تعليقًا على خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي ألقاه أمس وتطرق فيه الى قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، رأت صحيفة “واشنطن بوست” أن “أردوغان وعد بكشف الحقيقة لكنّه لم يقم بذلك، بل بدا حريصًا على الاستفادة من قتل خاشقجي لتحقيق مكاسب سياسية أكثر من تبيان ما حصل”.
وشددت الصحيفة على أن “ذلك يؤكد أكثر فأكثر ضرورة إجراء تحقيق دولي مستقلّ”، لافتة الى أن “أردوغان ناقض الرواية السعودية بأن خاشقجي قتل بالخطأ، وكلامه حول أن خاشقجي وقع ضحية “جريمة وحشية” خُطّط لها مسبقًا”، ولاحظت أن “أردوغان لم يتطرق الى ذكر التسجيل الصوتي للجريمة والتي قال المحققون الأتراك إنه بحوزتهم”.
“واشنطن بوست” أشارت الى أن “أردوغان لم يوجّه أصابع الاتهام الى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان”، غير أنها رجّحت أن يكون الأخير مهندس عملية قتل خاشقجي”.
وحثّت الصحيفة أردوغان على أن “يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش فتح تحقيق دولي حول مقتل خاشقجي، الأمر الذي سيسمح للأتراك بتسليم الأدلة التي بحوزتهم من تسجيلات صوتية أو مصورة، بشكل قد يتجنّب الحسابات السياسية”.
وقالت الصحيفة إن “هناك الكثير من الأسئلة التي لا تزال تحتاج الى إجابات، مثل مكان وجود جثة خاشقجي والمتعاون المحلي في تركيا الذي تحدث عنه السعوديون”، وتساءلت عن “سبب وجود شخص شبيه لخاشقجي شوهد وهو يخرج من القنصلية مرتديًا ملابسه اذا كان الهدف في الأساس استجواب الصحافي السعودي”.
السؤال الأهمّ، وفق الصحيفة، هو من الذي أمر بتنفيذ العملية، وهنا جدّدت التأكيد على أن “الكثير من الأدلة المتوفّرة تشير الى ابن سلمان، وخلصت الى أنه يقع على عاتق السعوديين الآن مسؤولية إثبات عدم وقوف ابن سلمان وراء عملية قتل خاشقجي،والى أن يتم اثبات ذلك يجب التعاطي مع وليّ العهد كشخص منبوذ”.
تحوّل في العلاقات الأميركية السعودية؟
بدورها، اعتبرت الباحثة إيمّا أشفورد في مقالة نشرها موقع “وور أون ذا روك” أن القادة السعوديين تفاجأوا بحجم ردود الفعل على مقتل خاشقجي، الذي يبدو أنه شكل نقطة تحول في العلاقات الاميركية السعودية، مشيرة الى ان العديد في واشنطن اصبحوا فجأة على استعداد للاعتراف بأن السعودية ما هي سوى دولة ديكتاتورية مجرمة في الشرق الأوسط، بعد أن تمّ التعاطي معها لفترة طويلة على أنها صديق وشريك”.
وقالت الكاتبة “البيت الأبيض ربما لا يزال يدعم السعودية، إلّا أن الصحف الاميركية توجه الانتقادات إليها ومراكز الدراسات الأميركية تقوم بإعادة المال السعودي، فيما يدرس الكونغرس بشكل جدي فرض العقوبات.. هذه اللحظة منتظرة منذ فترة وجريمة قتل خاشقجي تأتي بعد أعوام من الاستياء من التحالف مع السعودية”.
كما تحدثت أشفورد عن تباعد بين الولايات المتحدة والسعودية، وقالت إن التباين في المصالح والسياسة الخارجية السعودية المتهورة أثّر سلبًا على العلاقات الأميركية السعودية، مشيرة الى تنامي القمع داخل السعودية في الوقت نفسه.
واعتبرت الكاتبة أنه “لم يعد واضحًا ما اذا كانت العلاقات الوطيدة مع السعودية تخدم المصالح الاميركية، فمقتل خاشقجي قد تكون الفرصة لإبعاد الولايات المتحدة عن الحليف السعودي السامّ”، وتابعت “لا يهمّ ما اذا كان خاشقجي قُتل عن طريق الخطأ أو بشكل متعمّد، فعملية قتل “وحشية” بحق أحد سكان الولايات المتحدة في تركيا هي من اسوأ التطورات على صعيد العلاقات الاميركية السعودية”.
وأردفت “بينما لم يؤثر القمع السعودي الداخلي كثيرًا على العلاقات السعودية الأميركية قبل مقتل خاشقجي، إلّا أن القمع الداخلي هذا أصبح يحتل العناوين.. استعداد واشنطن لانتقاد جريمة قتل خاشقجي مرتبط بتغيير طبيعة العلاقات الأميركية السعودية.. الولايات المتحدة لم تعد تحتاج لعلاقات وطيدة مع السعودية من أجل تحقيق أهدافها على صعيد السياسة الخارجية وتلبية احتياجاتها في مجال الطاقة”.
وأشارت الكاتبة الى أن “4% فقط من الأميركيين يعتبرون السعودية حليفًا للولايات المتحدة”، وقالت “القوات التي تقودها السعودية” في اليمن قامت مرارًا بتجاهل قوانين الحرب وقصفت المدارس والمستشفايات ورفضت إدخال المعونات الى السكان العالقين.. في سوريا، قام السعوديون بتمويل وتسليح جماعات تحارب النظام هناك، والكثير من الأسلحة وقعت في أيدي المتطرفين”.
كذلك لفتت الى الباحثة إيمّا أشفورد دخول الدبابات السعودية الى البحرين من اجل قمع الثورة هناك، ورأت أن “سياسة السعودية الخارجية زعزعت الاستقرار اكثر مما ساهمت بترسيخه”.
على صعيد مبيعات السلاح، قالت الكاتبة إن “هذه الحجة هي أيضًا غير مقنعة لجهة وجود علاقات وطيدة بين أميركا والسعودية.. ترامب يُبالغ عندما يتحدث عن صفقات تسلح بقيمة 110 مليار دولار والوظائف الأميركية الناتجة عنها، خاصة أن الخبراء يتحدّثون عن أن صفقات التسلح مع السعودية تساوي حوالي 20 مليار دولار، وهي تخلق 4,000 وظيفة فقط و التي هي نسبة صغيرة جداً في قطاع شركات إنتاج السلاح بأميركا”.
وبرأي الباحثة، أصبح تبرير بيع الأسلحة “الهجومية” للسعودية أصعب بكثير في الوقت الذي تحتل فيه انتهاكات السعودية العناوين اليوم. ربمّا التغير الاكبر جاء من الكونغرس بعد ما كان يدعم السعودية بالمطلق، فالآن هناك عددٌ من المشرعين الآن الذين يطالبون بتقليص صفقات بيع السلاح الى السعودية ووقف الدعم الأميركي للحرب على اليمن والابتعاد عن الرياض.
وتتابع “على ضوء “التباين المتزايد” بين المصالح السعودية والأميركية، تعطي جريمة قتل خاشقجي فرصة للمشرعين الأميركيين، وتبني قانون بفرض العقوبات او قانون يمنع مشاركة القوات الأميركية في الحرب على اليمن، إنما سيوجه رسالة واضحة بأن السلوك السعودي هو غير مقبول. إن من شأن ذلك تهيئة الأرضية لإدارة أميركية مستقبلية كي تتبنى نهجًا أكثر توازنًا حيال الشرق الاوسط يرتكز على الاستقرار وليس على دعم أهداف دولة محددة”.
في الختام، خلصت الباحثة الى أن العلاقات الأميركية السعودية ما كانت سوى عبارة عن “زواج مصلحة”، وأن الأمور تبدّلت في ظلّ التغييرات في سوق النفط والأمن الإقليمي، مؤكدة أن قتل خاشقجي أوجد نافذة لإعادة تقييم التحالف الأميركي السعودي.