تجري مصر منذ أسابيع مساع جديدة مع حركتي “حماس”، و”فتح” في محاولة لتحقيق المصالحة الفلسطينية باتت توصف بـ”جهود الفرصة الأخيرة” قبل أن تصل العلاقات بين الفصيلين إلى طريق مسدود جديد.
ذلك الطريق المسدود ربما لن يكون من السهل العودة منه هذه المرة فالتنظيمين الأكبر على الساحة الفلسطينية توعدا، مؤخرا، بإجراءات عقابية متبادلة وحاسمة، على حد وصفهما، في حال فشل جهود إنهاء الانقسام.
وفي ظل لهجة التصعيد والتهديدات المتبادلة بين الجانبين، فإن مراقبين استبعدوا نجاح الجهود المصرية، متوقعين أن يمر الشعب الفلسطيني بأسوأ مراحل الانقسام خلال الفترة المقبلة.
فرصة أخيرة
القيادي في حركة “فتح”، يحيى رباح، قال، إن “مساعي المصالحة في القاهرة ستكون الفرصة الأخيرة لحماس لتنفيذ اتفاقات المصالحة”.
وحذّر من أن القيادة الفلسطينية ستتخذ “قرارات حاسمة” ضد حماس، في حال ضيّعت الفرصة الحالية لتحقيق المصالحة.
مساعي المصالحة في القاهرة ستكون الفرصة الأخيرة لحماس لتنفيذ اتفاقات المصالحة
وقال رباح: “في كل مرة حماس توقع على المصالحة ولا تنفذها ولن نعطيها فرصة في كل مرة، عليها أن تقول موقفها بالضبط وإلا ستواجه موقفا فلسطينيا شاملا”.
ودعا القاهرة إلى أن تعلن عن الجانب المخطئ فيما يتعلق بتحقيق المصالحة وعن الطرف الذي يلعب دورا سلبيا في هذا الإطار.
وأشار إلى أن زيارة وفد حركة “فتح” الأخيرة إلى مصر، التي اختتمت الأربعاء الماضي، كانت ناجحة وأعرب فيها الوفد عن استعداده للمصالحة.
والأربعاء الماضي، اختتم وفد من “فتح” برئاسة عضو اللجنة المركزية للحركة، عزام الأحمد، زيارة إلى القاهرة استمرت ثلاثة أيام، بحث خلالها مع مسؤولين بالمخابرات المصرية سبل إتمام المصالحة.
وقال رباح إن “وفدا من حماس سيذهب إلى القاهرة، خلال أيام، ليجتمع مع المخابرات المصرية ويبلغها بموقف الحركة من الورقة المصرية للمصالحة”، وهو ما لم يتسن التأكد منه رسميا من حركة “حماس” أو الجانب المصري.
ولم يكشف القيادي في “فتح” عن طبيعة الإجراءات الحاسمة التي ستتخذها السلطة الفلسطينية ضد حركة “حماس” في حال فشلت جهود المصالحة.
إلا أن وسائل إعلام محلية نقلت عن مصادر فلسطينية بالضفة الغربية أن الإجراءات قد تشمل قطع السلطة لتمويلها بشكل كامل عن قطاع غزة، بما يشمل رواتب الموظفين الحكوميين التابعين لها.
ولعل ما يعزز مثل هذا الاحتمال، دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في تصريحات سابقة له بعدة مناسبات، حماس إلى تسليم القطاع لحكومة الوفاق الوطني بشكل كامل أو تحمل مسؤوليته بشكل كامل.
آخر هذه التصريحات كانت خلال اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية نهاية أغسطس/ آب الماضي، حين قال، إن “على حماس أن تُسلم كل شيء لحكومة الوفاق أو تتحمل مسؤولية كل شيء”.
وفي أبريل/ نيسان 2017، أعلن عباس عن إجراءات بحق غزة شملت تخفيض رواتب موظفي السلطة الفلسطينية بالقطاع بنسبة 30 %، وإحالة الآلاف منهم للتقاعد المبكر.
كما هدد عباس، في 19 مارس/ آذار الماضي، باتخاذ “مجموعة من الإجراءات المالية والقانونية العقابية” (لم يعلن عن طبيعتها) ضد غزة “بهدف إجبار حركة حماس على إنهاء الانقسام الفلسطيني”.
وتبع تهديد الرئيس الفلسطيني تأخر صرف رواتب الموظفين الذين يتبعون للسلطة في القطاع عن الشهر ذاته، لنحو شهر، قبل أن يتم صرف 50% منها فقط، بداية مايو/أيار الماضي.
ومنذ ذلك الوقت يتلقى الموظفون رواتبهم مقتطع منها 50%، بحسب ما ذكر عدد منهم ونقلت وسائل إعلام محلية.
عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” خليل الحية، رد على التهديدات المتواصلة لـ”فتح” باتخاذ إجراءات عقابية جديدة ضد غزة بالقول، إن ” أي عقوبات جديدة سيفرضها رئيس السلطة على أبناء شعبنا في قطاع غزة سيقابلها إجراءات (لم يوضحها) فصائلية وشعبية ما يكافئ هذه العقوبات ليرتد السهم على راميه”.
وأضاف الحية، في تصريحات نشرتها صحيفة “فلسطين” المحلية، السبت الماضي: “إذا ما صحت التهديدات وأقدم عباس على أي عقوبات جديدة فهو يعزل نفسه عن هذا الشعب وسيتجاوزه التاريخ والشعب”.
حماس ترفض شروط السلطة
وفي ذات سياق تصريحات الحية، لا يتوقع أحمد يوسف، رئيس معهد بيت الحكمة للإستشارت وحل النزاعات (غير حكومي)، أن “تقبل حركة حماس بالورقة المصرية للمصالحة التي تتضمن شروطا وإملاءات وضعتها فتح”.
وقال يوسف، إن “الاشتراطات (لم يذكرها) التي وضعتها السلطة الفلسطينية وحركة فتح تستدعي أن يكون هناك رد لن يعجب السلطات في رام الله”.
وأضاف: “لا اعتقد أنه سيكون هناك تجاوبا من حماس لشروط السلطة الفلسطينية لتحقيق المصالحة والتوقعات تشير إلى أنها سترفض الورقة المصرية لأنها لا تحقق للحركة أي حقوق أو مكانة أو تحفظ كرامتها”.
ولم تصدر أي تصريحات عن فتح أو الجانب المصري حول مضمون الورقة المصرية، إلا أن المتحدث باسم “حماس”، حازم قاسم، قال، إن “فتح أصرت على وضع شروط تعجيزية للتنفيذ المصالحة آخرها تعديلاتها على الورقة المصرية التي وضعت ملف سلاح المقاومة ضمن نقاشات المصالحة”، من دون مزيد من التفاصيل.
وفي ظل هذه الأجواء السياسية المتوترة، وصل وفد أمني مصري، السبت، إلى غزة عبر معبر “بيت حانون” (إيريز)، شمالي القطاع، في زيارة استمرت عدة ساعات بحث خلالها المصالحة الفلسطينية مع حماس.
وقال المكتب الإعلامي لمعبر “بيت حانون” (تابع للسلطة الفلسطينية)، في بيان إن “الوفد الأمني المصري يضم مسؤول الملف الفلسطيني في جهاز المخابرات المصرية اللواء أحمد عبد الخالق، والقنصل المصري لدى فلسطين عبد الله شحادة”.
من جانبه، قال مصدر أمني فلسطيني، إن الوفد توجه فور وصوله إلى منزل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في مخيم الشاطئ للاجئين غربي مدينة غزة، لبحث ملف المصالحة.
وأوضح أن الوفد أبلغ قيادة “حماس” بتفاصيل المباحثات التي أجرتها المخابرات المصرية مع وفد حركة “فتح” الذي زار القاهرة الأسبوع الماضي.
المصالحة بأسوأ مراحلها
الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، رأى، استنادا إلى كل المؤشرات السابقة، أن المصالحة الفلسطينية تمر بأسوأ مراحلها في هذه الأيام.
واستبعد أن تتمكن “حماس” و”فتح” من اتخاذ قرارات تقود حتما لإنهاء الانقسام الفلسطيني.
ويعتقد عوكل، أن جهود المصالحة الحالية ستكون “جهود الفرصة الأخيرة” إذا ما لم تتوصل “فتح” و”حماس” لاتفاق حقيقي يتم تنفيذه.
عوكل: جهود المصالحة الحالية ستكون “جهود الفرصة الأخيرة” إذا ما لم تتوصل “فتح” و”حماس” لاتفاق حقيقي يتم تنفيذه
وقال الكاتب السياسي، إن “التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية متسارعة ومستعجلة جدا والولايات المتحدة وإسرائيل تبذلان كل جهودهما وتسعيان بسرعة هائلة لإنهاء القضية الفلسطينية، وبالتالي لا يوجد وقت فائض لدى الأطراف الفلسطينية لتبادل الاتهامات والشكوك ووضع الشروط لتحقيق المصالحة”.
وأضاف عوكل: “مر عام كامل على اتفاق حماس وفتح الأخير في القاهرة على تحقيق المصالحة ولم يحصل شيء في هذا الإطار سوى مزيد من التوتر والتراشق الإعلامي، لذلك الوضع لا يدعو للتفاؤل”.
وتابع: “الجانبان يتمسكان بمواقفهما وشروطهما لإنهاء الانقسام وبهذه الطريقة لا يمكن تحقيق مصالحة. نحن ذاهبون إلى مغامرة وسندخل مرحلة جديدة وصعبة من الانقسام إذا ما استمرت الأمور على هذا الحال”.
واعتبر أن إرسال مصر لوفدها الأمني إلى قطاع غزة، السبت، ينطوي على وجود رسائل غاية بالأهمية تسعى القاهرة لإيصالها لحماس بشكل سريع لأنه سيترتب على إجابة الحركة على هذه الرسائل تداعيات مهمة تتعلق بالمصالحة.
ويسود الانقسام السياسي والجغرافي أراضي السلطة الفلسطينية، منذ منتصف يونيو/حزيران 2007، ولم تُكلّل جهود إنهاءه بالنجاح طوال السنوات الماضية.
آخر تلك الجهود كانت عندما وقعت “حماس” و”فتح” في 12 أكتوبر/ تشرين أول 2017، اتفاقا بالقاهرة للمصالحة يقضي بتمكين الحكومة من إدارة شؤون غزة كما الضفة الغربية، لكن تطبيقه تعثر وسط خلافات بين الحركتين بشأن بعض الملفات. (الأناضول)