في جنوب الضفّة الغربية، وتحديدًا في قرية جنبا الواقعة ضمن تجمعات مسافر يطا، تضطرّ الفلسطينية خضرة الجبارين (64 عامًا) إلى ترك منزلها وزوجها الحاج علي (63 عامًا) كلّما احتاجت إلى علاج أو حقن طبية، لتنتقل إلى بلدة يطا حيث يتوافر الحد الأدنى من الخدمات الصحية.
حالها كحال مئات الفلسطينيين الذين يعيشون في المنطقة “ج” الخاضعة للسيطرة “الإسرائيلية” الكاملة، والتي تُحرم من البنى التحتية والخدمات الأساسية بفعل سياسات الاحتلال وممارسات مستوطنيه.
حرمان صحي وتضييق ممنهج
يعاني الزوجان الجبارين من أمراض مزمنة كالسكري وضغط الدم وآلام المفاصل، ويعتمدان على عيادة متنقلة تتبع لمنظمة “أطباء بلا حدود” تزور المنطقة مرة كلّ أسبوعين. غير أن جيش الاحتلال والمستوطنين كثيرًا ما يمنعون وصول تلك العيادة، ما يضطر الأهالي إلى البحث عن طرق بديلة لإيصال الدواء، أو السير لساعات في طرق وعرة وخطرة.
يقول الحاج علي الجبارين لموقع الجزيرة نت: “نسير أكثر من ثلاث ساعات ذهابًا وإيابًا إلى بلدة يطا رغم أن المسافة لا تتجاوز عشرين كيلومترًا، فقط من أجل مراجعة الطبيب أو الحصول على دواء”.
الاحتلال يعزل القرى ويمنع المساعدات
تشير منظمة أطباء بلا حدود إلى أن القرى الفلسطينية في جنوب الخليل، ولا سيما مسافر يطا، تعاني من عزلة متزايدة بفعل الحواجز العسكرية وإغلاق الطرق وانتشار المستوطنين، وهو ما يجعل الوصول إلى المرافق الطبية مهمّة شبه مستحيلة.
توضح فريدريك فان دونجن، رئيسة الشؤون الإنسانية في المنظمة، أن “رحلات المرضى إلى المراكز الصحية باتت طويلة ومهينة وغير مضمونة، وأحيانًا تنتهي قبل الوصول بسبب اعتداءات الجنود والمستوطنين”.
وفي محافظة الخليل وحدها، أفادت تقارير المنظمة بأن أكثر من 30% من المرضى توقفوا عند حواجز عسكرية في أثناء طريقهم إلى العيادات المتنقلة، فيما تعرض 15% منهم للعنف الجسدي أو الترهيب.
خنق مالي وانهيار صحي
تضيف فان دونجن أن الأزمة الصحية في الضفّة تفاقمت بسبب الخنق المالي المتعمد الذي تمارسه سلطات الاحتلال عبر احتجاز أموال السلطة الفلسطينية وفرض قيود على العمالة الفلسطينية.
وتوضح أن ذلك أدى إلى انكماش خدمات وزارة الصحة ونقص الأدوية، ما جعل المرضى يلجؤون إلى العيادات المتنقلة المجانية.
في محافظة الخليل، ارتفع معدل الإحالات الطبية من 40 شهريًا عام 2024 إلى 77 عام 2025، أي بزيادة تقارب 93%، فيما تضاعفت الأرقام خلال فترات الإضرابات الطبية.
الأمهات والأطفال الأكثر تضررًا
تؤكد المنظمة أن النساء الحوامل والأطفال من أكثر الفئات تضررًا من تدهور النظام الصحي.
فبسبب نقص اللقاحات والظروف الاقتصادية الصعبة، يتأخر الأطفال في تلقي التطعيمات، فيما تضطر النساء الحوامل إلى تأجيل المتابعة الطبية أو التخلي عنها تمامًا.
وسجّلت فرق المنظمة حالات حمل خطيرة لم تُكتشف إلا بعد فوات الأوان بسبب غياب الفحوص الأولية، ما يهدّد حياة الأمهات والأجنة على حد سواء.
نداء عاجل لإنقاذ القطاع الصحي
تدعو منظمة أطباء بلا حدود الدول الداعمة للكيان الصهيوني، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى الضغط على حكومة الاحتلال لرفع القيود المالية والإدارية المفروضة على الفلسطينيين، وضمان وصول الكوادر الطبية والإمدادات الإنسانية إلى جميع مناطق الضفّة الغربية.
وتحذر المنظمة من أن استمرار الوضع الراهن “يهدّد بانهيار شامل لقطاع الرعاية الصحية في الضفّة، ويحوّل المرض والعوز إلى أداة جديدة في سياسة الاحتلال لتهجير الفلسطينيين”.



