أجرت صحيفة Gazeteduvar.com.tr غازيت دافار التركية مقابلة مع الأمين العام لحركة التوحيد الاسلامي فضيلة الشيخ بلال سعيد شعبان، وتناولت الأسئلة المطروحة الوضع اللبناني بشكل خاص والوضع الإقليمي والدولي بشكل عام.في ما يلي أبرز ما جاء في المقابلة:
1 –
فضيلة الشيخ برأيكم ما خلفية الأزمة الحالية في لبنان؟ لماذا يعيش لبنان مثل هذا الوضع العصيب؟ما يحدث في لبنان له خلفيات متعددة الأبعاد دولية وإقليمية ومحلية، سياسية أمنية ومالية واقتصادية وجغرافية،والأزمة اللبنانية مزمنة لأن الكيان اللبناني ككل الكيانات التي اصطنعت بعد إزالة السلطنة العثمانية، كيان هش غير قابل للحياة يستمد وجوده من الارتباط بالأجنبي والدول الكبرى.▪️سياسياً: تعتبر تركيبة الكيان اللبناني تركيبة طائفية، صنعها المحتل الفرنسي قبيل الاستقلال المزعوم، وهذه التركيبة لا تقوم على المواطنة وإنما تقوم على توزيع الرئاسات الثلاث، والوظائف: الدرجة الأولى والثانية ومختلف الوظائف… بطريقة تقوم على الولاء للطائفة وليس على خلفية الكفاءة، وهذا يمنع المحاسبة لأن كل نوع من أنواع المحاسبة لأي شخصية فاسدة مُفسدة تعتبر استهدافاً للطائفة .▪️اقتصادياً: معظم زعماء الطوائف تقاسموا الفساد فيما بينهم، فهناك من يحتكر استيراد النفط وآخرون الغاز، وهناك من تقاسم استيراد الدواء، وهكذا سائر المكاسب مما حوّل الاقتصاد اللبناني إلى جحيم لا يطاق.▪️أمنياً: لبنان منذ الاستقلال المزعوم عام 1943م يعيش خضّات أمنية مستمرة، في كل عقد أو عقدين من الزمن، على سبيل المثال ثورة 1958 ثم الحرب الأهلية أو ما يعرف بحرب السنتين عام 1975م. حيث استمرت تداعياتها لسنوات. ▪️جغرافياً: موقع لبنان بجانب الكيان الصهيوني الغاصب، وهذا من أهم أسباب اللااستقرار في لبنان، فالاجتياحات والعدوان الصهيوني دائم ومستمر، وأبرز الاجتياحات الاجتياح الصهيوني 1982م. ثم اجتياحات وحروب متعددة شنّها الكيان الغاصب وصولاً إلى عدوان تموز 2006م. وغيرها فلبنان على خطّ زلزالي نشط، وهو كسفينة ورقية في محيط هائج.ولا يمكن للبنان والمنطقة أن تستقر إلا بزوال الكيان الغاصب، الذي يزرع مع الدول الكبرى كل أشكال اللااستقرار في لبنان والمنطقة، وهذا لا يكون إلا بمقاومة تتكامل فيما بين مكوناتها لبنانية وفلسطينية، إسلامية ووطنية، عربية وإسلامية، ليُقتلع هذا الكيان من الجذور، لنقيم بعدها منظومة إقليمية تتكامل فيما بينها اقتصادياً وسياسياً… ____2
– شيخ بلال شعبان هل ترون بأن لبنان يملك إمكانية النجاة من هذه الأزمة وكيف يمكن ذلك؟أ- يجب محاسبة الطبقة الفاسدة في لبنان على قاعدة “من أين لك هذا” لاستعادة الأموال المنهوبة، والتي نهبت وهدرت وتقدّر بـ 300 مليار دولار، طبقة سياسية واقتصادية ومنتفعون، سلبوا خيرات لبنان وحولوا الهبات إلى جيوبهم ويمتلكون أكبر الأرصدة التي هربوها بعد ذلك إلى مصارف خارج لبنان، لقد ظهر في بلدنا طبقة من أصحاب المليارات التي دخلت كتاب غنيس للأرقام القياسية، كأغنى أغنياء العالم وهذه الطبقة تحتمي بطوائفها، وأكبر دليل على هذا البطريرك الراعي والولايات المتحدة الأمريكية تضع خطاً أحمر ولا تسمح بمحاسبة ومحاكمة حاكم مصرف لبنان، رجل أمريكا الأول في لبنان، وقد جاء موفد من الخارجية الأمريكية إلى لبنان وبلغ السلطة رسمياً بذلك.وكذلك بالنسبة للسنة والشيعة وغيرها من الطوائف تضع خطوطاً حمراء تمنع محاسبة المفسدين في كل طائفة، وتعتبر أي عمل في هذا الاتجاه مسّاً بالطائفة واستهدافاً لها وانتهاكاً لكرامتها.المطلوب أن يستيقظ الشعب ويتجاوز بكل بساطة هذه الحدود الطائفية المدمرة، وأن يضع قاعدة محاسبة تقوم على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها” لأن السارق والفاسد لا دين ولا مذهب له، فلا الإسلام ولا كل رسالات السماء تسمح بالفساد بل على العكس تدعو إلى محاسبة المفسدين.
ب- عملياً في بلدنا هنا، يمكن للبنان أن ينجو من أزمته الاقتصادية، إذا حوّل سياسته الاقتصادية من تبعية عمياء للغرب إلى التوجه حيث مصلحته الاقتصادية، بعيداً عن التهديدات والتأثيرات الغربية، ومن مصلحتنا بناء علاقات إقليمية تكاملية مع دول الجوار, كسوريا وتركيا والعراق وايران, ودولياً مع الكتلة الشرقية، وهذا يخفف من وطأة الحصار المفروض على بلادنا .___
3 – هل هناك خطر اندلاع حرب أهلية؟الظروف والضغوط الداخلية والإقليمية والدولية تهيئ لذلك، ولكن ما يمنعها أمران اثنان :أ – الشعب اللبناني خاض حروباً أهلية داخلية مريرة، دفع فيها ثمناً باهظاً، وهذا يدفعه للتفكير ألف مرة قبل الدخول في حرب جديدة.ب – موازين القوى في لبنان مختلة، وغير متوازنة، فالأقوى وهو تيار المقاومة لا يريد حرباً داخلية، والأضعف كالقوات اللبنانية ومن يدور في الفلك الأمريكي والاسرائيلي يريدها، ولكنه رغم الدعم الخارجي والتحريض الطائفي لا يستطيعها.____4
– سمحت الولايات المتحدة الأمريكية باستيراد الغاز الطبيعي والكهرباء من مصر، ما رأيك بهذا الأمر؟المسح الجيولوجي أثبت وجود حقول غاز ونفط في لبنان منذ سبعينات القرن الماضي، والمسح الجديد للبلوك رقم 4 أمام الشواطئ اللبنانية أثبت وجود أكبر حقل نفطي وغازي في الشرق الأوسط، ولكن لا يسمح للبنان أن يستخرج نفطه، حتى لا يستغني عن العون الاستعماري المشروط بالخضوع للشروط الغربية، وما يجري اليوم في لبنان ليس جوعاً بل تجويع مفتعل، وليس فقرًا بل إفقار مقصود، وليس جفافاً نفطياً بل تجفيف وحصار مقصود، ليقال للبنان هذا بسبب خياراتك المقاومة، وبسبب وجود المقاومة وسلاحها، وهم يعتبرون هذا السلاح غير شرعي، ونحن نعتبر أن المقاومة وسلاحها هي عزُّ لبنان وسبب منعته وقوته، وهي رادع فعلياً عملياً للعدوان الصهيوني.إن الحصار المفروض اليوم على لبنان له عدة غايات باختصار، يجب ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، بحيث يكون البلوك رقم تسعة النفطي الغني جداً بالنفط، من حصة الكيان الصهيوني المحتلّ لفلسطين.يجب سحب سلاح المقاومة وإخراج حزب الله من الحكومة والسلطة تأميناً وضماناً لأمن الكيان الغاصب وضماناً لعدم الوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني،وراعية للمصالح الغربية وتحديداً الأمريكية، فلا بد من إبقاء لبنان والمنطقة سوقاً لها بدل التوجه شرقاً وتحديداً صوب الصين. لكن عندما فرضت المقاومة، بقوة سلاحها، استيراد المشتقات النفطية إلى لبنان بأسعار تشجيعية تقارب الهبة، للوقوف في وجه الحصار والإفقار والتجويع، سارعت أمريكا لإجهاض خطة المقاومة وإيران في كسر الحصار، وسمحت لمصر بعد أكثر من 30 سنة من المنع والحصار، سمحت بمرور الغاز المصري عبر الاردن وسوريا رغم حصار قيصر للوصول إلى لبنان، وسمحت بربط لبنان بشبكة الكهرباء الدولية بعد 25 سنة من التضييق ومنع ذلك.وهذا يستفيد منه لبنان ونتمنى خطوات أخرى كخطوة إيران من تركيا والعراق وسائر الدول، خطوات اقتصادية تجهض خطة أمريكا في حصارها للبنان، فما تريده أمريكا باختصار اتركوا المقاومة وسلاحها ونفك عنكم الحصار._____5
– هل السبب الحقيقي وراء تعرض لبنان لمثل هذه الكوارث الكبيرة، أنه لم يرضخ لفرض الأمر الواقع للأجانب ، أم بسبب عدم كفاءة الحكام ونظام الطوائف في الداخل؟*عندما خرج المستعمر المحتل من بلادنا أبقى في مقاعد الحكم خدماً لمشروعه، من يعتقد أننا دول مستقلة واهم، نحن دول غير مستقلة مستتبعة للدول الكبرى لا نملك قوتنا ولا نفطنا ولا اقتصادنا، فكيف نسمي أنفسنا دولا مستقلة؟الساسة في بلادنا مستتبعون للخارج، وينفذون السياسات الدولية في بلادنا إما رغباً وإما رهباً، لكن الواقع الدولي بدأ يتغير، فالمقاومة الاسلامية في لبنان ومقاومة الشعب الفلسطيني ومقاومة غزة ومحورها، بدأت تثبت نفسها على الساحة الإقليمية والدولية، والموازين والقوى الدولية تتبدل، نجم أمريكا إلى أفول، ومعها كل من ارتبط بمحورها إلى زوال قريب إن شاء الله، كل المؤشرات والقراءات تدل على ذلك، واجبنا أن نتكامل فيما بيننا إقليمياً. فكلنا محاصرون من قبل الاستكبار الأمريكي، يجب على لبنان والعراق وتركيا وسوريا وإيران رغم بعض الاختلافات والتباينات فيما بينها، أن تبني شراكة اقتصادية نفطية وغازية وكهربائية وغذائية وصناعية وزارعية… يجب أن نبني سوقاً مشتركة، لنمنع عن بلادنا تأثيرات الحصار، وحروب العلملات التي يشنها الدولار الأمريكي، ويجب أن يعلم الجميع أن رأس الحربة في حروب الغرب على بلادنا هي الكيان الصهيوني الغاصب، لذلك علينا أن نشترك جميعاً كعرب ومسلمين ومسيحيين عرباً وأتراكاً وفرساً وكرداً وبلوش وطاجيك وملاوي وأمازيغ… في ملحمة قريبة جدا لنزيل القاعدة الاستعمارية اسرائيل _ التي ما عرف الشرق استقرارًا منذ زرعها في بلادنا.وكل الظروف تؤكد أن شيئا ما غير استثنائي قادم وقريب، سيعيد لهذا الشرق ألقه ورونقة من جديد فاستعدوا لذلك.
6-هل يمكن لتشكيل الحكومة ان يخفف من الازمة التي يعيشها لبنان؟
لبنان يعيش أزمة طائفية مزمنة وهذا المرض يحتاج الى علاج طويل الأمد لاستئصال الأورام التي أحدثها النظام الطائفي في الجسد والبنية اللبنانية، لذلك فإن تشكيل الحكومة بمثابة مسكنات آنية قد تخفف الألم مرحلياً وهذا مطلوب، لكنها لا تستأصل الالتهابات المزمنة، من هنا لا بد من بناء دولة الانسان ودولة الكفاءة التي لا تبقي فقيرا ولا مظلوما ولا جائعا.