تسارعت التطورات السياسية في مدغشقر، اليوم الثلاثاء، بعد إعلان الجيش تولي السلطة في الدولة الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي، عقب فرار الرئيس أندري راجولينا من البلاد، في خضم احتجاجات شبابية وشعبية عارمة شاركت فيها فئات واسعة من المواطنين، وانضمت إليها وحدات من الجيش وقوات الأمن.
وقال الكولونيل في الجيش مايكل راندريانيرينا، في تصريح للإذاعة الوطنية، إن الجيش قرر “تولي السلطة” بعد دقائق من تصويت مجلس النواب على عزل الرئيس راجولينا، موضحاً أن الجيش حلّ مؤسسات الدولة كافة باستثناء المجلس النيابي الذي أقرّ قرار العزل.
وأضاف أن مجلساً عسكرياً مؤقتاً من ضباط الجيش والدرك سيتولى إدارة البلاد إلى حين تعيين رئيس وزراء لتشكيل حكومة مدنية، مؤكداً أن الخطوة جاءت “استجابة لمطالب الشعب” بهدف “إعادة النظام وضمان استمرار المرافق الحيوية”.
في المقابل، ظهر راجولينا في كلمة مصوّرة قال فيها إنه انتقل إلى “مكان آمن” حفاظاً على حياته، من دون تحديد موقعه. ونقلت إذاعة فرنسا الدولية (RFI) أن الرئيس غادر البلاد يوم الأحد على متن طائرة عسكرية فرنسية إلى وجهة غير معلومة، بموجب اتفاق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وقالت مصادر دبلوماسية إن الرئيس المخلوع فقد السيطرة على العاصمة أنتاناناريفو بعد انضمام وحدة النخبة في الجيش، المعروفة باسم كابسات، إلى صفوف المتظاهرين، وهي الوحدة نفسها التي دعمته عام 2009 عندما أطاح بالرئيس مارك رافالومانانا في انقلاب عسكري مشابه.
واندلعت الاحتجاجات في 25 أيلول/سبتمبر بسبب نقص المياه والكهرباء، قبل أن تتوسع إلى انتفاضة ضد الفساد وسوء الإدارة وغلاء المعيشة، تصدّرها شبان من جيل “زد”، رفعوا شعارات مناهضة للتبعية الفرنسية كتب على بعضها: “اخرجي يا فرنسا” و“راجولينا وماكرون ارحلا”.
وبحسب الأمم المتحدة، فقد أسفرت الاضطرابات عن مقتل 22 شخصاً وإصابة نحو مئة آخرين خلال الأسابيع الماضية.
قرارات متناقضة وفوضى دستورية
وقبيل عزله بلحظات، أصدر راجولينا مرسوماً بحلّ الجمعية الوطنية في محاولة لقطع الطريق على تصويت النواب، زاعماً أن قراره “ضروري لإعادة النظام وتعزيز الديمقراطية”، لكن البرلمان مضى قدماً وصوّت على عزله بتهمة “التهرّب من واجباته الدستورية”، ليتحوّل الصراع إلى مواجهة مفتوحة بين مؤسسات الدولة.
وتزايدت عزلة راجولينا مع انشقاق وحدات عسكرية كانت تمثّل ركيزة حكمه، في وقت اتهمته قوى المعارضة بـ”الفساد وقمع الحريات” وبمحاولة “تعديل القوانين لتمديد بقائه في الحكم”.
خلفيات اقتصادية واجتماعية
تأتي هذه الأزمة في ظل انهيار اقتصادي حاد تعيشه مدغشقر، حيث 80% من سكانها البالغ عددهم 32 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر، فيما تشهد البلاد تدهوراً في الخدمات العامة وارتفاعاً في البطالة والتضخم ونقصاً حاداً في المياه والكهرباء.
ويُعيد هذا الانقلاب إلى الأذهان سلسلة الأزمات والانقلابات التي عرفتها البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، وكان آخرها عام 2009 عندما صعد راجولينا نفسه إلى الحكم بدعم من الجيش.
ومع غياب سلطة شرعية واضحة، تواجه البلاد اليوم فراغاً دستورياً خطيراً، إذ يُفترض وفق الدستور تنظيم انتخابات خلال 60 إلى 90 يوماً بعد حلّ البرلمان، إلا أن المراقبين يشككون في إمكانية إجراء أي اقتراع قريب في ظل سيطرة الجيش واحتدام الشارع.
أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فقد عبّر من القاهرة عن “قلقه الكبير حيال الوضع في مدغشقر”، رافضاً تأكيد أو نفي الأنباء عن فرار راجولينا إلى فرنسا.