ساهم إنتشار فيروس كورونا المستجد في زيادة عدد الدول التي تعاني من التعثر على مستوى سداد ديونها، كما هو الحال بالنسبة إلى لبنان، إلا أن الفارق هو في حالة الضياع التي تشهدها البلاد بالنسبة إلى كيفية معالجة هذه الأزمة، والتي تتمثل في طرح الأفكار المتناقضة التي لا تحظى بإجماع القوى السياسية حولها، الأمر الذي يعقد المسألة.
في هذا السياق، تعتزم الحكومة الأرجنتينة خفض ديونها للدائنين الأجانب، حيث أعلن وزير الاقتصاد الأرجنتيني مارتن غوزمان، أن سداد كل من الديون ومدفوعات الفائدة ستؤجل لمدة ثلاث سنوات. والخطة الأرجنينية لإعادة جدولة الدين العام تتعلق بشطب 62 في المئة من فوائد الدين، أي 37.9 مليار دولار، و5.4 في المئة من رأس المال، أي 3.6 مليار دولار، كما تطلب أيضاً تجميد الدفع 3 سنوات، ما يعني عدم تسديد أي مبلغ حتى 2023. وبداية من عام 2023، تريد الحكومة استئناف مدفوعات الفائدة وزيادتها خطوة خطوة.
وفي حين لا تبدو الأرجنتين نموذجاً يحتذى به في كيفية التعامل مع مسألة الديون المتعثرة، إلا أن المحللين يعتبرون أن البيئة الحالية تعطي العرض أمالاً أكبر بالنجاح، حيث تحدّث كلاوديو لوزر، المسؤول الكبير في صندوق النقد الدولي، “عن مفاوضات معقدة، لكنها ليست مستحيلة”، في وقت أشار مدير الإستشارات الإقتصادية في بيونس آيرس سيدو غبريال زيلبو إلى أن حاملي السندات كانوا يتخوفون من إجراءات على الأصول، كعدم سدادها أو القيام بهيركات مرتفع.
ما تقدم يدفع إلى السؤال عن الأسباب التي تحول دون تفكير الحكومة اللبنانية بمثل هذه الخطّة في التعامل مع الدائنين الأجانب، بدل طرح الذهاب إلى إجراءات تستهدف أموال المودعين، وبالتالي التفاوض معهم لشطب فوائد الدين، بشكل أساسي، وأخرى من رأس المال، لا سيما أن قيمة تلك السندات كانت قد انخفضت بنسبة كبيرة قبل أن تعلن الحكومة تعليق سداد إستحقاق 9 آذار من اليوروبوند وبعد ذلك، خصوصاً أنه في ظل الأوضاع التي يشهدها الإقتصاد العالمي، فإن الدائنين سيكونون أكثر ليونة مع الإقتراحات التي تُقدّم، إلا أنّ ذلك يتطلب وجود خطة تكتسب ثقتهم بالحد الأدنى، ليكونوا مطمئنين إلى أن ما سيتفق عليه، بعد النسبة التي سيوافقون على شطبها من فوائد الدين أو رأس المال، سيحصلون عليه في الموعد الجديد الذي سيحدد.
على هذا الصعيد، يمكن القول أن موقع لبنان في أي عملية تفاوض أفضل من الأرجنتين، نظراً إلى أنها المرّة الأولى التي تتخلف فيها بيروت عن سداد ديونها، وبالتالي يمكن لها أن تطلب من الدائنين تفهم الأوضاع التي تمر بها البلاد، والذهاب أيضاً إلى إستغلال الواقع الذي فرضه إنتشار فيروس كورونا على المستوى العالمي، إلا أنّ السؤال الدائم يبقى عن الخطّة التي ستقدمها الحكومة في سبيل ذلك، والتي تتطلب أولاً تطبيق إصلاحات جدّية ومحاربة الفساد المستشري في الدولة، من دون ألمسّ بأموال المودعين التي قد تطيح الثقة بالإقتصاد اللبناني لفترة طويلة، والسعي فعلياً إلى إستعادة الأموال المنهوبة، مع الأخذ بعين الإعتبار بأن أي أموال جديدة يجب ألاّ تكون مخصصة لدفع الديون بل لتحريك العجلة الإقتصادية، نظراً إلى أنه من دون ذلك لن يكون لبنان قادراً على الوفاء بإلتزاماته الجديدة.النشرة