أربعة عشر عامًا مضت مذ رحل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وغرفته ما تزال على حالها، بل باتت جزءا من متحف يروي حكاية وطن وتاريخ مناضل.
ولا تتعدى غرفة الزعيم الفلسطيني الشهير بـ”أبو عمار”، بضعة أمتار، يحتفظ فيها بأربع بزات عسكرية معلقة في خزانة صغيرة، وعددا من الحطات (الكوفية)، وفيها سرير بسيط، إلى جانب صورة يحمل فيها ابنته “زهوة”.
وتحولت الغرفة التي تشبه إلى حد كبير القبو، إلى جزء من متحف افتتح عام 2016، حمل اسم الزعيم الفلسطيني.
وبجوار غرفة عرفات، منامات حراسه، التي بقيت هي الأخرى على حالها، وبجوارها عدد من قطع سلاح “كلاشنكوف”، ويجاورها غرفة علاج الزعيم في أخر أيامه.
** حكاية فلسطين
ويقول القائمون على المتحف إن الأخير يروي الحكاية الفلسطينية منذ مطلع القرن العشرين، وبالفعل، ففي جولة لا تتعدى النصف ساعة يقرأ الزائر قصة النضال الفلسطيني على امتداد السنين.
ولا زال لـ”عرفات” شعبية كبير في أوساط الشعب الفلسطيني، وفي العالم، ويعتبر رمزا للنضال، واشتهر بكوفيته (غطاء على الرأس)، وببزته العسكرية.
سلوى غزاوي، موظفة في المتحف تستقبل الزوار وتقدم لهم شروحا حول تاريخ عرفات، ومحطات هامة في التاريخ الفلسطيني، قالت: “هنا، أمضى عرفات آخر أيامه، وأدار شؤون السلطة، وتواصل مع العالم رغم حصاره، واستقبل الوفود”.
واعتبرت في حديث للأناضول، أن “لا شيء تغيّر بالغرفة، حيث بقي كل شيء على حاله، باستثناء فتح ممرات على مبنى المتحف الجديد”.
ومشيرة بسبابتها إلى نوافذ مكتب الرئيس الراحل، المغلقة ببراميل وأكياس رمل، تابعت: “أغلقت النوافذ في محاولة لتوفير الحماية من قوات الجيش الإسرائيلي التي حاصرت الرئيس على مدار ثلاث سنوات”.
وأردفت: “هنا (المتحف) يجسّد الحكاية الفلسطينية منذ مطلع القرن العشرين حتى العام 2004، تاريخ وفاة عرفات.
وبالنسبة لها، فإن “الجيل الفلسطيني المعاصر يتعرف على تاريخ فلسطين من خلال جولة مدتها نصف ساعة في المتحف، ومن خلال حياة عرفات”.
وفي الواقع، فإن متحف عرفات يشكل فرصة للاطلاع على إرث وتاريخ عرفات، ومعرفة الأحداث المتعاقبة على القضية الفلسطينية في نحو 100 عام.
أشياؤه الصغيرة والبسيطة، وبعض ملفاته ومسدسه، وحتى كتبه ونظارته السوداء، جميعها تشي بعمق التفاصيل والتاريخ.
وفي 2016، افتتحت “مؤسسة ياسر عرفات” (مستقلة)، المتحف الواقع قرب من ضريح عرفات في مقر الرئاسة الفلسطينية (المقاطعة) في رام الله.
ويرى محمد حلايقة، مدير المتحف، أن المتحف “يروي الحكاية الفلسطينية خلال الـ100 عام الماضية”، مستطردا: “هو متحف الذاكرة الفلسطينية”.
وتابع للأناضول: “يبدأ المتحف بعرض حياة الفلسطينيين مطلع القرن العشرين، حين كانت فلسطين جزءا من الدولة العثمانية، كما يستعرض أهم الأحداث والمؤتمرات، والشخصيات، وصولا إلى حصار عرفات واستشهاده”.
** ذاكرة جماعية
وفي العامين الماضيين، زار المتحف آلاف الأشخاص من نحو 70 جنسية، بالإضافة للفلسطينيين، وفلسطينيي 48 (إسرائيل)، بحسب الحلايقة.
ولفت إلى أن المتحف يضم الجزء الأكبر من مقتنيات وأرشيف الرئيس الراحل، ويسعى القائمون عليه لجمع تراث عرفات والحفاظ عليه.
ووفق المصدر نفسه، تعرض جزء من أرشيف “عرفات” للضياع، بسبب تنقلاته بين عدة دول.
وأشار إلى أن “المتحف يقدم الصورة والفيديو والوثيقة والمقتنيات التي تساهم في شرح القضية الفلسطينية، والإبقاء على الذاكرة الجماعية”.
والمتحف فضاء ثقافي لإقامة المعارض والأنشطة الثقافية.
ويتكون المتحف من مبنيين أحدهما حديث، يتكون من أربعة مسارات صاعدة، تحوي صورا وفيديوهات لأبرز محطات نضال “عرفات”، وما يسبقها من أحداث ذات صلة بالقضية الفلسطينية، مثل وعد بلفور، والانتداب البريطاني لفلسطين، وأبرز الثورات الفلسطينية، مرورا بالنكبة عام 1948، والنكسة عام 1967.
ويحوي المتحف على صور للمقاومة الفلسطينية، والتحول السياسي في حياة عرفات، والذي توج بتوقيع اتفاق “أوسلو” مع إسرائيل في العام 1993.
ويستطيع الزائر أن يتعرف على أهم الشخصيات الفلسطينية والعربية التي تركت أثرا في القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى صور توثق حياة عرفات.
ويقف غالبية الزوار مطولا عند مسدس عرفات القديم (من طراز سميث).
واستغرق العمل في بناء وتجهيز المتحف، ستة أعوام، بتكلفة وصلت نحو 7 ملايون دولار، وأقيم على مساحة ألف و300 متر، في حين بلغت مساحة المبنى 2600 متر.
ويصل المتحف بجسر إلى مقر القيادة الفلسطينية (المقاطعة) حيث مكتب “عرفات”، الذي تم حصاره فيه قبل مرضه ووفاته.
ويضم المتحف، الواقع خلف ضريح “عرفات” ومسجده، مكتبة وغرفة مصادر، وصالة عرض، وقاعة متعددة الأغراض.
** وفاة مثيرة للجدل
توفي عرفات في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004، عن عمر ناهز 75 عامًا، في مستشفى عسكري في ضواحي باريس، إثر تدهور سريع في صحته لم تتضح خلفياته، عقب حصاره من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي في مقر المقاطعة برام الله، لعدة أشهر.
ويتهم الفلسطينيون إسرائيل باغتيال عرفات، ويقولون إنه لم يمت بسبب تقدم العمر، أو المرض، ولم تكن وفاته طبيعية.
وأعلن رئيس لجنة التحقيق بوفاة عرفات، توفيق الطيراوي، في أكثر من مناسبة، أن “بينات وقرائن تشير إلى أن إسرائيل تقف خلف اغتيال عرفات”.
ورغم مرور 14 عامًا على الوفاة، لم تتوصل السلطة الفلسطينية حتى الآن إلى أداة تنفيذ عملية الاغتيال.
وفي 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، أخذ خبراء روس وفرنسيون وسويسريون عينات من جثمان عرفات، بعد فتح ضريحه في رام الله، لفحص سبب الوفاة.
واستبعد الخبراء فرضية الاغتيال، وقالوا إن وجود غاز “الرادون” المشع في البيئة الخارجية قد يفسر ارتفاع المواد المشعّة في العينات.
لكن معهد “لوزان السويسري” للتحاليل الإشعاعية، كشف في تحقيق بثته قناة “الجزيرة” الفضائية القطرية، وجود “بولونيوم” مشع في رفات عرفات، وسط تقديرات بأنه مات مسمومًا بهذه المادة.