“نيويوركر”: هل ينجو محمد بن سلمان من جريمة قتل خاشقجي؟ إطاحة أو بقاء أو اغتيال

تساءلت الكاتبة في مجلة “نيويوركر” روبن رايت عن مصير ولي العهد السعودي بعد جريمة خاشقجي؟ وأشارت في مقدمة مقالتها إلى أن السعودية شهدت مرتين حادثين أطيح بهما بملك، وكان هو الملك سعود، أول خليفة لمؤسس المملكة الملك عبد العزيز بن سعود وأُجبر على الخروج من السلطة بطريقة سلمية عام 1964 إلا ان رحيله لم يتم إلا بعد ستة أعوام حيث هندس الأمير فيصل عملية الإطاحة به وتولى الحكم مكانه ليقتل بعد 11 عاما على يد واحد من ابناء إخوته. وأُعدم هذا بعد ثلاثة أشهر بالسيف وسط هتاف الحاضرين “ألله أكبر”. ولا تزال ذكرى الحادثين حاضرتين في الذاكرة السعودية في وقت تطرح فيه أسئلة حول الحاكم الفعلي الحالي ولي العهد محمد بن سلمان ودوره في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي.

فهناك عدد من القتلة الذين شاركوا في الجريمة في قنصلية السعودية في اسطنبول هم من حرسه الخاص، فـ (م ب س) كما يعرف في الغرب متورط مباشرة أو بطريقة غير مباشرة.

واشارت لتصريحات بوب كوركر، السناتور الجمهوري، رئيس لجنة الشؤون الخارجية لشبكة سي أن أن “نعم، لقد فعلها”، في وقت اتهم فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الثلاثاء مسؤولين “رفيعين” شاركوا في القتل. وطالب بمحاسبتهم لمواجهة العدالة.

وبعد النفي في البداية ثم اعتراف بمقتله بطريق الخطأ جاءت السعودية لتقول إنه قتل عمدا وعن سبق إصرار. وتقول الكاتبة إن ولي العهد واع للمخاطر التي تقف أمامه كما أنه يقوم بلعبة لإعادة تأهيله سياسيا في الداخل والخارج. مشيرة لتصريحاته الأولى في “دافوس الصحراء” والتي وصف فيها الجريمة بالشنيعة ووعد بالقصاص من القتلة.

وتعلق الكاتبة أن اعتراف الأمير محمد واعتقال 18 شخصا قبل فترة لن تكون كافية لإقناع المجتمع الدولي. ففي يوم الثلاثاء صوت البرلمان الأوروبي بـ 325 – 1 صوتا لصالح منع تصدير الأسلحة إلى السعودية، خاصة أسلحة الرقابة والأجهزة ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أن يستخدمها السعوديون لقمع المعارضين. وفي الكونغرس دعا النواب الجمهوريون والديمقراطيون إلى حظر محدد لتصدير السلاح خاصة المستخدم في الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن. وتقول الكاتبة إن هناك أربعة سيناريوهات محتملة لما ستؤول إليها الأمور بالنسبة لولي العهد. الأول ينبع من العائلة المالكة، ففي عام 1975 وبعد مقتل الملك فيصل، كان أمير منطقة الرياض الأمير سلمان (الملك الحالي) الوحيد من العائلة المالكة من حضر عملية إعدام قاتل الملك “وعرض رأس القاتل على وتد لفترة قبل أن يزال للدفن” حسبما ذكرت صحيفة “التايمز”.

واليوم سلمان هو الملك وابنه هو ولي عهده. وهناك سيناريو هو أن يخف الغضب الدولي ويظل م ب س في موقعه كولي للعهد بيده مستقبل البلاد. وهو ما طرحه الأمير تركي الفيصل، مدير المخابرات السعودية السابق في حديثه مع ديفيد إغناطيوس في صحيفة “واشنطن بوست” “يخطئ من يظن أن هناك تغيرات ستحدث على مسار الخلافة”، مضيفا: “كلما زاد النقد (الأجنبي) لولي العهد كلما زادت شعبيته”. وقبل مقتل خاشقجي كان ولي العهد يحظى بشعبية بين الشباب، خاصة أنه خفف بعض الصمامات الاجتماعية وسمح للمرأة بقيادة السيارة وفتح دور السينما والحفلات الموسيقية وحدّ من سلطة رجال الدين. في وقت تم فيه التعامل مع المعارضين والأقليات بقوة، ويظل الحكم على مواقف الرأي العام في السعودية أمرا صعبا ذلك أن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات العصية على السبر ولا يمكن إجراء استطلاعات رأي.

أما السيناريو الثاني فهو استبدال (م ب س) كولي للعهد. وهناك سوابق لهذا الأمر عندما قام الملك سلمان بعزل أخيه الأمير مقرن من ولاية العهد ووضع ابن أخيه الأمير محمد بن نايف بدلا منه. ثم عزل ابن أخيه عام 2017 وعين ابنه محمد بن سلمان في مكانه. ووضع (م ب س) ابن عمه محمد بن نايف تحت الإقامة الجبرية.

وقال بروس ريدل الباحث في معهد بروكينغز “هناك الكثير من الأمراء البارزين يهمسون في أذن الملك أن الوقت قد حان لتهميش (م ب س) ووضع أحد أبنائه الآخرين مكانه”. و”عليهم معرفة أن (م ب س) يمثل تهديدا على المملكة”. ويمكن إزاحة ولي العهد، مع أن هذه فكرة ليست محتملة. وعلى الملك أن يتخذ القرار والتحرك ضد ابنه المفضل.

وقال بوب كوركر إن الملك سلمان ليس قويا. فهو في بداية الثمانينيات ومريض كما يقال. وكان هذا أحد الأسباب التي جعلت محمد بن سلمان يتحرك بسرعة ويوطد مكانته في كل مراكز الدولة السياسية والاقتصادية والعسكرية. كما ولا توجد مظاهر عن تحالف داخل العائلة لمنعه من الوصول إلى العرش.

ويقول غريغوري غوس، البرفسيور في جامعة تكساس إي أند أم: “لم أر أي دليل-كما في الحوادث السابقة عن خلافات داخلية في العائلة. ورغم أن هناك الكثيرين ممن لا يحبونه فلا قدرة لهم معا لوقفه”. كما أن العائلة المالكة اليوم أكبر مما كانت عليه قبل عقدين. فقد خلف الملك عبد العزيز أكثر من أربعين ولدا وبنات كثر. وكان لابنه سعود 100 ولد، ويبلغ تعدادها اليوم بالآلاف. وبسبب حجم العائلة والانتقال المحتوم من جيل الإخوة إلى الجيل الثاني من الأبناء أعلن الملك عبدالله عام 2006 عن إنشاء مجلس البيعة المكون من 35 أميرا بارزا في العائلة وقام من خلاله الملك عبدالله بتعيين ولي عهده. وعندما طرح اسم (م ب س) لم تمتنع إلا قلة منهم عن التصويت له. ورغم التذمر بين الأمراء بشأن القمع الذي يمارسه ولي العهد إلا أن قلة منهم كانت مستعدة لمواجهته. وبنفس المقام يخشى السعوديون انتقاده خوفا من الانتقام.

وقال أكاديمي سعودي “الكثير من السعوديين الغير راضين عن (م ب س) سعيدون بالضغط الذي يتعرض له من الخارج” و”لا يريدون أن يكون ضحايا من خلال نقده علنيا ومواجهة القمع”. كما أن الفوضى التي تعيشها الدول العربية الأخرى مثل اليمن والعراق وسوريا وليبيا هو من ضمن اعتبارات السعوديين “قد يقوم البعض من الخارج بهدم النظام ولكنهم لا يريدون فوضى كما هو الحال في مناطق أخرى”.

في السيناريو الثالث يظل بن سلمان في السلطة لكن في وضع ضعيف، ربما بسبب تعيين أمراء آخرين لتولي مناصب يتولاها حاليا. ويقول غوس: “قد نشاهد قصقصة لأجنحته” ويقول الأكاديمي السعودي إن “تعيين شخصيات بارزة مثل خالد الفيصل كوزير للخارجية؟ للعمل ككوابح ملكية على السياسة الخارجية بحيث لا يستطيع التصرف بطريقة فردية، وتظل الأمور غير واضحة”. وقال إن على (م ب س) الخنوع والتنازل ولا يمكنه الحكم كما كان قبل شهر.

وقد لا يستطيع ولي العهد الصعود إلى العرش بسرعة كما تكهن البعض، فقد سرت شائعات من أنه قد يقوم بدفع والده للتنحي بناء على أمور صحية. وكان صعوده بهذه الطريقة ووالده حي عقبة امام أي معارضة له. ويقول غوس إن “موت خاشقجي يجعل من هذا السيناريو غير محتمل” و”ويحتاج (م ب س) لغطاء حتى وفاة والده”.

أما السيناريو الرابع فهو تعرضه لاغتيال كما حدث لعمه الملك فيصل، وهذا أقل السيناريوهات احتمالا. ومهما حدث لمحمد بن سلمان سيترك تداعياته على مملكة الصحراء ومستقبلها. وسيؤثر على منطقة الخليج خاصة الحرب المفتوحة في اليمن وحصار قطر. وسيكون مصيره مؤثرا على الشرق الأوسط إن أخذنا بالاعتبار دور السعودية في لبنان وسوريا ومصر وكذا دورها العالمي المرتبط بالنفط. ولم نر من أثر موت خاشقجي إلا البداية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *