توقّع محللون سياسيون مواصلة الإدارة الأمريكية الحالية، إصدار المزيد من القرارات العقابية المناهضة للفلسطينيين والرامية لتصفية قضيتهم؛ والتي كان آخرها قرار إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
واتفق المحللون، على أن تلك القرارات تأتي في إطار حالة العداء للفلسطينيين، والضغط على القيادة السياسية من أجل إرغامها على القبول بالخطة الأمريكية للسلام والعودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل لكن وفق شروطها وبدون القدس واللاجئين.
غير أن آراءهم تباينت حيال نجاح الإدارة الأمريكية في إخضاع القيادة الفلسطينية لتلك الضغوط.
وحتّى الإثنين الماضي، أصدرت الإدارة الأمريكية الحالية التي تولت مقاليد الأمور أوائل العام الماضي، 7 قرارات “مصيرية”، تضرب عمق القضية الفلسطينية، خاصة ملفي “القدس” و”اللاجئين”.
والقرارات هي: الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وتقليص مساعدات الأونروا، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وقطع كامل المساعدات عن السلطة الفلسطينية، ووقف دعم مستشفيات القدس، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وتأتي تلك القرارات إثر رفض الفلسطينيين خطة السلام الأمريكية، التي لم يعلن عنها بشكل رسمي حتى الآن، والمعروفة إعلامياً باسم “صفقة القرن”، لكن تسريبات متواترة أكدت أنها تتضمن انتقاصاً خطيراً للحقوق الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بمدينة القدس، وملف اللاجئين، والاستيطان.
تصفية القضية
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، طلال عوكل، اعتبر تلك القرارات “أداة عداء أمريكية للفلسطينيين من أجل تنفيذ خطة السلام الأمريكية وتصفية القضية”.
وقال: “أمريكا وإسرائيل مستعجلتان كي تنفّذا خلال 4 سنوات (مدة رئاسة دونالد ترامب) الخطة، وتكون دولة العدو قد حققت الجزء الأكبر من مخططاتها وأمانيها”.
عوكل: “أمريكا وإسرائيل مستعجلتان كي تنفّذا خلال 4 سنوات (مدة رئاسة دونالد ترامب) الخطة، وتكون دولة الاحتلال قد حققت الجزء الأكبر من مخططاتها وأمانيها”.
ورأى أن موقف القيادة الفلسطينية الرافض لخطة السلام الأمريكية “لن يتغيّر بسبب الضغوط، فيما ستدق تلك القرارات أجراس خطر أكثر قوة في آذان المسؤولين”.
وفيما يتعلق بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، قال عوكل: “إن ذلك القرار بأهميته، لن يشكّل خطراً على القضية بالحجم الذي شكّلته القرارات المتخذة بحق القدس واللاجئين”.
وأشار عوكل أن الإدارة الأمريكية وإسرائيل “تُعتبران معزولتين عن العالم بعد قراراتها بحق الفلسطينيين”.
استمرار الضغوطات
من جانبه، رأى هاني حبيب، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، أن القرار الأمريكي القاضي بإغلاق مكتب منظمة التحرير بواشنطن يأتي ضمن “صفقة القرن والتي بدأت بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني مروراً بمحاولة إنهاء ملف اللاجئين من خلال وقف الدعم الأمريكي لـ (أونروا)”.
واعتبر إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن “أداة ضغط على الفلسطينيين للاستجابة للرؤية الأمريكية فيما يتعلق بأي تسوية قادمة في المنطقة”.
كما استغلت الإدارة الأمريكية فرصة إغلاق مكتب المنظمة من أجل “تحديد موقفها من الجنائية الدولية، وللضغط على الجانب الفلسطيني لعدم التوجه إلى المحكمة لمقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين”، كما قال حبيب.
وكانت إدارة الرئيس دونالد ترامب قد أعلنت نوفمبر/تشرين الثاني 2017 عن قرارها إغلاق مكتب المنظمة، بعد أن طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بفتح تحقيق جنائي ضد تل ابيب.
لكن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت لاحقاً أنها ستسمح لبعثة المنظمة بمواصلة العمل ضمن مهلة 90 يوماً، يتم تمديدها، غير أنها اتخذت قراراً بإغلاقها قبل أيام.
لن تستجيب للضغوط
واستبعد حبيب استجابة القيادة الفلسطينية للضغوط الأمريكية فيما يتعلق برؤيتها لخطة السلام.
وبيّن أن السلطة الفلسطينية وفي إطار رفضها لما رشح عن “صفقة القرن” هي من بدأت بـ”القطيعة مع الإدارة الأمريكية الحالية ورفضت مقابلة مسؤولين أمريكيين”.
وتوقّع حبيب استمرار الإدارة الأمريكية في “فرض القرارات العقابية على الفلسطينيين من أجل الضغط عليهم للقبول بالرؤية الأمريكية كاملة”.
رأي مُخالف
بدوره، اعتبر تيسير محيسن، الكاتب والمحلل السياسي، قرار إغلاق مكتب المنظمة بواشنطن، عقب سلسلة من العقوبات، “محاولة أمريكية لخلق البيئة الملائمة لتمرير رؤيتها الكاملة بشأن القضية، على اعتبار أن أهم مرتكزات بقاء القضية بالنسبة لنا هما قضيتي اللاجئين والقدس”.
ومن خلال العقوبات الأمريكية تحاول واشنطن إرغام السلطة الفلسطينية، التي لم تتجاوب بعد كلياً مع متطلبات المشروع الأمريكي، بقبول كل ما هو مطروح دون إجراء تعديلات عليه، كما قال محيسن.
واستكمل في حديثه: “ذلك لا يعني أن السلطة غير قابلة بجوانب الرؤية الأمريكية والشواهد على ذلك أن الرئيس عباس لا يؤمن بالأصل بإمكانية عودة اللاجئين إلى المناطق التي هجّر أجدادهم منها”.
وتابع:” (اتفاق) أوسلو (1993) أنهى عملياً حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، حيث اعترف الاتفاق بحق إسرائيل في أن توجد على مساحة من فلسطين وهي ذاتها التي هجر أجداد اللاجئين منها”.
واعتبر محيسن أن اتفاق أوسلو مثّل “قبولاً إجرائياً من منظمة التحرير على عدم عودة اللاجئين لأراضيهم”.
ويرجح أن تتواصل الضغوط الأمريكية على القيادة السياسية الفلسطينية بهذا الشكل “حتّى تنفذ واشنطن رؤيتها كاملة، وتطوّع الحالة الفلسطينية بشقيها سواء في قطاع غزة أو بالضفة الغربية”.
وأشار محيسن إلى “وجود أوراق قوة لدى السلطة الفلسطينية قادرة على قلب الطاولة على الأمريكان وإسرائيل وأهمها ورقة التنسيق الأمني”.
لكنه قال إن سلوك السلطة الفلسطينية على أرض الواقع “لا يخدم إسقاط الرؤية الأمريكية إنما يدفع باتجاه تطبيقها بشكل واضح”.
الجنائية الدولية
وفي هذا الصدد، قال محيسن إن “السلطة الفلسطينية حاولت في السنوات السابقة تقديم دعاوى للمحكمة الجنائية بحق قادة الجيش الإسرائيلي لكن بعض الدول تدخلت لدى السلطة وأرغمتها على سحبها”.
وأضاف: “السلطة لا تملك قراراً جريئاً لأن قيادتها مرتهنة سياسياً، ورفع الدعاوى يدخلها بحالة عداء، ما يترتب عليه تهديد وجودي لبعض رموز السلطة”.
وفي حال نجحت القيادة السياسية في رفع تلك الدعاوى بالمحكمة الجنائية، فإن “المردود الذي قد تتحصل عليه غير مضمون، على اعتبار أن النفوذ الدولي وفي مقدمته الأمريكي يسري في مؤسسات الأمم المتحدة”، وفق محيسن.
وبيّن أن “البت في الدعاوى المقدّمة للمحكمة الجنائية قد يحتاج إلى سنوات”. (الأناضول)