تتوالى الإشارات التي تدلّ على قرار أميركي واضح وكبير بتضييق الخناق أكثر فأكثر على “حزب الله” كجزء من خُطّة مُمنهجة للتضييق على كل الجماعات المدعومة لوجستيًا وماليًا من إيران. فماذا تعني هذه الإشارات، وهل من المُمكن أن تطال سلاح “الحزب”؟.
بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ مجلس النوّاب الأميركي صوّت خلال الساعات الماضية على مشروع قانون ينصّ على فرض مجموعة جديدة من العُقوبات على “حزب الله”، تهدف بحسب ما جاء في المشروع المذكور إلى “الحدّ من قُدرة حزب الله على جمع الأموال وتجنيد عناصر له”. وجاء هذا التطوّر الجديد بعد أيّام على إصدار النيابة العامة في الباراغاوي قرارًا بتوقيف رجل الأعمال أسعد أحمد بركات، بحجّة أنّه أحد كبار مُمّولي “حزب الله” المُصنّف كتنظيم إرهابي أميركيًا، في خطوة ليست بجديدة من نوعها، علمًا أنّها جاءت لتُلاقي خطوات أرجنتينيّة طالت أخيرًا أفرادًا من “عشيرة بركات”، بتهمة التورّط في جرائم تهريب وتزوير أموال وتهريب مُخدرات وغيرها، بحسب التهم التي رُفعت ضُدّهم.
إشارة إلى أنّ “حزب الله” يعلم تمامًا أنّ أحدًا لا يُمكنه المسّ بسلاحه عن طريق معارك بريّة، وبالتالي إنّ خشية الحزب الأساسيّة ليست على تركيبته العسكريّة التي لم تتأثّر في السابق بأي عُقوبات، إنّما على مصادر تمويله الذاتيّة، أي تلك التي لا تمرّ بقنوات إيرانيّة مُباشرة. كما يخشى “الحزب” من أي عُقوبات تطال مؤسّساته الخارجيّة والمحليّة غير العسكريّة بالتأكيد، إن كانت إعلامية مثل تلفزيون المنار أو إذاعة النور أو المجموعة الإعلاميّة اللبنانيّة، أو إقتصاديّة وتجاريّة مثل العديد من الشركات والمؤسّسات في لبنان وخارجه والتي هي غير محسوبة مباشرة على “حزب الله” إنّما يقوم مالكوها بمدّ الحزب بمُساعدات دوريّة. وعلى الرغم من أنّ العديد من هذه المؤسّسات والشركات تعمل من دون التباهي بدعم “الحزب”، فإن الإدارة الأميركيّة توسّع يومًا بعد يوم لائحة هذه الشركات والمؤسّسات المشمولة بالعقوبات، ومنها مثلاً “جهاد البناء” و”بيت المال”، إلخ.
وليس بسرّ أنّ “حزب الله” كان نجح في السابق في الإلتفاف على العديد من العُقوبات الأميركيّة والغربيّة، بحيث مرّت من دون تأثير كبير على بنيته اللوجستيّة بكامل فروعها. ويُحاول “الحزب” اليوم القيام بالمثل إزاء موجة العقوبات الجديدة المُشدّدة، والتي يُدرجها في خانة الإفتراءات الكاذبة والضُغوط السياسيّة لإخضاع “الحزب” ومن خلفه إيران لجملة من الإملاءات الخارجيّة، لمصلحة إسرائيل. وقد ظهر في الساعات الماضية حرص “الحزب” على تجنّب أي ثغرة يُمكن أن تسمح للقوى المُعادية له بالتسلل نحوه عن طريق العُقوبات، من خلال إنسحاب كتلة “الوفاء للمُقاومة” من مجلس النواب خلال التصويت على مشروع القانون الذي يرمي إلى طلب المُوافقة على إبرام مُعاهدة تجارة الأسلحة، ومجاراته من قبل كتلة رئيس مجلس النواب نبيه برّي وبعض النوّاب الآخرين بالإمتناع عن التصويت. وعلى الرغم من أنّ بنود هذه المعاهدة لا تطال “المُقاومة وسلاحها” بأي شكل، فإنّ “الحزب” يخشى أن يُتخذ من أي بند من بنودها نافذة لاتخاذ المزيد من العقوبات على “حزب الله”.
ويُمكن القول في الخلاصة إنّ الحرب مفتوحة على سلاح “حزب الله” من الجانب الأميركي، لكنّ لا نتائج مُباشرة أو آنيّة على هذا السلاح، إنّما المزيد من التضييق المالي والإقتصادي على مصادر “الحزب” التمويليّة. وهذا من شأنه أن يزيد “حزب الله” تشدّدًا، لا أن يجعله أكثر ليونة من قضايا المنطقة، الأمر الذي تعلمه تمامًا الإدارة الأميركيّة التي تتعمّد إتخاذ هذه الإجراءات ضُدّ “الحزب”، لأنّها بكل بساطة بحاجة إلى أعداء وخُصوم في أكثر من منطقة، لتبرير تحالفاتها وقراراتها وتدخّلاتها. وفي النهاية، الصراع الأميركي-الإيراني على السيطرة الإقليميّة مفتوح على مصراعيه في الشرق الأوسط، وكل الخُطوات الواردة أعلاه وغيرها الكثير، تندرج في خانة هذه المُواجهة.النشرة