في التاسع من حزيران من العام 1982، أي بعد ثلاثة أيّام على قيام إسرائيل بالبدء بهُجوم برّي في الجنوب اللبناني، نفّذ سلاح الجوّ الإسرائيلي ضربة ساحقة ومُدمّرة لمنظومة الدفاع الجوّي السوريّة التي كانت منتشرة آنذاك في سهل البقاع، وقد حاول سلاح الجوّ السوري إعتراض الطائرات الإسرائيليّة المُغيرة، لكنّه فشل بشكل كبير، وخسر العشرات من طائراته(1). واليوم، ومع إعتزام روسيا تسليم سوريا منظومة دفاع جويّ متطوّرة نسبيًا، تستخدم صواريخ “أس 300″، في ظلّ المُعارضة الإسرائيليّة المَعروفة لأي إخلال بالتوازنات العسكريّة الإستراتيجيّة في المنطقة، يفرض سؤال خطير نفسه: هل ستُهاجم إسرائيل منظومة الدفاع الجوّي السوريّة الجديدة، كما كانت قد فعلت ضُدّ صواريخ “سام” السُوريّة في البقاع اللبناني(2)؟.
بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّ العلاقات الروسيّة-الإسرائيليّة كانت تُعتبر حتى الأمس القريب جيّدة، وكان يُوجد توافق ضُمني على أن تغضّ موسكو النظر عن الإستهدافات العسكريّة الإسرائيليّة المُتكرّرة ضُدّ أهداف مُختلفة في سوريا، بشرط إبلاغها مُسبقًا بأي عمليّة وعدم تعريض القوّات الروسيّة لأي خطر. لكنّ حادث إسقاط الطائرة الروسيّة في سوريا وما أسفر عنه من ضحايا(3)، وتّر الأجواء بين الطرفين، وأعاد خلط التفاهمات الثنائيّة بينهما إلى حدّ كبير.
وفي حال مضت روسيا قُدمًا بتسليم سوريا بمنظومة صواريخ “أس 300” للدفاع الجويّ، فإنّها ستتسبّب بتغيير مُهمّ في التوازنات العسكريّة الإقليميّة بغضّ النظر عن الفئة التي سيتمّ تسليمها(4)، لأنّ هذه المنظومة الدفاعيّة تتميّز بأنّها قادرة على تتبع العديد من الأهداف البعيدة المدى في آن واحد وبدقّة عالية، الأمر الذي من شأنه أن يطوي صفحة التفوّق الجوّي الإسرائيلي طوال العُقود الماضية، خاصة وأنّ روسيا قرّرت أيضًا إطلاق تشويش كهرومغناطيسي في المنطقة البحريّة المُحاذية لسواحل سوريا، بهدف تعطيل التواصل بين أي طائرات مُغيرة وكلّ من الرادارات والأقمار الصناعية. وسيكون بالتالي على إسرائيل أن تتعامل مع أي غارة مُقبلة على سوريا بشكل أكثر حذرًا بكثير من السابق، لأنّ إحتمال سُقوط طائراتها بات عاليًا أكثر من أيّ وقت مضى، حتى من دون الدُخول إلى المجال الجوّي السُوري. وبحسب الخُبراء العسكريّين، فإنّ نشر منظومات دفاع جوي من طراز “أس 300” بشكل جدّي وواسع في سوريا، لا يُمكن إلا أن يحدّ من عدد ومن فعاليّة الغارات الإسرائيليّة على سوريا، بغضّ النظر عن تصاريح رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو في الساعات الماضية والتي تؤكّد إستمرار هذه الغارات، وذلك بسبب المَوانع العسكريّة المَيدانيّة المُؤثّرة، إلى جانب التغيير الواضح في المَوقف السياسي الروسي من مسألة إستمرار هذه الغارات.
والسؤال الأهم في هذه الحال يتمثّل بالإجراءات التي ستتخذها إسرائيل، حيث أنّ خياراتها ليست سهلة على الإطلاق. والبداية بحسب التوقّعات أن تُحاول الدبلوماسيّة الإسرائيلية ثني موسكو عن تنفيذ قرارها تسليم منظومة صواريخ “أس 300” لسوريا، من دون وُجود آمال كبيرة بنجاح هذا الأمر في الظروف الراهنة. وبالتالي، في حال وُصول هذه الصواريخ ونشرها، ستكون إسرائيل أمام خيار من إثنين:
الخيار الأوّل: تجاهلها وتخفيف وتيرة غاراتها الجويّة على سوريا، وتنفيذ أي غارة في ظلّ إجراءات عسكريّة شديدة التعقيد لحماية طائراتها، وهذا الأمر سيُشكّل ضربة كبيرة للتفوّق الجوّي الذي كان يتمتّع به سلاح الجوّ الإسرائيلي.
الخيار الثاني: إعداد خُطّة هُجوميّة لضرب وتدمير منظومة الصواريخ الدفاعيّة السُوريّة الجديدة، مع كل ما تحمله هكذا عمليّة من مَخاطر كبرى، ومن دون معرفة طبيعة الردّ الميداني السُوري في هذه الحال، ولا طبيعة الردّ السياسي–الدبلوماسي الروسي أيضًا.
ويُمكن القول إنّ الخيارات الإسرائيليّة ليست سهلة، وهي قد تعمل على الأرجح على مُقايضة سياسيّة مع روسيا، تنصّ على المُوافقة على مضض على تسلّم سوريا صواريخ “أس 300” وعلى نشرها من دون التعرّض لها مُستقبلاً، بشرط أن تعمل روسيا بفعاليّة أكبر على سحب التشكيلات المُسلّحة الموالية لإيران من خُطوط المُواجهة في الجولان السوري المُحتلّ، وعلى ضمان عدم تهديد أمن إسرائيل من قواعد برّية قرب الحُدود السوريّة-الإسرائيليّة.
(1) تتضارب الأرقام بشأن نتائج المعركة، ويُقلّل الجانب السوري من حجم خسائره في هذه المُواجهة الجويّة الضخمة، في حين تُقدّر المصادر الغربيّة خسائر سلاح الجوّ السوري بما بين 82 إلى 86 طائرة حربيّة، في مُقابل سُقوط طائرة إسرائيلية واحدة من دون طيّار وتضرّر طائرتي “أف 15” تمكّنتا من العودة إلى قاعدتهما.
(2) تمّ في حينه تدمير أغلبيّة بطاريّات الصواريخ السُوريّة وراداراتها في لبنان، بعد إعتماد تشويش إلكتروني، وإستخدام صواريخ عالية الدقّة.
(3) تعرّضت طائرة روسيّة من طراز “إيل 20” لصاروخ أرض–جوّ سُوري عن طريق الخطأ، بُعيد تنفيذ الطيران الإسرائيلي غارات على سوريا، ما أدّى إلى مقتل كلّ أفراد طاقمها العسكري.
(4) تتوفّر صواريخ “أس 300” بمجموعة واسعة ومنوّعة من الفئات المُتفاوتة القُدرات، باعتبار أنّ إنتاج هذه المنظومة الدفاعية كان قد بدأ في العام 1975، وتطوّر مع الوقت وُصولاً إلى مُنتصف العقد الماضي عندما جرى تقديم صواريخ “أس 400” الأكثر تطوّرًا وفاعليّة.النشرة