ونقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية من تل أبيب إليها، والعمل على إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، في محاولة لشطب وكالة “الأونروا” الشاهدة على أطول نكبة في العالم، وهما ركيزتان رئيسيتان في “صفقة القرن”، التي عملت الإدارة الأميركية والإحتلال الإسرائيلي على تنفيذ بنودها قبل إعلان الرئيس الأميركي عنها.
في المقابل، فإنّ النضال الفلسطيني، الذي كان تصدياً في العام 1948، ثم نضالاً متعدّد الأوجه من الجماهيري إلى الثورة إلى المسلّح، وصولاً إلى السياسي، واعتراف القمة العربية التي عقدت في الجزائر، (26 / 28 تشرين الثاني 1973)، وللمرّة الأولى بـ”منظّمة التحرير الفلسطينية” ممثّلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني، ثم انتزاع الرئيس ياسر عرفات مقعداً للمنظّمة في الأمم المتحدة، بصفة مراقب في (13 تشرين الثاني 1974)، وإعلان استقلال فلسطين في الجزائر (15 تشرين الثاني 1988)، ونقل أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في (13 كانون الأول 1988) من نيويورك إلى جنيف، بعد رفض الإدارة الأميركية منحه تأشيرة دخول لإلقاء كلمته.
وبما حقّقه الرئيس محمود عباس من انتزاع اعتراف العالم بعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، بصفة مراقب (29 تشرين الثاني 2012)، وما سبقها من اعتراف دولي بعضويتها في اليونيسكو – ثاني أكبر منظّمة دولية (31 تشرين الأول 2011)، ثم دخولها إلى العديد من المنظّمات والهيئات الدولية، ما أحرج الإدارة الأميركية، وجعلها تنسحب من الكثير منها.
فضلاً عن تحقيق الكثير من الإنجازات الفلسطينية على صُعُدٍ متعدّدة والتمسّك بحق الفلسطينيين بإقامة الدولة المستقلة، وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، وهي قرارات لا يمكن أنْ يتخلّى عنها أو يفرّط بها أي فلسطيني.
ولعل مواقف الرئيس “أبو مازن” كانت واضحة برفضه لقاء الرئيس الأميركي ترامب، بعد اعتراف إدارته بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده إليها، بل قطع العلاقات الفلسطينية مع الإدارة الأميركية، وهو ما كرّس في اجتماعات “المجلس المركزي” الفلسطيني في دورته الـ30، التي عُقِدَتْ قبل أيام في رام الله، والتي اتخذت فيها أيضاً قرارات بالغة الأهمية، بوقف التنسيق الأمني والسياسي والاقتصادي مع الإحتلال الإسرائيلي، وتعليق الاعتراف به إلى حين الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
هذه المواقف التي لم يتجرّأ عليها أي رئيس في العالم، برفض لقاء الرئيس الأميركي، اتخذها رئيس آخر دولة ما زالت ترزح تحت الإحتلال، مع إدراك واضح بأنّ الفلسطينيين لن يكرّروا ما جرى في العامين 1948 و1967، وسيبقون صامدين في أرضهم، لإفشال مخطّطات الإحتلال والإدارة الأميركية والتآمر على القضية التي مرَّت 71 عاماً على نكبتها.
وفي إطار الممارسات التعسّفية الإسرائيلية، اعتقلت قوّات الإحتلال أمس، محافظ القدس وثلاثة شبان خلال جلسة حوارية عُقِدَتْ في نادي سلوان، بمدينة القدس.
وأقدمت مخابرات الإحتلال بـ”الزي المدني”، على اقتحام مقر نادي سلوان في حي رأس العامود، بشكل مفاجئ، وهاجمت محافظ القدس عدنان غيث، ومرافقه مهند سلهب، والشاب عبد بربر، ومدير “مؤسّسة رؤيا” رامي ناصر الدين، واعتدت عليهم وعلى الشبان المتواجدين بالضرب المبرح، كما هدّدتهم باستخدام المسدّسات الكهربائية، فساد جو من التوتر في قاعة النادي، ومحيطه خلال اقتحامه وتنفيذ الاعتقال.
كما منعت قوّات الإحتلال سيارتي إسعاف الهلال الأحمر من الوصول إلى نادي سلوان في المدينة لتقديم العلاج للمصابين.
ومساء، اضطرت قوّات الإحتلال تحت الضغط، إلى الإفراج عن محافظ القدس غيث والشبان الذين اعتقلتهم معه.
إلى ذلك، أعلن جيش الإحتلال عن إصراره على تطبيق المنطقة العازلة قرب السياج الحدودي مع قطاع غزّة.
ونشر الناطق بإسم جيش الإحتلال عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحذيرات للمتظاهرين بعدم الاقتراب من السياج.
وقال: “إنّ اقتراب المواطنين الفلسطينيين من السياج الحدودي مع قطاع غزّة يعرّضهم للخطر، وفقاً لما تم الاتفاق عليه بعد عملية الجرف الصامد في العام 2014 والبالغ مداها 300 متر من السياج الأمني”.
وعلى الأثر، وتحضيراً لجمعة غضب جديدة (اليوم)، توافقت الفصائل الفلسطينية على السعي إلى “تقليل الخسائر البشرية في صفوف المتظاهرين السلميين، على الحدود الشرقية لقطاع غزّة”.
ومن أجل ذلك، تم التوصل إلى قرار تقليل عدد البالونات والإطارات المطاطية المشتعلة، وحتى قص السلك الفاصل، والحفاظ على المسيرات بطابعها السلمي، وذلك بعدما جرى تقييم ميداني لما ستشهده الأوضاع الميدانية في مسيرات العودة.