كشف في الكيان الصهيوني أمس، أن رئيس حكومته بنيامين نتنياهو سيوقع أمرا من شأنه تمديد سرية المعلومات المخزنة في أرشيف الأجهزة الأمنية في إسرائيل من 70 إلى 90 سنة، ومنها ملف مذبحة دير ياسين. وتعلل المؤسسة الأمنية تمديد هذا التعتيم على الوثائق لاعتبارات أمنية، لكن يبدو أن الهدف هو محاولة منع الكشف عن صور وتفاصيل جديدة عن مجازر ارتكبتها الصهيونية خاصة في دير ياسين، حيث تم قتل 100 من الأهالي أغلبيتهم مدنيون بل نساء وأطفال وشيوخ، في الثامن/ التاسع من أبريل/ نيسان 1948.
وقد سعت المؤسسة الأمنية والهيئات الأخرى إلى تمديد فترة السرية من أجل منع نشر بعض المعلومات هذا العام. وتدعي أن التمديد يهدف إلى منع الكشف عن مصادر المعلومات الاستخبارية وأساليب العمل التي تستخدمها المنظمات اليوم، وأن الأرشيف يحتوي على معلومات وصلت من مصادر أجنبية، شريطة ألا يتم نشرها.
وكان نتنياهو قد مدد في عام 2010 فترة سرية الوثائق الأمنية من 50 إلى 70 سنة.
وقامت المستشارة القانونية لأرشيف الدولة، نعومي ألدوبي، أمس بنشر هذا الأمر الجديد على مختلف الوزارات الحكومية. وتنص الوثيقة على أن الأمر سينطبق على المواد التي يحتفظ بها جهازا الأمن العام «الشاباك» والمخابرات الخارجية «الموساد» وأرشيف لجنة الطاقة الذرية ومراكز الأبحاث النووية والمعهد البيولوجي، كما يمنع نشر المواد الخام من قبل قسم الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي والمعلومات المتعلقة بأنشطة جمع المعلومات المصنفة كمعلومات «سرية»، بالإضافة إلى مواد تتعلق بوحدات معينة في الجيش ووزارة الأمن. ومن المتوقع أن يعيق القرار عمل المؤرخين والباحثين والصحافيين، والحد من وصول الجمهور إلى المعلومات التاريخية القيمة ذات الأهمية العامة.
وكانت طالبة إسرائيلية تعد لشهادة الماجستير في معهد «بتسلئيل» في القدس المحتلة قد رفعت التماسا في 2007 لمحكمة العدل العليا لإجبار الجيش على فتح أرشيفه ونشر الصور والتقارير الخاصة بمجزرة دير ياسين.
ووقتها قالت شوشاني إن أرشيف الجيش رفض طلبها بمشاهدة ألبوم صور التقطتها عدسة مصور من الهغاناه وثق المجزرة في يوم وقوعها. ولفتت إلى أن الجيش يعلل رفضه بالزعم أن نشر الصور يمس بأمن الدولة وصورتها في العالم وأن لجنة وزارية خاصة أصدرت أمرا جديدا بحظر فتح الملف.
وفي الدراسة التي أعدتها لتكون أساسا لفيلم أنتجته لاحقا عن دير ياسين تورد شوشاني شهادة للمؤرخ العسكري الجنرال بالاحتياط مئير بعيل حول ما شاهده في دير ياسين في يوم المجزرة. وتقول إنه حاول ثنيها عن النبش في» قضية مروعة».
في شهادته يقول بعيل قبل رحيله، إن مرتكبي المجزرة من منظمتي الإيتسيل والليحي هم «وحوش آدمية تصرفوا كالنازيين». وأضاف «هذه كانت نتيجة تربيتهم الفاشية».
ولفت بعيل الذي كان قائدا للهغاناه في منطقة القدس وقتها إلى أنه زار المكان في ذاك اليوم للتثبت من مدى قدرة المنظمتين المذكورتين على القتال وهناك «شاهدت مناظر رهيبة». ويكتفي بذكر الاسم الأول فقط للمصور الذي رافقه في زيارة دير ياسين يوم المجزرة ووثقها. ونوه إلى أن الصور حولت لاستخبارات الهغاناه « شاي» ولاحقا لأرشيف الجيش. وأكد علاقة «الهغاناه « بوقوع المذبحة، معتبرا كل مزاعم إنكارها من قبل بعض المؤرخين ضربا من العمل السياسي المغطى بغلاف علمي.
ويقول نحوم أدموني الذي شارك في المجزرة ضمن شهادته في الدراسة أعلاه، إنه يذكر أكوام الجثث في شوارع القرية يتعالى منها الدخان بعد حرقها. ويضيف «كما أذكر أننا سرقنا جرار القمح والزيت وليرات ذهبية من داخل المنازل، مثلما أذكر أنني طلبت سيجارة من زميل لي ففتح صندوق الدخان وإذا به أذن بشرية، وما لبث أن قال انتقمت لوالدي.. فيما قام غيري بقطع آذان أخرى لسرقة الحلي والأقراط».
وروى بعيل في حديث صحافي لاحقا أن قائد الهغاناه في منطقة القدس سمح بدخول المنظمتين بعدما وعدتا بعدم المس بالمدنيين، منوها لقيامه بدخول القرية متخفيا.
وأضاف «حتى اليوم لا أستطيع أن أمحو من ذاكرتي مشاهد القتل الوحشية. ولا تزال محفورة في ذاكرتي صورة سيدة كانت مقتولة وسط بركة من الدماء وبجوارها طفلاها والرصاص أخترق جسديهما الملقيين على أرضية البيت، كما أذكر قيام عناصر المنظمتين بإلقاء الكثير من الجثث في الآبار المنتشرة في ساحات البيوت. وأنا كيهودي أخجل مما حصل وتراودني مشاعر ندم وتدمع عيناي في كل مرة أستذكر المذبحة».
ويزعم بعيل أن قرية دير ياسين بالذات عرفت بتعاونها مع جيرانها اليهود في المستعمرات المجاورة، ويقول «اعتقد أنه لولا المذبحة لبقيت دير ياسين واحدة من القرى العربية الراهنة في إسرائيل اليوم».
في كتابه «ولادة مشكلة اللاجئين» يشير المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس إلى أن الهغاناه بخلاف ما تدعيه باركت احتلال دير ياسين (العملية الموحدة) تمهيدا لتهجيرها والقرى المجاورة في منطقة القدس، وتمهيدا لاحتلالها. لافتا الى قول رئيس حكومة الاحتلال الأول ديفيد بن غوريون إن دير ياسين، إضافة لمقتل القائد الأعلى، وعبد القادر الحسيني، ساهمت في سقوط حيفا. ويتابع موريس في كتابه في هذا السياق» كانت أسطورة دير ياسين تعادل زيادة ست كتائب لقوة الصهيونية فاستبد الفزع بالعرب».
قبور جماعية
كما روى الوزير السابق من حزب «مبام» العمالي يئير تسبان في تصريح صحافي نادر، ما شاهده في دير ياسين التي زارها غداة المجزرة يوم العاشر من أبريل/ نيسان 1948 ضمن وحدة شبيبة القوة الضاربة، «البلماح» التابعة لجيش «الهغاناه». وقال تسبان بعدما كرر أمله بألا تستغل شهادته للمساس باليهود إنه والجنود دخلوا في اليوم التالي وكانت مهمتهم القيام بدفن القتلى، فتفرقوا في أنحاء القرية وشرعوا في تجميع الجثث ودفنها. وأضاف «في الناحية التي عملت فيها كانت الجثث ملقاة داخل البيوت فأخرجناها ودفنا كلا منها بقبور انفرادية بين سلاسل ترابية وصخرية كان الفلاحون قد أنجزوها لأغراض زراعة الأشجار. وما زلت اذكر قسوة تلك المشاهد، إذ كان ذلك اللقاء الأول لنا مع الموت فانهار بعض الجنود وامتلأنا غضبا على منظمتي الايتسيل والليحي، وبالنسبة لي كانت هذه نقطة تحول في توجهاتي السياسية نحو السلام وحلول التسوية لاحقا. وداخل البيوت وجدنا القليل من جثث الرجال الشباب والكثير من النساء والأطفال والشيوخ.
عميقا في سويداء الذاكرة الجماعية الفلسطينية تسكن مجزرة دير ياسين منذ سبعة عقود رمز المجازر السبع والسبعين التي اقترفتها الصهيونية بحق الفلسطينيين ضمن مخطط تطهير البلاد من سكانها الأصليين.
في هذه القرية الوادعة شمال غرب القدس المحتلة والمحاطة بقرى القسطل ولفتا وقالونيا وعين كارم والمالحة، كان ساكنوها يحلمون باستقبال موسم الربيع الجديد عندما استيقظوا في ليلة 9.04.48 مذعورين على دوي انفجارات القنابل والعبوات التي ألقتها العصابات الصهيونية، سافحة دماء المدنيين ومستبيحة شيخوخة البلدة وطفولتها بدون رحمة. لم تنج حتى السيدات الحوامل من نيران المتعطشين للقتل ومن الاغتصاب والتمثيل بالجثث، كما يؤكد عدد من المؤرخين الفلسطينيين والإسرائيليين. وما جرى في دير ياسين لم يكن المجزرة الفظيعة الوحيدة في فلسطين عام 48 غير أنها اكتسبت تميزا بسبب حالة الهلع التي سببتها لدى الفلسطينيين فور انتشار وقوعها، سيما إزاء اهتمامات الصهيونية بتضخيمها وترويجها إلى كافة أنحاء البلاد بكثير من التهويل بهدف التخويف كوسيلة للترحيل.
وقالت الحاجة نفيسة عيد قبل سنوات لـ «القدس العربي» ، وهي من دير ياسين ومقيمة كلاجئة في أبو ديس المجاورة للقدس المحتلة اليوم، إنها ترفض زيارة القرية بسبب الحاجز النفسي، وتروي كيف دخل الجنود الصهاينة بيت عائلة سمور وسرقوا محتوياته، وحينما اكتشفوا طفلا في السادسة من عمره (فؤاد سمور) مختبئا بداخله رموه بالنار أمام والدته.
ضرر فادح لإسرائيل
وقال الدكتور ايتان بونشطاين، ناشط يهودي معاد للصهيونية ومهتم جدا بتعميم الرواية التاريخية الفلسطينية على الإسرائيليين، إن الأمر المذكور واضح ومتوقع.
ويقول لـ «القدس العربي» إن هناك صورا لمذبحة دير ياسين المروعة التي تنكرها منظمة «الايتسل»، زاعمة أن الضحايا قتلوا «خلال الحرب». ويضيف «إن رأى العالم صور النساء والأطفال والمسنين وهم مذبوحون فإنه سيفهم جيدا ما جرى هنا في عام 1948 والضرر الذي سيلحق بإسرائيل سيكون فادحا». ومع ذلك يعتقد أن «الضرر اللاحق بإسرائيل عن استمرار الحجب والتعتيم في المدى البعيد سيكون أكبر، لكن هذه هي حسابات المحتلين».