قالت صحيفة “واشنطن بوست” إنَّ قرار الرئيس الأميركي جو بايدن سحب جميع القوات الأميركية من أفغانستان مع حلول تاريخ الحادي عشر من شهر أيلول/سبتمبر القادم يشكِّل خطوةً ستكون على الأرجح كارثية بالنسبة للشعب الأفغاني، معتبرة أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى إلغاء التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تحقَّق في أفغانستان والذي “قاتلت لأجله الولايات المتحدة لمدة عقدين”، حسب تعبيرها.
وأشارت الصحيفة إلى التحذيرات من أنَّ الانسحاب الأميركي الكامل قد يسمح لتنظيم القاعدة بإعادة التموضع في أفغانستان (وهي تحذيرات أطلقتها أجهزة الاستخبارات الأميركية ووردت كذلك في دراسةٍ طلبها الكونغرس)، مؤكدة أن طالبان لم تقطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة بحسب مسؤولين في الأمم المتحدة ومسؤولين عسكريين أمريكيين، وذلك على الرغم من أنَّ الصفقة التي أُبرمت بين طالبان وإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تنص على ذلك.
كذلك قالت إنَّ طالبان لم تُبدِ استعدادًا لإجراء المفاوضات الجدية مع الحكومة الأفغانية حول التوصّل إلى تسوية سلمية، لافتةً إلى أنَّ قرار بايدن قد يؤدي إلى عودة الأمور إلى ما كانت عليه عام، 2001 مما قد يستدعي تدخلًا أميركًا جديًدا بسبب تموضع الإرهابيين.
كما رأت الصحيفة أنه وفي أقل تقدير الانسحاب سيعني التخلي عن الأفغانيين الذين “آمنوا بالديمقراطية التي ضمنت حقوق الانسان”، وإبطال تضحيات الجنود الاميركيين الذين قتلوا او أصيبوا في أفغانستان، على حدّ وصفها، وخلصت الى أن بايدن اختار الطريق الأسهل وأنَّ تداعيات ذلك ستكون وخيمة على الأرجح.
بايدن يجازف في القرار
بدوره، اعتبر الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد اغناطيوس أنَّ إعلان بايدن الانسحاب من أفغانستان يشكِّل خطوةً جريئةً إذ إنَّ الثمن سيكون باهظاً إذا ما تبين أنَّ هذا القرار كان خطأ.
وأشار الكاتب إلى أن المستشارين العسكريين حذروا بايدن من مخاطر هذه الخطوة، وإلى ان المحللين الاستخباراتيين يتحدثون عن إمكانية اندلاع حرب أهلية وانهيار الحكومة الأفغانية (نتيجة سحب القوات الأميركية).
كما لفت في السياق نفسه إلى توقعات إعادة تموضع تنظيم القاعدة وغيره من المجموعات الإرهابية في أفغانستان في غضون عامين، مبيِّنًا أنَّ بايدن رفض دعوات القادة العسكريين أن يكون الانسحاب مشروطًا بالظروف على الأرض.
كما ذكر الكاتب سيناريو عودة القوات الأميركية إلى أفغانستان بعد الانسحاب كما حصل بعد الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011 (حيث عادت القوات الأميركية بعد مرور خمسة أعوام)، وتابع أنَّ إخراج القوات الأميركية من الساحات فتح الباب في الكثير من الأحيان خلال الأعوام الاخيرة إلى المزيد من سفك الدماء.
ووفق الكاتب، الاختبار الحقيقي لسياسة بايدن هو ما إذا كان بالإمكان منع تعرض الولايات المتحدة إلى هجوم جديد على غرار هجمات الحادي عشر من أيلول من دون وجود قوات أميركية على الأرض في أفغانستان، وعليه بايدن يجازف في القرار الذي اتخذه.
القرار في محلّه
أما الكاتب في موقع “ناشونال انترست” جاكوب هيلبرون فلفت الى أن قرار بايدن جاء في محله وأنَّ أمريكا لم تكن قادرةً يومًا على هزيمة طالبان أو إعادة تركيب أفغانستان، وقال إنَّ أميركا هُزمت منذ فترةٍ وأن طالبان في المقابل لم تكن يوماً مهزومة، مضيفاً أنَّ أميركا لم تكن يوماً قادرة على رسم مستقبل أفغانستان.
كما رأى أنَّ خطة بايدن هي مواجهة “القوى الكبرى” والاستثمار داخل أميركا، وأنَّ الرئيس الأميركي يُجري تحولًا رمزيًا كبيرًا في السياسة الخارجية الأميركية.
وتابع أنَّ عصر تغيير الأنظمة قد انتهى والمغامرات في الخارج تشغل عن برنامج بايدن في الداخل، مُعتبرًا أنه يمكن الحديث حتى عن بدء نهجٍ واقعيٍ جديدٍ حيال قدرات وطموحات أميركا في الداخل والخارج.