اتفق مسؤولون حكوميون وقياديون في المعارضة السودانية على رفض فتح أي قنوات اتصال وتحاور بين إسرائيل والخرطوم، المعروفة باسم “عاصمة اللاءات الثلاثة”.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، الأحد الماضي، عن مصادر سياسية إسرائيلية (لم تكشف عن هويتها) أن “طواقم إسرائيلية تعمل على بناء علاقات مع السودان“.
هذا التصريح جاء بالتزامن مع زيارة الرئيس التشادي، إدريس ديبي، لتل أبيب، الأحد الماضي، والتي التقى خلالها برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وصرح خلالها ديبي أنه مستعد للوساطة بين السودان وإسرائيل من أجل فتح قنوات تواصل بينهما.
يوجد بين السودانيين التزام شعبي تجاه فلسطين، إذ يعتبرون أن القضية الفلسطينية قضيةً مركزية لا يمكن النقاش حولها.
وأطلق ذلك التصريح موجة من الرفض الرسمي والشعبي في السودان، المعروف بموقفه المعلن الرافض للتطبيع مع دولة الاحتلال.
التزام حكومي
الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، أكبر الأحزاب المشاركة في الحكومة، الأمين عبد الرازق، قال إن “أشخاصاً قدموا، خلال مؤتمر الحوار الوطني، مقترحا لفتح قنوات اتصال مع الحكومة الإسرائيلية، وذلك لمناقشته وإقراره بخصوص علاقات البلاد الخارجية”.
وتابع عبد الرازق: “بالفعل نوقش ذلك المقترح، وتم إسقاطه بنسبة فاقت 95 في المئة من جميع القوى السياسية، وخرجت توصية برفض جميع أشكال التطبيع”.
والحوار الوطني هو مبادرة دعا إليها الرئيس السوادني، عمر البشير، عام 2014، وأنهت فعالياتها في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وقاطعتها فصائل معارضة بشقيها المدني والمسلح.
واعتُبرت توصيات ذلك الحوار العماد الأساسي لنظام الحكم وسياساته في الخرطوم، وتشكلت على إثره حكومة الوفاق الوطني الحالية، في مايو/ أيار 2017.
وأضاف عبد الرازق أن “الحكومة لم تناقش ذلك الموضوع أو يتم تجديد طرحه من جانب أي طرف”.
وأوضح أن هذا الموضوع “يُفقد الحكومة الحالية شرعيتها؛ فإحدى أهم التوصيات المتعلقة بعلاقات البلاد الخارجية تقضي بانفتاح السودان على جميع دول العالم عدا إسرائيل”.
وشدد على أن الحكومة” ملتزمة بهذه التوصية، ونوابنا (ممثلو حزب المؤتمر الشعبي في البرلمان) لم يخطرونا بأي تحركات علنية أو خفية في هذا الجانب”.
جس نبض
فيما رجح القيادي بالحزب الناصري (عضو بتحالف قوى الإجماع المعارض)، ساطع الحاج، إلى أن “ما نُقل عبر وسائل الإعلام العبرية قد يكون لجس نبض الجماهير السودانية ومدى تقبلها لعلاقة مستقبلية بين تل أبيب والخرطوم”.
وأردف الحاج: “نحن كجزء من الشعب السوداني لن نسمح مطلقا بتمرير أي سياسات تصب في مصلحة ذلك الجانب، ونعتبره خطا أحمرا”.
ونوه إلى أن جميع القوى السياسية المعارضة “تعي ذلك وتعمل على الحماية منه، فلدى إسرائيل أطماع استعمارية وتبذل جهوداً لتفكيك دول المنطقة، لتحييدها عن قضيتها الأساسية (فلسطين)”.
ومضى قائلاً: “أي جهة تسعى إلى تطبيع العلاقات، فذلك يعني أنها بعيدة كل البعد عن أشواق المنطقة وجماهيرها وتطلعاتهم”.
وشدد على أن الحزب الناصري “سيفتح المجال لكل الخيارات لمقاومة أي محاولة لتمرير الخطط الساعية إلى ذلك”.
تشويش واستغلال
من جهته، رأى عضو البرلمان عن حركة “الإصلاح الآن” (إسلامية معارضة)، حسن عثمان رزق، أن “ما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية هدفه التشويش واستغلال الظروف التي تمر بها البلاد”.
وأوضح: “نحن كنواب في البرلمان سنعمل على التقصي عن تلك التصريحات والادعاءات وعن بداية اتصالات لتمهيد الطريق لعلاقات دبلوماسية، هذا غير مقبول”.
وتابع بقوله: “لا علم لنا بأن هناك اتصالات سرية بين الحكومة السودانية مع أي جهة أخرى حول ذات الأمر”.
واعتبر أن إسرائيل تهدف من هذه التصريحات إلى “أحداث تشويش داخلي، خاصة وأن البلاد تشهد فترة حرجة وحالة من الضعف الاقتصادي”.
وحذر رزق من “إمكانية ربط قرار الولايات المتحدة الأمريكية إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بفتح قنوات اتصال مع تل أبيب”.
وأضاف: “قد يكون هدفها هو الضغط فقط، وهذا في حد ذاته خط أحمر، ولن نفاوض فيه”.
وأعلنت واشنطن، منتصف نوفمبر/ تشرين ثاني الجاري، أنها بدأت المرحلة الثانية من الحوار مع السودان.
ورفعت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 6 أكتوبر/ تشرين أول 2017، عقوبات اقتصادية وحظراً تجارياً كان مفروضاً على السودان منذ 1997.
لكن واشنطن لم ترفع اسم السودان من قائمة ما تعتبرها “دولاً راعية للإرهاب،” المدرج فيها منذ عام 1993، لاستضافته الزعيم الراحل لتنظيم القاعدة، أسامة بن لادن.
وتابع رزق: “الحكومة لا تستطيع أن تفعل ذلك أو أن تصرح بمجرد رغبتها في التواصل مع إسرائيل؛ فستخسر الشعب السوداني الذي لا يمتلك أدنى رغبة في تلك العلاقة”.
وأردف: “الحكومة لن تخاطر، ذلك سيجلب لها الويل والثبور، عاصمة اللاءات الثلاثة ما زالت عند موقفها”.
وفي أعقاب هزيمة العرب أمام الكيان الصهيوني، في حرب يونيو/ حزيران 1967، استضافت الخرطوم مؤتمر القمة العربية، في 29 أغسطس/آب 1967.
وعُرفت هذه القمة باسم “اللاءات الثلاثة”، وهي: “لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل”، وباتت الخرطوم تُعرف باسم “عاصمة اللاءات الثلاثة”.
الحزب الحاكم ينفي
بدوره نفى القيادي بالحزب الحاكم (المؤتمر الوطني)، عبد السخي عباس، صحة ما رددته وسائل إعلام إسرائيلية عن أن نتنياهو يعتزم زيارة الخرطوم.
وقال عباس: “لا يمكن لنتنياهو زيارة السودان، ولا حديث حول هذه الزيارة في الأوساط الرسمية السودانية”.
وتابع أن موقف السودان “واضح حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ويرتبط ارتباطاً جذرياً بالقضية الفلسطينية”.
باستثناء مصر والأردن، اللتين ترتبطان بمعاهدتي سلام مع إسرائيل، لا تقيم بقية الدول العربية علاقات دبلوماسية مكتملة مع تل أبيب.
لكن نتنياهو زار، الشهر الماضي، سلطنة عُمان، وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن وزير الاقتصاد الإسرائيلي، إيلي كوهين، تلقى دعوة رسمية لزيارة البحرين، منتصف أبريل/ نيسان المقبل.
استراتيجية جديدة
ودعا الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، الأمين عبد الرازق، إلى وضع استراتيجية جديدة من جانب الحكومة وجميع الأحزاب لمواجهة المتغيرات الجديدة في المنطقة.
وتابع: “فعلياً إسرائيل تعمل بكل جهدها على التغلغل في القارة الإفريقية، ولديها استثمارات عديدة تعمل من خلالها كواجهات ممهدة لعلاقاتها الدبلوماسية”.
وترتبط إسرائيل بعلاقات دبلوماسية مع 39 دولة إفريقية من أصل 54، غير أنها تمتلك سفارات في 10 دول فقط، هي: السنغال، مصر، أنغولا، غانا، كوت ديفوار، إثيوبيا، جنوب إفريقيا، نيجيريا، كينيا والكاميرون.
ورأى عبد الرازق في ذلك التغلغل عدم اكتراث من الدول العربية التي أهملت علاقاتها مع إفريقيا.
وأردف: “ليس لدى العرب استثمارات واهتمامات في الدول الإفريقية المؤثرة، وهذا الفراغ بحكم الطبيعة يجب أن يقوم أحد بملئه، وإسرائيل تعمل على ذلك”.
وأضاف: “السودان محاط الآن بدول جوار بها سفارات إسرائيلية: مصر، جنوب السودان، إثيوبيا والآن تشاد في طريقها إلى ذلك، هذا يستدعي وضع استراتيجية جديدة”.
ويطالب الفلسطينيون برهن التطبيع مع إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية، عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ومفاوضات السلام بين فلسطين والكيان الصهيوني متوقفة، منذ أبريل/ نيسان 2014؛ جراء رفض إسرائيل وقف الاستيطان والقبول بحدود ما قبل حرب يونيو/ حزيران 1967 أساساً لحل الدولتين. (الأناضول)