تتواصل الإستعدادات العسكريّة والأمنيّة لكل من الجيش السُوري والقوّات الحليفة له من جهة، والجماعات المُسلّحة المُتعدّدة المُعارضة للنظام السُوري من جهة أخرى، تحضيرًا لمعركة إدلب. فهل فعلاً إقتربت ساعة الصفر، وهل ستتورّط روسيا مُباشرة في الهُجوم عبر توفير الدعم الجوّي للقوّات البرّية، وماذا سيكون موقف تركيا في حال إندلعت المعركة، وماذا سيكون موقف الولايات المتحدة الأميركية والعالم الغربي أيضًا، وهل يُمكن إنهاء المعركة عسكريًا، وما هي الإنعكاسات المُتوقّعة على مسار المفاوضات في “آستانة”، وغيرها؟ أسئلة كثيرة ليس من السَهل الإجابة عنها بشكل حازم وأكيد، لكنّ المُعطيات المُتوفّرة والمعلومات المُسرّبة والتحليلات المَنشورة… تُعطي فكرة أوّلية عمّا يُمكن أن يحدث.
بالنسبة إلى ما إذا كان الهُجوم على إدلب هو حتمي، وما إذا كانت ساعته قد دقّت، لا شكّ أنّ الحُشود المُتصاعدة والمُتقابلة، إن للجيش السُوري وحلفائه أم للجماعات المُعارضة للنظام، بلغت ذروتها في الأيّام القليلة الماضية، وليس بسرّ أنّ الجهات المَعنيّة بمصير مُحافظة إدلب كانت تحدّثت مطلع الصيف الحالي عن مُهلة كان الجانب الروسي قد منحها للمعنيّين بالأزمة، وتنتهي بحلول أيلول، وذلك لحلّ مسألة إدلب سياسيًا ومن دون سفك دماء. أمّا وقد بلغنا نصف شهر أيلول، في ظلّ فشل واضح في التوصّل إلى تسوية سلميّة، من المُرجّح أن تتجه الأمور إلى معركة وشيكة تصاعديّة، لا يكون الهدف منها حسم الوضع عسكريًا بشكل كامل، لأنّ هذا الأمر يتطلّب وقتًا زمنيًا طويلاً جدًا، ويَستوجب التضحية بكلفة بشريّة ضخمة، بل حثّ الجهات المُؤثّرة في الحرب في سوريا على الرضوح لشروط سحب المُسلّحين من إدلب.
وفي ما خصّ مسألة تدخّل سلاح الجوّ الروسي فهو حتمي، ومن دونه لا يُمكن تحقيق نتائج ميدانية سريعة، لأنّ الجماعات المُعارضة المُسلّحة في المُحافظة تملك قُدرة كبيرة على القتال لفترة طويلة، وما لم يتمّ ضرب تحصيناتها وإعاقة إمداداتها اللوجستيّة بسلاح طيران حديث، فإنّ موازين القُوى القائمة حاليًا لا تسمح بإلحاق الهزيمة بها. وبالتالي، الأكيد أنّ روسيا التي تواصل تنفيذ غارات مُتفرّقة في سوريا أساسًا، ستُدخل مُجدًدًا سلاحها الجويّ في معركة إدلب الفاصلة، خاصة وأنّ علاقاتها مع الأطراف المُعارضة لهذا التدخّل سيّئة حاليًا.
وبالنسبة إلى الموقف المُرتقب للجانب التركي من أيّ هُجوم على إدلب، فإنّ تجربة حلب في الماضي القريب لا تزال راسخة في الأذهان، حيث إكتفت تركيا في حينه بإصدار بيانات الشجب والإستنكار، وبترك حُدودها مفتوحة لنقل الذخائر والعتاد للمُقاتلين، قبل أن تتدخّل سياسيًا في آخر مراحل المعركة لتأمين نقل مجموعات من المُقاتلين إلى خارج مدينة حلب التي كانت قد شارفت على السُقوط عسكريًا بشكل كامل. واليوم، تُكرّر تركيا “السيناريو” نفسه، حيث أنّه بمُوازاة تحرّكاتها الدبلوماسيّة وتصريحاتها الإعلاميّة الرافضة للحل العسكري في إدلب، تعمل على مدّ الفصائل المُعارضة بالسلاح والذخائر، لتعزيز قُدراتهم القتاليّة. لكن لا توقّعات بشأن تدخّل عسكري مُباشر لتركيا في المعركة المُرتقبة، ولا نيّة في التورّط بأيّ صدام مُباشر أو غير مباشر مع روسيا أو إيران، على الرغم من أنّ الجيش التركي أرسل في الساعات الماضية وحدات مُدرّعة ودبابات إلى داخل الأراضي السُوريّة، كنوع من رسالة تحذير بأنّ تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي. وسيكون من الطبيعي أن تُحاول تركيا تعزيز قُدرات الجماعات المُعارضة على الدفاع عن مواقعها، لتكون أنقره قادرة بدورها على التفاوض من موقع قُوّة، على أمل إنهاء المعركة بتسوية سياسيّة مُرضية لها.
من جهة أخرى، وبالنسبة إلى موقف الولايات المُتحدة الأميركية والدول الأوروبيّة والعالم الغربي ككل، فإنّه وللإجابة عن السؤال الأهم، والمُتمثّل بمدى قُدرة الجماعات المُسلّحة في إدلب على صدّ الهُجوم، لا بُد من الإشارة بداية إلى أنّ الأرقام مُتضاربة بشأن عدد المُقاتلين وحجم ذخائرهم، لكنّ الأكيد أنّ تسليحهم جيّد وعددهم كبير، بعد تجمّع كل مُعارضي تسويات السنتين الماضيتين في محافظة إدلب التي تُشكّل آخر معاقل المُعارضة الواسعة والمُتواصلة جغرافيًا، حيث أنّ سُقوطها عسكريًا يعني حتميّة سُقوط باقي البُقع الجغرافية الصغيرة والمتفرّقة الخارجة عن سُلطة النظام. وفي كل الأحوال، إنّ هؤلاء المُسلّحين قادرون على القتال لفترة زمنيّة لا بأس بها، لكن ليس إلى ما لا نهاية، وبالتالي إنّ “صُمودهم” مُرتبط بحجم التدخّلات الإقليميّة والدَوليّة التي ستحصل عند إندلاع المعركة، وبحجم الضُغوط التي ستُمارس على روسيا وعلى المحور السوري-الإيراني لوقف المعركة.
وبالنسبة إلى الإنعكاسات المُتوقّعة على مسار المفاوضات في “آستانة”، لا شك أنّ أي سُقوط سريع لمُحافظة إدلب سيفقد مُعارضي النظام والجهات التي تقف خلفهم آخر أوراق التفاوض التي كانت لا تزال تملكها، وسيؤدّي بالتالي إلى فرض نهاية “غالب ومغلوب” للحرب السُوريّة، ليغيب تمامًا أي إحتمال لتحقيق تسوية سياسيّة للحرب السُورية، والعكس صحيح أيضًا، بمعنى أنّ فشل الجيش السُوري والقوات الحليفة في التقدّم ميدانيًا، سيُقوّي أوراق المُعارضين التفاوضيّة، وسيرفع من إحتمال بقاء جزء من سُوريا خارج سُلطة النظام السُوري في المُستقبل.
إشارة في الختام، إلى أنّه من المُرجّح ألاّ يتم حسم المعركة ميدانيًا، لأي جهة، بل أن تكون وما ستُسبّبه من خسائر ودمار ومن موجات نُزوح جديدة، حافزًا لتسريع وتيرة جولات التفاوض التي لم تُحقّق شيئًا حتى تاريخه. ورُبّما عندها يأتي الحلّ النهائي تحت ضغط المعارك، ويصبح من المُمكن أكثر التوصّل إلى تسوية لا تحمل في طيّاتها بُذور تجدّد الحرب في المُستقبل، وتحديدًا ما ان تسنح الفرصة والظروف السوريّة والإقليمية والدُوليّة المحيطة بذلك.النشرة