في الوقت الذي لا تزال فيه العقد التي تحول دون تشكيل الحكومة المقبلة على حالها، تزداد، يوماً بعد آخر، وتيرة الإتهامات التي توجّه إلى السعودية، من جانب قوى الثامن من آذار، بالوقوف وراء المواقف المتصلّبة لكل من “الحزب التقدمي الإشتراكي” وحزب “القوات اللبنانية”، بالإضافة إلى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، مع العلم أن النظرة إلى الأخير تأتي في إطار أنه مغلوب على أمره على هذا الصعيد، لا سيّما أن علاقاته مع الرياض لم تعد، حتى الآن، إلى سابق عهدها، بل على العكس من ذلك، فانّ العلاقة التي تجمع كل من “الإشتراكي” و”القوات” بالمملكة باتت أقوى من تلك التي تجمع الأخيرة بتيار “المستقبل”.
في هذا السياق، يرمي كل فريق الكرة إلى ملعب الآخر، لا سيما بالنسبة إلى أوساط رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي ينتظر تقديم الحريري مسوّدة جديدة تأخذ بعين الإعتبار الملاحظات التي تقدّم بها خلال لقائهما الأخير، في حين أن أوساط رئيس الحكومة المكلف تعتبر أنّ الخطوة المنتظرة من المفترض أن تأتي من القصر الجمهوري.
في المقابل، تؤكد أوساط نيابيّة في قوى الثامن من آذار، عبر “النشرة”، أن العقدة الأساس لا تزال في الموقف السعودي، حيث تُصر الرياض على ألاّ تعكس التشكيلة الحكوميّة المقبلة نتائج الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، في حين أن ما يُحكى عن عقد داخليّة يأتي في إطار “تمرير” الوقت لا أكثر، والدليل هو الصيغة التي تقدم بها رئيس الحكومة المكلف إلى رئيس الجمهورية، والتي كان يعرف مسبقاً أنها لن تحظى بموافقته.
من وجهة نظر هذه الأوساط، السعوديّة اليوم تريد خوض مواجهة غير مباشرة مع “حزب الله” على الساحة اللبنانيّة، عبر التصويب على “التيّار الوطني الحر”، مشيرة إلى أن مشكلة الرياض مع رئيس الجمهورية هي في مواقفه التي لا تتناغم مع ما تريده، والتي كان أبرزها لحظة إجبار الحريري على تقديم إستقالته، مع ما كان من الممكن أن تقود إليه تلك الحادثة على الصعيدين السياسي والأمني.
في هذا الإطار، ترى الأوساط نفسها أن الكرة اليوم هي في ملعب رئيس الحكومة المكلف كي يحسم خياره، خصوصاً أنه يحظى بدعم من مختلف القوى المحليّة التي تؤكّد تمسكها به رئيساً للحكومة، في حين أن “التيار الوطني الحر” يريد أن يبقى في موقعه في السنوات المتبقيّة من عهد عون، وتضيف: “حزب الله هو من أكثر الحريصين على الحريري في المرحلة الراهنة، لكن في المقابل على رئيس الحكومة المكلف أن يحسم موقفه، بالتحرر من الشروط غير المنطقيّة المفروضة عليه”.
على صعيد متصل، تنقل مصادر سياسيّة مطلعة، عبر “النشرة”، معلومات عن أن الحريري كان، بعد ما تعرّض له في الرياض، يريد الإعلان صراحة عن الخروج من العباءة السعودية، إلا أن الرئيس الفرنسي فرنسوا ماكرون طلب منه التراجع عن هذا القرار، وتذكّر بأن الأخير نفسه كان قد تحدث، في وقت سابق، أن بلاده بتدخلها انقذت لبنان من الوقوع في حرب، بعد إستقالة الحريري التي تراجع عنها لاحقاً، والتي لم يكشف حتى اليوم عن تفاصيل ما حصل معه خلالها.
إنطلاقاً من ذلك، تراهن هذه المصادر على دور من الممكن أن يقوم به ماكرون من جديد، لإخراج الحريري من “عنق” الزجاجة السعودية، لا سيما أن باريس هي من الدول الراعية لمؤتمر سيدر الأخير، كما أنها من المهتمين بالحفاظ على الإستقرار المحلي، لكنها تشير إلى أن الجانب الفرنسي لا يزال، حتى الآن، في مرحلة إستطلاع الوضع، ولم يقدم على أي تحرك جدي، وتضيف: “باريس هي المخرج الوحيد المتاح أمام رئيس الحكومة المكلف”.
في المحصّلة، تجزم هذه المصادر أن الحكومة من الممكن أن تبصر النور، في حال تأمين الرئيس الفرنسي الغطاء السياسي للحريري، خلال فترة لا تتجاوز العشرين يوماً، لكن بحال بقيت الأوضاع على ما هي عليه اليوم فلا ولادة في وقت قريب، ومن الممكن الحديث عن أشهر طويلة من تصريف الأعمال.النشرة