رمضان مدرسة لتقويم السلوك وتهذيب النفس موضوع خطبة الجمعة للشيخ د.بلال شعبان في مسجد التوبة 14-3-2025

تحت عنوان “رمضان مدرسة لتقويم السلوك وتهذيب النفس” ألقى الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي الشيخ الدكتور بلال سعيد شعبان خطبة الجمعة في مسجد التوبة 14-3-2025 .

وقال فضيلته تالياً الآية الكريمة “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”…

شهر رمضان هو شهر الصوم، وشهر الصوم يتحدث عنه في مختصر كتاب منهاج القاصدين المقدسي، يتحدث عن تقسيم لمراتب الصوم فيقول أن الصوم قد يكون صوماً للعوام وقد يكون صوماً للخواص وقد يكون صوماً لخواص الخواص،

*صوم العامة

فالصوم للعامة لعامة الناس عندما تسألهم عن الصوم يقول لك هو صوم البطن والفرج والامتناع عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر وحتى مغيب الشمس، ولكن صيام الخواص يضيف إلى هذا الصوم صوم الجوارح، صوم العين اللسان الأنف الأذن اليدين القدمين، في كثير من الأحيان يكون الإنسان صائماً في بطنه ولكنه لا يصوم في نظره، لا يصوم في لسانه، لا يصوم عن الاحتكار لا يصوم عن الغش، عندما يمشي يسلك في الكثير من دروب المعصية لأنه يعتقد أنه قد أدى قسطه إلى العلى بالامتناع عن الطعام وعن الشراب في نهار رمضان، فعليه بعد ذلك كما البعض يقول بعد العشاء افعل ما تشاء، فيصنع كل ما هو بعيد عن دين الله.

*صوم الجوارح

هناك صوم للجوارح، هل استطاع الصوم أن يضبط سلوكك أخلاقك أن تنال من دم إنسان؟ وهل ينعكس ذلك الصيام في حالات الناس وفي علاقات الناس اليومية؟ كثير من الناس يضغط في رمضان، ورمضان شرع من أجل أن يختبر أخلاق الناس، الامتناع عن الشراب والطعام يؤدي إلى حالة من الضغط، عندما يضغط على الزيتون يخرج منه الزيت المبارك، وعندما تضغط الإنسان يجب أن يخرج منه أجمل ما فيه، لا أن يخرج منه الرفث والفسوق والعصيان والشتائم والعدوان والقتل بدعوى أنه صائم، هذا يدل على أن جوف الإنسان ليس ذلك الجوف الذي يريده الله تبارك وتعالى له، صوم الخواص هو أن تصوم كل جوارحك، لذلك اعمل استطلاع رأي للحواس الخمس، كيف هي في رمضان هل صامت أم لم تصم؟…

*صوم خواص الخواص

نصل بعد ذلك إلى المرتبة الثالثة وهي مرتبة خواص الخواص، هي أن يصوم قلبك فلا يحب إلا الله وأن لا يسكن قلبك إلى الله وإذا أردت أن تريد أمر الله عز وجل التقوى تشرع في رمضان، كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ما هي التقوى هي الرضى بقضاء الله، والعمل بأمر الله والانتهاء عما نهى الله عنه، فيكون التوجه توجهاً ربانيا، عندما يصل الإنسان إلى هذه المرتبة يكون قد صام يكون قد صام صيام رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، الله سبحانه يقول “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن” يعني خاصية رمضان أنه شهر القرآن، سورة القدر ليلة القدر، إنا أنزلناه في ليلة القدر، ماذا أنزلنا أنزلنا القرآن في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء، لينزل على قلب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم منجماً ومقسماً وفق الأحداث وفق الغزوات وفق الأسئلة على مدى 23 عاماً، يعني عظمة ليلة القدر أنها ليلة القرآن وعظمة شهر رمضان أنه شهر القرآن، لذلك مع الصيام يجب أن يكون هناك نوع من أنواع التدبر للقرآن كما كان يراجعه صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام، لم؟ لأن الإنسان يحتاج دائماً للعودة إلى دستوره ليفهم كنه وجوده، يقول لك “وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعبدون” الغاية الأساسية العبادة، يتحدث عن القتل يقول “ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق” يتحدث عن العلاقات يتحدث عن الطاعة يتحدث عن سبب وجودك، أنت مجبر أن تقرأ وواجب عليك أن تقرأ في كل عام تلك الرسالة التي أرسلها الله تبارك وتعالى إلى الأمة إلى البشرية جمعاء عبر سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، تقرأ لتعرف سلوكك أين، تعرف الاقتصاد الزراعة الصناعة العبادة، العلاقات الداخلية الحب الكره البغض الحلال الحرام، كل ذلك تدركه من خلال القرآن الكريم، لم؟ لأن التعامي عن القرآن الكريم أورث الكثير من الأمور التي حولت حياة الناس وحياة المسلمين من حياة تقوم على حفظ الضروريات الخمس العقل والدم والعرض والمال والدين، تحولت إلى نوع من أنواع الأثرة التي يريد من خلالها الإنسان أن يحفظ ذاته ولو على حساب الآخرين، لذلك شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم “من صام رمضان إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” وفي حديث آخر من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” ما الذي لديك؟ صار لديك صيام وصار لديك قيام يعني قم الليل إلا قليلا يعني تهجد، يعني يجب أن تقوم الليل لأن الله عز وجل يتنزل في الثلث الأخير من الليل فيقول هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له، لذلك قيام الليل هو شحن لبطارية القلب الإيمانية لتنطلق في النهار، لم قم الليل إلا قليلاً؟ لأنه إنّ لك في النّهار سبحاً طويلاً، لم تشحن جوالك في الليل لأن عملك في النهار، لم تعمل قيام ليل ولم يجب أن تعمل قيام ليل ؟ من أجل أن تشحن هذا القلب بالحب.

*الصوم إيمان سلوك وعمل

بالذكر وبالتوحيد تنطلق في نهار رمضان من أجل أن تدعو الله عز وجل، لا من أجل أن تتسخط على الناس أو تقاتل الناس أو أن تفاخر على الناس أو أن تقف أمام الناس لتمنّنهم، يقول أنا صائم ولم أتسحّر، فتغلق الطريق حتى لا يرتكب مشاكل… هذا ما فهم حقيقة الصوم، هو صام صوم البطن هو كبّل كل شيء، اللهم إلا شيطان نفسه الأمارة بالسوء، لذلك من قام رمضان وصام رمضان وقام ليلة القدر، صار عندنا صيام وقيام وقيام ليلة القدر ثم بعد ذلك تقرأ بعض آيات الصوم وهي متتابعة، يقول لك “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون” الدعاء هو العبادة، الدعاء أن تطلب من الله عزّ وجلّ، الرسول عندما علّم الغلام قال “يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، إذا استعنت فاستعن بالله” توحيد يربطه بالله تبارك في علاه وحده دون سواه… وماذا عن الأزمات والمشاكل؟ يقول له “واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وطويت الصحف رفعت الأقلام وجفت الصحف” هذا يدلك على أن تتعلق بالله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

يجب أن يتعلق الإنسان بالله وحده دون سواه، لذلك الضار هو الله النافع الله المعطي المانع هو الله المحيي المميت هو الله عز وجل، لذلك في الإطار السياسي لا أمريكا تقتلك ولا تمنعك، القتل والحياة والموت بيد الله، لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ولا يستأخرون، الدعاء في رمضان يحولك من حالة تتكل على الناس في المساعدات من الوزراء والنواب ومن وكالات التنمية ومن الدول العربية التي ترمي لك الفتات لتتحدث بعد ذلك عن خيرهم عن فضلهم عن عطائهم، وفي المقابل أنت شريك في الماء والشراب وفي النفط وفي الثروات، كما قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم “الناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلأ” الدعاء يردك إلى حقيقة صلتك مع الله عز وجل وحده دون سواه، عندما تنطلق أيضا في رمضان، وفي آيات القرآن تصل إلى آية “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وأنتم تدلون بها إلى الحكام”.

*الصوم سموّ عن المادة

عندما يستخدم الإسلام والقرآن تعبير “ولا تأكلوا أموالكم” المال لا يؤكل هو ورقي، وفي زمن الرسول كان المال معدنياً، لم هذه الآية، لأن أكل أموال الناس من المفطرات، عندما تورد هذه الآية بسياق الصوم، يقول لك تصوم عن المال الحرام يجب أن تصوم عن أكل أموال الناس بالباطل، هذا نوع أساسي من أنواع الصيام، يضعك في هذا الإطار الذي يستطيع الإنسان من خلاله أن يحقق الصوم الذي أراده الله تعالى منه، في الخلاصة لا تعتقد أن الصوم امتناع عن الطعام والشراب فقط، الصوم هو سلوك حياتي متكامل يدفعك ببعدك عن الطعام والشراب إلى أن تقف في وجه كل المشاريع الدنيوية التي تريد أن تحط من قدرك السماوي، من أجل أن تنطلق في حالة إيمانية عامة، فلا تشتم ولا تمتدّ يدك إلى حرام، سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ومن باب الأولى أنت عندما تمتنع عن شرب الماء في نهار رمضان لأنه مفطر فيجب أن تمتنع عن دم الناس لأنه مفطر ويخرج ليس من الصيام يخرج من الإيمان يخرج من الدين “وقتاله كفر” هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم، في القرآن الكريم الله يقول “من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا” فتأتي إلى مفهوم الأولى، مفهوم الأولى يعني من باب أولى عندما تمتنع عن الشراب الحلال يجب أن تمتنع عن الدم الحرام، عندما تمنتع عن الخبز الحلال في نهار رمضان يجب أن تمتنع عن أكل الحرام في نهار رمضان وفي سائر الشهور والأيام، عندما تمتنع وتضبط أعصابك “فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم، فمن باب الأولى أن لا تمتد يدك إلى ما هو أكبر من ذلك، هذا الصيام هو الذي يصقل شخصية هذا الإنسان هذا الصيام الذي تتغلب فيه على نفسك الأمارة بالسوء هو ذلك الصيام الذي يدفعك في النهاية إلى التغلب على أعدائك، أما إن سقط ورسب الإنسان في الامتحان الابتدائي الإعدادي الذي هو امتحان محاربة النفس الأمارة بالسوء داخل قلوبنا، وداخل أنفسنا، قطعاً لن تستطيع أن تتغلب على عدوك فهي معركة مع النفس الأمارة بالسوء، اللهم اجعل نفوسنا طاهرة يا رب آمنة مطمئنة.

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه..

فإن كنتم مرضى أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، الإسلام يبتنى على التخفيف وعلى التراحم ولا يبتنى على التشدد الذي يتشدد فيه الإنسان ولا على التعسير، رسول الله يقول “يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا” ويقول لا يجمع الله على عبده مشقتين، ففي السفر يعني الصوم في رمضان أثناء السفر يقول عنه سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم “ليس من البر الصيام في السفر” لأنه يجمع مشقتين مشقة الصوم ومشقة السفر، في فتح مكة عندما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت في شهر رمضان الكثير من الصحابة الكرام استمروا على صومهم وعندما وصلوا إلى مشارف مكة أنهكوا قبل الغروب أيما إنهاك، تساقطوا والحرارة فوق الأربعين، فأسرع المفطرون ليقوموا برعاية كل أولئك الذين سقطوا، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، يقول ذهب المفطرون بالأجر كله، أجر الصيام وأجر خدمة الناس ذهب بها كل أولئك الذين أخذوا بالرخصة، وبعض العلماء يقول الإفطار عزيمة وليست رخصة إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه، اعتبروا القصر في الصلاة أو الإفطار نوع من أنواع العزيمة يجب أن يأخذ الإنسان بها ليقتدي بسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، التيسير لا التعسير في البيت في الشارع في كل مكان، في كل نواحي الحياة، فالأجر على قدر المشقة، دخل ثلاثة نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وجدوه فسألوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جلس الثلاثة كل أقسم وآلى على نفسه فقال الأول فأقوم ولا أنام، فقال الآخر أما أنا فأصوم فلا أفطر وقال الآخر أما أنا فلا أقرب النساء، ثم انطلقوا فلما رجع رسول الله أخبر بما قالوا، فسأل هؤلاء الثلاثة في المسجد ما الذي دفعكم إلى ذلك قالوا نريد أن نصل إلى مرتبتك ومكانتك عند الله، وقال “أما أنا فأنام وأقوم وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني” سمى الزيادة رغوبا عن السنة.

هو رمضان هو شهر الطاعة هو شهر العبادة هو شهر الإحساس بالآخرين هو الشهر الذين يجب أن نحس فيه بغزة بجوعها بأهلها وقد منعوا حتى من إدخال الماء، يموتون ببطء ونحن ننتظر مدفع الإفطار ولا ننتظر مدفع الوقوف والذود عن غزة، نحن في عز رمضان نبحث كيف نختلف في طرابلس فيما بيننا على أولويات السير، وفي الإقليم فيما بين سوريا والعراق والأردن ومصر، نبحث كيف نختلف فيما بيننا وقد وحدنا هلال رمضان على صيام واحد، لذلك القضية تحتاج إلى مراجعة حقيقية لمعنى الصوم لغاية الصوم لفهم الصوم لكنه الصوم، حتى نكون من الصائمين الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم الذي قال عنهم “الصوم لي وأنا أجزي به” حتى ندخل من باب الريان، رسول الله يقول إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، فاللهم تقبل صيامنا وقيامنا واجعنا من عتقاء شهر رمضان، اللهم فرج عن أهلنا في غزة يا رب العالمين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *