«يا محمد بن سلمان، يا خنزير، أنت تقتل الأطفال الأبرياء في اليمن. خنزير مثلك يعتقد أنه يستطيع العيش بين عرب أحرار. الشعب العربي سينتقم من كل فترة حكمك. يا محمد بن سلمان، أيها الخنزير، استضفت صحافياً من أجل قتله وتسمي نفسك بطلاً؟ لا، أنت خنزير، ليس فيك أي دلالة على البطولة. لا نريد ممثلك هنا، نائب السفير. يجب عليه الرحيل لأننا لا نريد ممثلاً للشيطان في بيروت».
هذا المقال غير الموقع الذي نشر نهاية الشهر الماضي في الصحيفة اللبنانية «الديار»، المقربة من حزب الله حظي بوابل من الانتقادات تقريباً من كل الفصائل السياسية في لبنان، وحظي بطلب من وزير العدل سليم جريساتي بتقديم دعوى قانونية ضد الصحيفة حسب القانون الجنائي الذي يمنع المس بدول أخرى. رد رئيس الحكومة سعد الحريري كان أيضاً وفق الصورة العلنية المطلوبة منه: «المقال لا يمثل الأخلاق اللبنانية ولا الصحافة اللبنانية. هذه محاولة فاشلة لتخريب العلاقة بين لبنان والسعودية وخرق فاضح للقوانين التي تحمي حرية الصحافة». هذه الصيغة لافتة للنظر، حيث ألغى فيها صفة الممتازة من مفهوم «العلاقات» وامتنع عن إغداق المديح لعمل نائب السفير السعودي أو الدفاع عن ولي العهد السعودي.
ربما يعرف الحريري أن وضعه قبل سنة بالضبط كان يشبه وضع الصحافي السعودي جمال الخاشقجي، ولم يحم فوق رأسه منشار، ولكن خلال بضعة أيام في الإقامة الجبرية في فيلا في الرياض محاذية لفندق «ريتس كارلتون» الذي كان يعتقل فيه بضع عشرات من أصحاب المليارات والملايين السعوديين بتعليمات من ابن سلمان. أجبر الحريري في حينه على إصدار بيان استقالة من رئاسة الحكومة. لقد أهين عندما فرض عليه الانضمام للجولة التي قام بها محمد بن سلمان في عدد من دول الخليج للإثبات بأنه غير معتقل. خلافاً لتعهد ابن سلمان للرئيس المصري السيسي الذي ـ حسبه الحريري ـ يمكنه العودة إلى بيروت بعد الزيارة المفروضة عليه لمصر، فقد أجبر الحريري على الهبوط قبل ذلك في قبرص قبل الوصول إلى بيروت. ولم تنجح تلك المحاولة غير اللطيفة لابن سلمان لتنفيذ انقلاب في لبنان وتعيين الشقيق البكر لسعد الحريري، بهاء الدين، رئيساً للحكومة، لأن عائلة الحريري أوضحت بأنها تقف موقفاً موحداً من وراء سعد رغم العلاقات الوطيدة التي كانت للعائلة مع العائلة المالكة في السعودية.
إن سلوك ابن سلمان في هذه القضية كان يجب أن يوضح لأمريكا (التي كان لها دور في إطلاق الحريري من الإقامة الجبرية) بأن ولي العهد السعودي هو عبوة ناسفة تمشي. ولكن إدارة ترامب، أسيرة الاستحواذ المناهض لإيران، اعتبرت الخطوة السعودية في حينه قناة مناسبة للمس من خلالها بالنفوذ الإيراني في لبنان، عن طريق إبعاد رئيس حكومة نجح في الحفاظ على نوع من الاستقرار السياسي بفضل الحوار الذي يجريه مع حزب الله. فشل محاولة الانقلاب السعودية لم يسئ فقط إلى وضع الحريري في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أيار الماضي، التي فقد فيها حوالي ثلث مقاعد البرلمان لصالح خصومه، بما في ذلك حزب الله؛ فمنذ الانتخابات والموافقة على أن تلقى عليه مهمة تشكيل الحكومة، يحاول الحريري بدون نجاح تشكيل الحكومة. ويبدو أن حزب الله لن يكون شريكاً مهماً فيها فحسب، بل من شأنه أيضاً أن يمسك القوة بيديه لصد كل قرار لا يروقه.
انتحار سياسي
حسب الدستور اللبناني، فإن كل قرار أساسي مثل المصادقة على الميزانية أو شن حرب، يحتاج إلى تأييد ثلثي أعضاء الحكومة التي تضم 30 وزيراً. وبناء على ذلك، يكفي لحكومة واحدة أو تحالف من عدة حركات تملك الثلث زائد واحد من مجمل أعضاء الحكومة من أجل إحباط كل قرار. لذلك، يتطلع حزب الله الذي إضافة إلى الثلاثة وزراء من قبله، يسعى إلى تعيين وزير آخر من أوساط المنتخبين السنة المستقلين الذين يؤيدونه، وبهذا يوسع قوته إلى أربعة وزراء. إضافة إلى الوزراء الذين بإمكان الرئيس ميشيل عون تعيينهم، يستطيع حزب الله أن يضمن الثلث زائد واحد المطلوبة له. أوضح الحريري للرئيس عون بأن «تعيين وزير سني آخر من قبل حزب الله معناه انتحار سياسي له، وأنه لن يوافق على ذلك بأي شكل من الأشكال»، كما أن هذا التعيين سيأتي على حساب الوزراء المخصصين لقائمة المستقبل التابعة للحريري. في هذه الأثناء يؤيد الرئيس موقف الحريري، ولكن عون سبق وأثبت في السابق قدرته على المراوغة التي تم التعبير عنها في تغيير الولاءات. في نهاية المطاف، فإن الجنرال الذي حارب الاحتلال السوري وذهب إلى المنفى في باريس لمدة 15 سنة عاد إلى بيروت وتحول إلى حليف لسوريا وإلى الشريك السياسي المسيحي لحزب الله. الصعوبة الأخرى هي أن حزب الله يطالب بأن يحصل على وزارة حكومية للخدمات العامة، وبالتحديد وزارة الصحة ذات الميزانية الكبيرة، الأمر الذي يمكن أن يضع لبنان في مسار التصادم مع مؤسسات دولية، التي سترفض التعاون مع وزارة يقف على رأسها ممثل لحزب الله، على ضوء العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على حزب الله وإيران.
إلا أن حزب الله لا ينوي في هذه الأثناء التنازل. إن تعزيز قوته السياسية في لبنان مهم الآن أكثر من أجل الحفاظ على قوة إيران في لبنان، وضمان استمرار تعاون لبنان مع سوريا ووقف التأثير الأمريكي على لبنان. الموقف الرسمي للقيادة اللبنانية هو أن الدولة لن تتأثر من العقوبات المفروضة على إيران، حيث أن حجم التجارة بين الدولتين ضئيل. والجهاز البنكي للبنان أيضاً يخضع لتعليمات العقوبات، سواء التي فرضت على إيران أو التي فرضت على حزب الله. حزب الله من ناحيته أوضح بأنه لا يستخدم مطلقاً الجهاز البنكي اللبناني. وحسب تقارير غربية، فهو يعمل بواسطة شركات وهمية ورجال أعمال ينقلون الأموال لمصلحته. ونشرت الإدارة الأمريكية هذا الأسبوع بأن إيران تمنح حزب الله حوالي 700 مليون دولار في السنة، وهي أموال نقدية وسلاح ووسائل قتالية. ولكن حسب التقديرات في لبنان، فإن المبلغ الحقيقي أقل من نصف هذا المبلغ.
حزب الله الذي يدفع رواتب 70 ألف عامل، من بينهم مقاتلون ورجال صيانة وموظفون وعاملون في مؤسسات الشؤون الاجتماعية، هو قوة اقتصادية هامة في الدولة. والتمويل الذي يحصل عليه من إيران يزيت دواليب اقتصاد لبنان. هكذا، إذا اضطرت إيران إلى تقليص مبلغ المساعدة فسيكون لذلك تأثير على قوة الاقتصاد اللبناني، وليس فقط على قدرة حزب الله على تمويل تسلحه العسكري. في الوقت نفسه، يفحص الكونغرس الأمريكي إمكانية تجميد أو إلغاء المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، التي بلغت في السنة الماضية 120 مليون دولار.
مطالب أمريكية
مطلب أعضاء الكونغرس هو أن يقوم الرئيس الأمريكي بتزويدهم بتقارير ليس فقط عن التعاون العسكري مع الجيش اللبناني، بل أيضاً بشأن تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701 من العام 2006، الذي تم اتخاذه كجزء من إنهاء حرب لبنان الثانية.
وحسب هذا القرار، فعلى الجيش اللبناني الانتشار في جنوب لبنان ومنع حزب الله من السيطرة والتمركز في جنوب الليطاني ومساعدة قوات الأمم المتحدة على تطبيق بنود القرار، التي تتضمن نزع سلاح حزب الله. صحيح أن الجيش اللبناني حارب للمرة الأولى مع القوات الخاصة الأمريكية ضد قواعد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الحدود بين سوريا ولبنان، ولكنه أيضاً تعاون مع حزب الله للهدف نفسه، ونزع سلاح حزب الله لا يخطر ببال أحد في لبنان.
إسرائيل التي تحتج منذ أكثر من عقد من أن حزب الله لا يطبق القرار 1701 فحسب، بل يواصل أيضاً تسلحه بعشرات آلاف الصواريخ منذ تلك الحرب، وتهدد بشكل علني بأنه إذا واصلت حكومة لبنان بالسماح لحزب الله باقامة مصانع لتحسين دقة صواريخه فإنها بنفسها ستصبح هدفاً. أي أن لبنان سيحل محل سوريا كهدف للهجوم.
تهديد تل أبيب لبيروت من شأنه أن يعزز تواجد طهران في المنطقة
ربما وفي أعقاب القطيعة الجزئية التي وقعت بين إسرائيل وروسيا بعد إسقاط الطائرة الروسية والخشية من العمل بصورة كثيفة أكثر في الأراضي السورية بسبب ذلك، فإن إسرائيل تفضل التركيز على لبنان. بالطبع هذا قرار إشكالي، حيث إنه طوال مهاجمة إسرائيل في سوريا فهي لم تتعرض للنيران السورية. يمكن للهجمات في لبنان أن تفتح مجدداً الجبهة الشمالية، وإلى جانب الأضرار بالممتلكات والأرواح فإن هذه الهجمات يمكن أن تعزز قوة حزب الله، وبصورة تلقائية قوة إيران.
في حين أن سيناريوهات تأثير العقوبات على الاقتصاد اللبناني وعلى مكانة حزب الله فيه، ما زالت بانتظار قرار الحكومة الإيرانية، ويواصل حزب الله استثمار الجهود في توسيع وجوده في جنوب سوريا. وحسب تقارير من لبنان ومن مصادر استخبارية غربية، يحاول حزب الله تجنيد مقاتلي مليشيات اعتمدت حتى الآن على الدعم الأمريكي والإسرائيلي.
«وول ستريت جورنال» كتبت في بداية الشهر أن إيران تعرض على كل مقاتل جديد 200 دولار شهرياً، وأن عدد المقاتلين يتوقع أن يصل إلى 2000 مقاتل. وليس معروفاً ما هو عدد المقاتلين الجدد الذين نجح حزب الله في نقلهم إلى صفوفه. ولكن خطوة كهذه تستهدف استبدال وجود مقاتلي مليشيات مؤيدة لإيران الذين جاؤوا من إيران وأفغانستان، ومنهم عدد أرسل إلى مناطق في شرق سوريا.
الأهداف المعلنة لفرض العقوبات على إيران هو صد تدخلها في دول المنطقة مثلما في اليمن وسوريا والعراق، ولكن الاستراتيجية الإيرانية التي تستند إلى قوات محلية مثل المتمردين الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان وسوريا، ستواصل مساعدة طهران في تثبيت وجودها في هذه المناطق دون أن تتأثر من العقوبات.
تسفي برئيل
هآرتس 9/11/2018