الحمد الله ثم الحمد الله، الحمد الله الذي حفظ القرآن، ليحفظ بذلك دعوة الإسلام، والحمد الله الذي حفظ أهل القرآن، على مر العصور والأزمان، والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، الذي قام بحق الله عليه في تبليغ الدعوة إلى الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المجاهدين، وعلى من سار على دربه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد عباد الله،
لقد كان ظهور الإسلام وانتشاره ملفتاً لأفكار البشرية كلها، فبين ظهور الإسلام وانتشاره في العالم، فترة وجيزة من الدهر، إنها كطرفة العين، لم ينتشر دين ولا فلسفة ولا فكر بالإنتشار الذي حققه الإسلام، وأُشرِب حبه قلوب أتباعه، ففدوا دينهم بأرواحهم وأموالهم، وكانت الأمة الإسلامية أعظم أمة معطاء، وكانت أهدى أمة في العالم، حفظ الله تعالى بها الحق في الإنسانية، ومازال الحق محفوظا بها إلى اليوم، على الرغم مما أصابها من بلاء وضعفٍ وما تحزبها من الأحزاب والدول والفرق. وليس ذلك بعجيب فإن الإسلام باق بقاء الحق، فهو كلمة الله، ولا تبديل لكلمات الله، وهو روح الإنسانية، تعيش ببقائه فيها وتموت بتركه، إن الكافر ميت وإن أكل وشرب، ومشى وتكلم، فليست حياة الإنسان بحياة الجسد، فتلك حياة بهيمية يشاركه فيها كل البهائم، ولكن حياة الإنسان هي بالإيمان بالله وتحقيق رسالة الله، في إيمانه وسلوكه والعمل الصالح الذي يمارسه، لذلك دخل الإسلام إلى قلوب الشعوب والأمم، واستعصى على كل الفتن وكل الإغراءات.
ولقد حاولت قريش أن تصد عبيدها عن الإسلام فما استطاعت، وأسلم العبيد الذين سلبت إرادتهم، أسلموا وسكنت قلوبهم بالإيمان، فلا صخرة بلال صدته عن دينه، ولا الحديد المحمى الذي كوت به قريش جسد عمار، وأبيه ياسر، وأمه الشهيدة الأولى في الإسلام، ما استطع كيد الكفر أن يصرف الرعيل الأول ولا الثاني ولا الثالث، بما اطمأنت قلوبهم بالإيمان حتى يومنا هذا، فإن مواجهة أبنائنا في فلسطين لليهود مثلٌ جديد للثبات على الحق، فإسرائيل حاولت جاهدة أن ترد المسلمين عن دينهم، ومكث الإلحاد الشيوعي ستين سنة يحاول صد المسلمين عن دينهم في الإتحاد السوفياتي، فخرجوا بعد ستين سنة من المحنة أقوى إيمانا وأمضى عزيمة وأكثر تصميما على متابعة المسيرة.
لذلك كان الإسلام العقيدة الأقوى وكانت أمته الأمة الأمينة على شرع الله ودين الله، فإن ضعفت الأمة بارتداد فريق منها عن دينه، والتحالف مع أعداء الله، فإن ذلك لا يغير شيئا من الحق الذي آمن به المتقون وصبر فيه المجاهدون.
فالمبعدون في جنوب لبنان، يؤكدون كل يوم على ثباتهم على الحق والإسلام، ويسمعون العالم صوتهم، وتصميمهم، وأنهم لن يبيعوا دينهم، بكل المغريات، فهم يصلون أمام العالم، وتحت الأقمار الصناعية التي تصور حالهم، وأمام عدسات المصورين، لتسمع الدنيا أن أمة محمد فيها النماذج، النماذج التي تؤكد صدق هذا الدين وصدق أهله.
لذلك كان لا بد للمدارس الإسلامية، سواء كانت جامعية أو حزبية، عليها أن تدرس القرآن، والمناهج القرآنية، وأن لا تستعيض عنها بالمناهج الحزبية، أو المناهج الطائفية أو المذهبية، أو المناهج الفرقية.
فالفرق في الإسلام والطوائف والمذاهب ليست أديانا إنما هي آراء بشرية لا ترقى إلى مستوى الدين لأن الدين هو الإسلام، ولأن كتاب الإسلام هو القرآن، وهدي النبي عليه الصلاة والسلام.
إن انقسام المسلمين إلى مدارس فرقية وطائفية، وصوفية، وسلفية، إن انقسام هذه المدارس قسم الأمة إلى شيعٍ وأحزاب، وإن على كل المسلمين بكل طوائفهم وفرقهم وأحزابهم، أن يدرسّوا الإسلام القرآني، لا الإسلام الحزبي ولا القومي، ولا الإسلام الأمريكي والفرقي، و لولا إيمان الرعيل الأول بالقرآن وتتلمذهم على منهاجه لانفرط عقد هذه الأمة.
إن الفرق والأحزاب والطوائف تحرض المسلمين بعضهم على بعض، وكل فرقة من المسلمين تسمي نفسها الفرقة الناجية، لتقول بلسان حالها، نحن الذي سندخل الجنة وسيدخل غيرنا النار، وهذه المقولة كاذبة، لأن الذي يحدد أهل الجنة وأهل النار هو الله في قرآنه، فليس من حق أحد أن يضع لأهل الجنة وأهل النار المقاييس والمعيار، بعد أن بينها الله تعالى في كتابه، وبعد أن بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، فالمتقون والمفلحون في القرآن مذكورون في أول سورة البقرة، فمن انطبقت عليهم المواصفات القرآنية فهم متقون ومفلحون.
قال تعالى” بسم الله الرحمن الرحيم، ألم، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين” اسمعوا من هم المتقون تعرفوا على المسلمين من خلال الوصف القرآني، ولا تصغوا إلى أحزابكم وفرقكم وطوائفكم لتحديد معنى المتقي والمسلم.
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون ، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون .
هذا هو التعريف القرآني للمفلحين، لأهل النجاة، إن شروطهم مبينة في القرآن في آخر سورة البقرة أيضا، آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ، ليس من حق أحدٍ أن يصنف أحداً إلا من خلال كتاب الله، فالكافرون الذين يكفرون بكتابٍ من كتب الله، أو يكفرون بنبي من أنبياء الله، أو يكفرون باليوم الآخر، أو يجحدون الصلاة أو الزكاة، أو يلحدون في الله وآياته، هؤلاء قد ذكرهم الله تعالى في القرآن، عندما قال لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة.
وأخبر سبحانه وتعالى أن المشركين هم أصحاب النار وعلى هذا الأساس فإن أكثر الأحزاب سواء كانت عربية أو أعجمية سنية أو شيعية، صوفية أو سلفية، أو ما شاكل ذلك من الأسماء الفرقية، هذه المدارس لم يصنعها الإسلام، بل صنعها الناس، لذلك الفرق تعتبر فرقا بدعية ما دامت لا تعتمد القرآن منطلقا لتحديد الفكر الإسلامي والمفهوم الإسلامي والإيماني.
وعلى هذا يجب أن يجتمع المسلمون مهما اختلفوا عليه من آراء اجتهادية، إنّ اختلافنا حتى الضرب لا يجوز أن يجعلنا أمتين، إن اختلافنا حتى الاقتتال، لا يحوز أن يجعلنا أمتين، فقد يختلف الأخ مع أخيه، وقد اختلف الصحابة بعد رسوله الله صلى الله عليه وسلم، فما كفّر العلماء أحدا من هؤلاء حتى الخوارج، لم يعتبروا في نظر العلماء كفرة ولا مرتدين، بل كانوا مجتهدين ومتأولين، حتى إنّ الإمام عليا كرم الله وجه، عندما سئل عن دين الخوارج هل هم كفرة؟ قال” هم من الكفر قد فروا، وهم الذين قاتلوا وكفروه بخطأهم، ما قبلَ رضوان الله تعالى عليه، أن يكفر من قاتله من المسلمين، واعتبر قتالهم له اجتهادا خاطئا.
وبذلك استمر الإسلام إلى يومنا هذا محفوظا بالفكر القرآني بالمنهج القرآني، فإذا رأيت حزبا يدرسك أفكاره ويصرفك عن القرآن، فاعلم بأنه لا يريد بك ولا بأتباعه خيرا، إن أي حزب يعلمك بغض المسلمين، حزب يخالف النصوص القرآنية، إنما المؤمنون إخوة.
نحن نكره من أهل البدعة بدعهم، ومن أهل النفاق نفاقهم، ولكن المنافقين وهم الذين كانوا يأتون رسول الله بوجهين، ويأتون الكفار بوجهين، حتى المنافقون، ما كان عليه الصلاة والسلام، يسميهم بالكفرة، بل كان يجري عليهم أحكام الإسلام، فيقبل ظاهر إيمانهم، بشهادة الوحدانية لله عز وجل، وكان يزوجهم، ويورثهم، بنصوص القرآن الكريم، لأننا لسنا مكلفين بالكشف عن بواطن الناس وقلوبهم، لأن السر لله والظاهر لنا، يقول عليه الصلاة والسلام، أو في الأثر “لنا الظاهر والله يتولى السرائر”، وقال في أسامة بعد أن قتل أحد المشركين بعد أن شهد شهادة الحق، قال “أقتلته وقد قالها ” قال اسامة”لقد قالها، تقية يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم”أشققت عن قلبه؟! ماذا تفعل غدا بلا إله إلا الله “فما زال يكررها حتى قال الصحابي الجليل ليتني لم أكن قد أسلمت بعد حتى يجبّ الإسلام خطيئتي”.
إن تعامل المدارس الإسلامية بالحقد مع المدارس الأخرى، وبعض الطوائف مع الطوائف الأخرى، مرده إلى البعد عن القرآن وهداية الله تعالى، لذلك فإننا ندعو جميع الأحزاب حكومية كانت أو شعبيةً أن تتقي الله تعالى في الأمة فلا تحارب بعضها بعضاً، من أجل الانتصار للحزب أو الفرقة أو الطائفة.
فالإسلام ليس دين فرقة أو قبيلة أو طائفة أو قومية، إنه دين الله للإنسانية كلها، والتي خلقها الله من طينة واحدة، خلقها من أجل أن تعبده وتتعبد به، أو تتعبد له، بما أنزل عليها من الشرائع والأديان، وختم تلك الرسالات بالإسلام وهو دين جميع الأنبياء.
إن تشدد فريق من الناس يقابله تشدد آخر، فالتساهل في الدين يقابله التشدد في الدين، والشدة في الخصام تقابلها شدة في المواجهة، ولا يجوز أن يتقابل المسلمون بالشدة فيما بينهم، لأن الله تعالى يصف أتباع محمد بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم.
وقد انعقد في تونس والقاهرة، مؤتمرات تبحث قضية التطرف والتشدد الديني، وقالوا عن المتشددين بأنهم يشوهون الإسلام، وأنهم يصورنه كدين إرهابي مرعب، ونحن نقول للذين اجتمعوا، إن كان المتطرفون قد شوهوا الإسلام فإنكم قد قتلتموه، والقتل أنكى من التشويه.
أنتم منعتم الإسلام عن الحياة، فقابلكم المتطرفين بالتطرف والشدة، فلو أنكم طبقتم الإسلام في حياة الأمة، لقضيتم على التطرف الذي هو ثمرة تطرفكم في كره الإسلام.
إنكم أبغضتم الإسلام وأحببتم اليهود، وتفاوضونهم على الصلح، في الوقت الذي تشنون فيه حربا كاليهود و الصرب والأميركان، على أتباع الاسلام، فكانت ردة الفعل قاسية على كل ما هو أجنبي وعلى كل ما هو نظام عربي.
فلو أنكم طبقتم الإسلام في حياتكم، وطبقتموه في حياة أمتكم، لما عاد للأصوليين من دور، ولاستطعتم أن تفقدوا المتعصبين والمتشددين تشددهم، الإسلام ضد العنف ولكنه ضد الكفر أيضا.
فإن كنتم تكرهون العنف فإن الله يكره الكفر أيضا، فلا تحملوا أقوامكم على الكفر بالله وتلوموا المتشددين الذي يغارون على الإسلام إلى حد العمى.
من أجل هذا، لا بد من خطوة باتجاه الإسلام من الفريقين، من الحكام باتجاه الإسلام القرآني الدستوري، فالإسلام منهاج الحياة و دستور الحياة، وعلى الراعي أن يطبق منهاج الله في أمة الإسلام، وعلى المتشددين أن يخطوا خطوة باتجاه لين الإسلام داخل الساحة الإسلامية، لأن الله تعالى يصف رسوله باللين، فبما رحمة من الله لنت لهم ، فأين الحاكم اللين مع أمته، فقد كان سيد قومه، ورسول الله إلى الناس، وما لجأ يوما إلى الشدة مع المسلمين، بل إنه كان لا يتميز عن أصحابه، لا بمجلسٍ ولا بمطعمٍ ولا بملبسٍ، بل كان أول العاملين مع إخوانه، بل كان يشاركهم في أبسط الأمور وأعقدها فكما كان القائد في الجهاد، كان يجمع الحطب عندما يريدون إحضار الشاة للطعام.
فأين هو الحاكم الذي يعتبر نفسه أبا للأمة وإماما لها وأبا حنونا عليها، حتى نجد من أبنائه البررة من يلتفون حوله ويبرون علاقتهم به.
وإننا لنؤكد على أن الشدة داخل المسلمين منافية لنصوص القرآن الكريم، فليس من حق مسلم أن يكره الناس على رأيه، الأحزاب الإسلامية تريد من كل الناس أن يقتنعوا قناعاتها، وأن يدخلوا في تنظيماتها، وهذا مستحيل، يستحيل أن تدخلوا الناس في زجاجتكم الضيقة، وفي أفكاركم الوضعية، ليس المطلوب من المسلمين أن يدخلوا في أحزاب صنعوها لأنفسهم، إنما المطلوب من كل المسلمين أن يدخلوا حزبا واحدا هو حزب الله، الذي نص عليه كتاب الله، ولا أقصد حزب الله الذي في الجنوب، بل أقصد حزب الله الذي في القرآن، وهو حزب يجمع كل المسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها، على اختلاف قومياتهم ولغاتهم ألوانهم وأقاليمهم، فقد أذاب الإسلام في بوتقته كل الانقسامات سواء كانت قبلية عربية أو شعوبية أعجمية، أو كانت لغوية أو لونية.
جاء الإسلام ليقول للناس، ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وجاء ليقول لهم، يا أيها الناس ادخلوا في السلم كافة، والسلم لا يكون إلا بالدخول في دين السلام وهو الله تعالى، السلام، المهيمين، المؤمن، العزيز، الجبار، المتكبر.
فإن كان حزبك يمنعك من الاتصال بالمسلمين فاخرج من حزبك، وأطلب من كل من في الحزب أن يخرجوا منه إلى سعة الإسلام، فإنه حزب الأمة كلها، إن كل تنظيم يعلمك احتقار المسلمين، ويعودك كره المسلمين، ويدعوك إلى أن تتعصب لحزبك وتنسى الإسلام، هذا حزب ضلال، وحزب انحراف، حزبك هو دينك.
لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ، وهم الغالبون أيضا.
إن النكاية التي تصيبنا من العدو، أخف من النكاية التي تصيبنا من بعضنا بعضا، إن انقسام الساحة الإسلامية إلى فرق وشيع وأحزاب وطوائف، هي التي أضعفت مواجهتنا لليهود والأميركان، إن أمة بكاملها لا تستطيع تأديب إسرائيل، هي المسؤولة عن ضعفها، هي المسؤولة عن ضعف قرارها، فهل يمكن لليهود وهم في وسط العالم العربي، وفي قلب العالم الإسلامي، وفي بيت المقدس هل بإمكانهم أن يتخذوا قرارات الهدم والقتل والتشريد ونحن عاجزون، عن تأديبهم وطردهم من بلادنا؟!.
إن الشهادة تكون ضدنا في كل الأحوال، لأن اليهود بشر مثلنا، وعندنا مالا يملكونه عندنا الإسلام الذي أمرنا أن نقاتل صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، وأمرنا أن نعتصم بحبل الله جميعاً، فما اعتصمنا ولا قاتلنا، وتركنا الأطفال الصغار يواجهون كيد اليهود بصدورهم العارية، وكل يوم يقدمون في سبيل الحق، الشهيد تلو الشهيد، فما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وأطفال فلسطين يقدمون لله تعالى الضحايا والمسلمون من حولهم يتفرجون…
هل تجدون أهزل وأضعف من هذه المواقف بعد أن ابتعدنا عن الإسلام الذي اعتبر اليهود أشد الناس عداوة للذين آمنوا، …إنها خديعة رابين الذي لا يعرف السلام مع المسلمين، بل لا يعرف إلا البغض والكره لهذه الأمة، ومن أصدق من الله حديثا.
إن سبب ذلك كله يعود إلى انقسامنا وتوحد اليهود، فاليهود على اختلاف ألوانهم، ولغاتهم، وبلادهم أصبحوا أمة واحدة، كأنهم أخذوا عن المسلمين حقيقية القوة بالوحدة، في الوقت الذي تنكر المسلمون لأسباب قوتهم، والتي هي نصوص قرآنية وليست آراء المجتهدين، ولا آراء السياسيين، إنها ثوابت القرآن، الذي أكد مقولته الخالدة في العداوة الدائمة، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوك عن دينكم إن استطاعوا.
لقد بدأ “كلينتون” عهده بغارة على جنوب العراق، في الساعات الأولى التي تسلم فيها ، شر خلف لشر سلف، أمر بمتابعة خطة “بوش” فأغاروا على الجنوب العراقي وقتلوا المواطنين الآمنين، ليؤكد الخلف للسلف، أنه على طريق العداوة للإسلام وللعرب، في الوقت الذي طارت برقيات التهنئة، بالولاية الجديد “لكلينتون” من الرؤساء العرب قبل أن يهنئ “رابين” ” كلينتون” بالولاية الجديدة.
اسمعوا المذياع تتعجبون كيف يستقبل العرب عدو الله وعدوهم بالتهاني وكيف يواجهون شعوبهم بمحاربة الإسلام والتشدد، أليست أميركا من الإرهابيين؟! أليس اليهود من الإرهابيين؟! إن كانوا من الإرهابيين يجب قتلهم فهم الإرهابيون الذيين لا خلاف عل كفرهم ولا خلاف على عدواتهم لديننا وأمتنا، أما الإرهابي المسلم، فإنه من ضيق صدره وضيق ذراعه باليهود ومن حالفهم من حكام العرب، وسواهم من الأجانب المتغلغلين في بلادنا، والمكرمين أكثر من مواطيننا. إن السائح يأتي إلى مصر محروسا محميا من كل أجهزة الدولة، في الوقت الذي يصطادون المسلم في الشارع بمجرد أن عليه مظاهر الإسلام. ثم بعد ذلك يلومون من يقتل السائح حسدا من الدلال الذي يلقاه السائح في مصر، يلقى دلالا لا يلقاه في بلده ولا في حضن أبيه أو في حضن أمه.
فإن الغيرة تقع بين الإخوة أحيانا، بين الأخت وأختها، الأخ وأخيه، لذلك أمر الإسلام بالعدل في المعاملة بين الإخوة حتى لا تنبت بذور الحسد في قلوب الأخوين، فكيف إذا رأيت الأجنبي في بلاد المسلمين والمسلم مهان في بلده مطارد كالمجرمين لأنه يدعو إلى العودة إلى دين الله وإلى أصوله وإلى القرآن الكريم.
أيها المسلمون، مهما حاولنا إلقاء المسؤولية على الأعداء، فإننا ننسى قضية هي أخطر من ذلك، ننسى العداء الذي بيننا بسبب الانقسامات الحزبية، والقومية، والطائفية، علينا أن نشن حربا على انقسامتنا على طوائفنا على فرقنا، على أحزابنا، لأنها أصبحت بديل الإسلام وعدو الإسلام.
إن استطعنا أن نحقق انتصارا على فرقتنا على شتاتنا على تشرذمنا، إن استطعنا أن نعيد روح الإسلام إلى أمتنا، وروح الأخوة إلى علاقتنا، والحب في الله فيما بيننا، نكون قد خطونا الخطوة الحاسمة في اتجاه تصفية الأعداء الذين يشمخون بأنوفهم في بلادنا، والذين ينزلون العراق بحماية عراقية رغم أنف إرادة الأمة…
هل تسمعون الأخبار، أصبح الجيش العراقي في خدمة المراقبين الدوليين، يفتش عن مستودعات الأسلحة، وعن معامل الأسلحة، وعن معامل الصناعات في العراق، من أجل أن يقدم التقارير لقوات التحالف الدولي الأميركي ليدمروها حتى لا يبقوا في العراق أي مؤسسة صناعية، أو زراعية، أو عسكرية، أو مدنية، وذلك يجب أن يكون بمرافقة العراقيين لأعداء الله من الكافرين هل سمعتم بذل في تاريخ أمتكم أشد من هذا الذل الذي وصلنا إليه؟!.
إنه بما كسبت أيدينا، إنه بما اكتسبنا بسبب كره بعضنا لبعض، وبسبب بعدنا عن أصول ديننا عن كتاب ربنا.
تحابوا في الله، و اكرهوا من يكره مسلما في الدنيا، وأكرهوا من يكره مسلما لأنه دليل على مرض في قلبه إن قلبه مريض ، إنك تستطيع أن تكره في المسلم الكذب وتنهاه عنه، تستطيع أن تكره في المسلم الغيبة الخيانة، ولكن لا يجوز أن تكره فيه الإسلام، فإنه أخوك عليك أن ترشده إذا ضل ، عليك أن تهديه إلى طريق الحق فمن يهدي أخاك إن ضل عن طريق الحق!؟.
لقد كان عليه الصلاة والسلام إن رأى أحد المسلمين يصلي خطأ ، قال ” أرشدوا أخاكم فقد ضل”، لقد كان عليه الصلاة والسلام، يعلمنا أنه إذا وقع نزاع بيننا أو بين طائفتين من المؤمنين أن لا نقف متفرجين، بل علينا أن نفكر في الصلح بينهما في الوهلة الأولى، وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما.
فأمرنا أن نقف مع المظلوم ضد الظالم ولكن ليس معنى هذا أن نتحيز لنصبح فرقتين، بل علينا في النهاية إن أرجعنا الحق إلى نصابه أن نعيد الأخوة إلى مكانها بين المتقاتلين، فإن بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فإن رجعت إلى أمر الله وأعطت الحق من نفسها للمظلوم من قبلها فإن فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين وفي النهاية إنما المؤمنون إخوة، فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون بدون إصلاح لا ترحمون.
اللهم اصلح ذات بيننا، اللهم ردنا إلى كتابك إلى أمرك وبرئنا من كل الأحزاب التي صنعناها واجعلنا كلنا حزبا واحدا يا رب، اجعلنا حزب الحق حزبك حتى لا تتفرق بنا الأحزاب، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ويا لفوز المستغفرين…
خطبة جمعة للشيخ سعيد شعبان رحمه الله تعالى بتاريخ 29/7/1413 هــ الموافق 22/ 1/ 1993م.