ألقى الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي فضيلة الشيخ الدكتور بلال سعيد شعبان خطبة الجمعة من على منبر مسجد التوبة في طرابلس – لبنان، وذلك بتاريخ 29 شعبان 1446 الموافق لـ 28 شباط 2025 وكان موضوعها “رمضان بين الشكل والجوهر وبين المظهر والمخبر”.
وقال فضيلته:
*العبادات بين الشّكل والجوهر: الصيام نموذجاً
“إنه شهر رمضان شهر الطاعة وشهر الله عز وجل هو شهر ترفع فيه الأعمال. أعلن قدومه ووصوله من أجل أن يمحو آثامنا ومن أجل أن يمحو ذنوبنا ومن أجل أن يرفع قدرنا فشهر الصيام هو شهر الطاعة والعبادة والتقوى… فأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من صوامه وقوامه، إنّه سميع قريب مجيب الدعوات.
أيها الإخوة الكرام… لطالما تحدّث الناس عن فقه الصوم عن فقه الصلاة وعن فقه الوضوء، والناس شركاء في هذه المعرفة وفي هذا الفقه، فأنت اليوم توضّأت وأتيت لتجلس بعد ذلك للصلاة، والناس يصلون الصلوات الخمس ويصلون النوافل ويعرفون كل هذا الفقه والصوم، حديث الناس عن الصوم وعن أهميته، الصوم هو من طلوع الفجر الصادق حتى مغيب الشمس، يعرفه الناس، الصوم هو أن يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب وعن الجماع في نهار رمضان يعرفه الناس، ضرورات الصوم يعرفها الناس، ولكن كثير من الناس يعرفون شكل الصوم دون جوهره دون غايته، يعرفون شكل الصلاة دون التحول إلى تطبيقها، فكل الطاعات وكل العبادات لها شكل ومظهر ولها مخبر وجوهر، شكل الصلاة يبتدئ بالتكبير وينتهي بالتسليم، شكل الصيام يبتدئ بالإمساك مع طلوع الفجر حتى مغيب الشمس، ولكن جوهر الصيام هو التقوى، جوهر الصيام ووظيفة الصيام هو الامتناع عن أكل الحرام وعن الزور وشهادة الزور، وعلى المستوى السياسي أو أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو على مستوى العلاقات، الإفطار هو أن يفطر الإنسان وأن يصوم وهو بعيد كل البعد عن المال الحرام، هذه الأمور يجب أن يدركها الناس.
*لتحويل رمضان لثورة مجتمعية توحّد الأمة بهلالها الواحد
كثير من الناس يستعدون من أجل رمضان بأن يأتوا بالتمر من أجل أن يفطروا على التمر، ويستعدون للإفطار بتهييء حصة غذائية من أجل هذا الشهر، كل ذلك يدركه الناس، ولكن تحويل شهر رمضان إلى ثورة مجتمعية، تحويل رمضان إلى ثورة من أجل أن توحد الأمة بكليتها، هذا ما يجب أن يسلك فيه الناس، اليوم مساء يجلس الناس قبيل الغروب وينظرون صوب غروب الشمس بمقدار رمحين ليروا هلال رمضان، ليثبت بعد ذلك رمضان هو يوم السبت أو يوم الأحد، ولكن هل تدرك أن هذا الهلال يعبر كل الدول الدنيا ليعلن صياما واحداً لأمة واحدة ربها واحد؟! هل تدرك أن هذا الهلال يعبر متجاوزاً كل الحدود السياسية المصطنعة فيما بيننا ليعلن أننا أمة واحدة؟! هل تدرك أن هذا الهلال يعبر كل هذه الدنيا من أجل أن يوحد فيما بين قبائلنا وأشكالنا وألواننا حتى لا يبقى فقير ولا مستضعف ولا مظلوم؟! هل تدرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم بحاله“؟!
*رمضان سلوك إيماني يتعدّى المادة والشكل والمظهر إلى الجوهر والمخبر
رمضان هو في جوهره من أروع الوظائف التي تزرع في سلوكك وفي أخلاقكك سلوكاً إيمانياً إنسانياً واحداً يدفعك من أجل أن تكون رقماً على هذه الدنيا، رمضان يضع لك موطأ قدم تحت عين الشمس، لتكون أمة واحدة لا يعنيها الطعام ولا الشراب، وإنما تستعلي على المادة، لأنك أقوى، لأن الإنسان المسلم المؤمن سخّر الله تبارك وتعالى له كل ما في هذه الدنيا، فالطعام ليس هو الذي يحسن مزاجك، ورشفة القهوة ليست ما يعدل سلوكك، الذي يعدل سلوك الكون هو ذلك السلوك الإيماني الذي نؤمن به جميعاً من أجل أن تنتظم الدنيا بكليتها، حتى لا يبقى ظالم. فمشروع رمضان ليس صلاة للنفل لذاته لشكله، وإنما النفل من أجل أن تتقرب إلى الله عزّ وجلّ “وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينّه ولئن استعاذني لأعيذنّه” نحن في أدنى دركات المجتمع والمستوى السياسي العالمي اليوم. أمة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم تحتاج رمضان التطبيقي لتعود خير أمة أخرجت للناس، اليوم نحن لا نمتلك شيئاً، نحن نمتلك كل تلك العبادات الشعائرية، فيعتقد أحدنا أنه باعتقادته بعقيدته بلحيته بثوبه بمسواكه بصلاته بتبتله نقطة على أول السطر دون تطبيق أنه يتقرب إلى الله عز وجل. والله عز وجل يقول غير ذلك في القرآن الكريم، يحدّد لك وظيفة الصلاة كما وظيفة الصوم ورسول الله يخالف ما نعتقده في حديثه الشريف، كيف؟ الله عز وجل يقول “أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر” أليس كذلك؟! الصلاة التي تبدأها بالتكبير وتنهيها بالتسليم تنهاك عن الفحشاء والمنكر على مستوى العلاقات الدولية أو الإقليمية أو المحلية ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر” أي الذي لا تهذّب الصلاة ولا الصيام ولا الحج سلوكه “من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكرلم يزدد من الله إلا بعدا” لذلك اجمع مع التراويح تقوى الله، اجمع مع الصيام الخوف من الله، اجمع مع الصيام التكافل الاجتماعي، لا يكفي أن تكون لك لحية حتى أدعي حقيقة الإيمان وقلبي يكون خاليا بشكل كلي من التقوى من المخيفة من الله عزّ وجلّ… إياك أن تستعلي على الناس بشكلك وبمظهرك وبثوبك الملتزم مظهرياً بالسنّة، وأنت تقف مع المثبّطين ومع المتخاذلين ومع كلّ أولئك المرجفين، إياك أن تعتقد أنك تمتلك عقيدة صحيحة، وأنت من حيث تدري أو لا تدري مشي مع المغضوب عليهم والضالين.
حقيقة الدين وجوهر الدين والإيمان أن تسلك سلوكاً دينياً إيمانياً يعيد الوحدة للأمة كما وحدها هلال رمضان في صيام واحد رغماً عن كل الدول، إياك أن تعتقد أن الصيام يجب أن يكون صياما مجردا عن الحقيقة عن حقيقة معاني الإيمان وحقيقة معاني الوحدة في ما بيننا، لذلك هذا الشهر بعد طوفان الأقصى بعد شلال الدم بعد جبهة الإسناد هذا الرمضان يجب أن يكون رمضانا مختلفا، رمضانا مختلفا بحقيقته بجوهره بمعناه بكنهه، بما أراده الله تبارك وتعالى فيه.
*الزور زور سياسي واقتصادي وفي العلاقات
أيها الإخوة الكرام
تقرأ حديث “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه” كثير من الناس تسألهم عن الزور، يقول لك الزور هو أن تذهب إلى المحكمة لتشهد على أخيك بغير الحق، لتشهد بالباطل، هذا جزء من الزور على مستوى المحاكم المدنية والشرعية، ولكن هناك زور سياسي واقتصادي هناك زور في العلاقات هناك زور اجتماعي، كل هذا الزور يجب أن تبتعد عنها “والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما” ضعوا الإسلام في إطاره الأرحب والأوسع.
اللهم بلغنا رمضان واكتب لنا فيه أجر الصيام والقيام إنك سميع مجيب الدعاء يا رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
*سنّة التدافع وضرورة الحذر من محاولات التغيير والتبديل
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه…
أيها الإخوة الكرام
يقول ربنا تبارك في علاه “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” خيرية هذه الأمة هي بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر وخيرية هذه الأمة بالتدافع، فالله تعالى يقول “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” التدافع هو الجهاد وسنّة التدافع هي الجهاد الذي يجهد فيه الإنسان من أجل أن يحافظ على دينه، يحافظ على مقدّساته على النفس على المال على العرض، وفي آية أخرى “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسد الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين” ما نعيشه اليوم، أيها الإخوة الكرام، هو حالة من حالات الردة السياسية التي يريد من خلالها مشروع الكفر العالمي أن يسقط أمتنا اليوم أمام ما جرى ويجري في غزة، وما يجري في لبنان وما يجري في المنطقة، تستشعر أن هناك محاولة للتبديل وللتغيير الكلي الذي يريد من خلاله الأمريكي أن يبسط سطوته على المنطقة، تطلق يد الكيان الغاصب بقصف سوريا باحتلال سوريا، ليقصف المحافظات دون أن يتحدث أحد دون أن ينبس أحد ببنت شفة، يقصف في شمال لبنان إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه برعاية الضامن الأمريكي، يسعى من أجل بسط نفوذه وسلطته على كل العالم العربي، يفرض ضريبة هنا خوّة هناك ترليون… هذا بعيد كل البعد عن الكرامة التي أكرم الله تعالى بها قومنا، لذلك يجب أن يكون هناك فهم حقيقي لما يجري من أجل أن نتحرك، أحيانا كثيرة من حيث تدري أو لا تدري تدور في فلك مشروع الكفر العالمي، بحجة المحافظة على الدين والعقيدة الصحيحة، والعقيدة الصحيحة هي التي تستطيع أن تقف من خلالها في وجه المغضوب عليهم والضالين “لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم” اليوم عندنا نوع من أنواع التماهي مع أمريكا ومع ممثلي أمريكا في بلادنا، ما يجري هو إطلاق وعلوّ كبير لهذا الكيان الذي بات يفرض سطوته ويقول لن نخرج من جنوب لبنان ولا من جنوب سوريا ويمني نفسه بطرد أهلنا الفلسطينيين في الضفة إلى الأردن، ومن غزة إلى مصر، وكثير من الناس اليوم يدرسون الموضوع إن جاز التعبير، ويتعاطون على خلفية أي شيء؟ على خلفية مذهبية أو معنا أو ضدنا.
إن يكن منا نغطي فاضحا من سقطاته أو يكن من غيرنا يا ويله من هفواته
هذا لا يتماشى مع مشروع الدين في حال من الأحوال المطلوب بكل بساطة أن ينظر الإنسان إلى القرآن الكريم ليقرأه في شهر رمضان في شهر الصيام في شهر القرآن ليدرك من هو العدو ومن هو الصديق لينطلق، الصراعات الداخلية التي تجري من هنا أو هناك تبقى خصومات داخلية والخصومات تحل وفق الحديث النبوي الشريف “لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” ولكن العداء الأبدي الدائم الذي حدّده القرآن، لا يجوز لك في حال من الأحوال أن تتجاوزه أو أن تلتف عليه من أجل أن تبني مشروعك، مشروع الكفر العالمي لا يفرق فيما بين ألواننا ولا أعراقنا، هو يحاول أن يستميل من ههنا من أجل أن يضغط هناك، ولكن في النهاية يريد أن يقيم مشروعه.
*رمضان شهر الجهاد والفتح يحذونا ويدفعنا للتحرّر
نحن اليوم على بوابات دولة إسرائيل الكبرى والعلو الكبير الذي يتحدثون عنه وكثير من الناس اليوم قد يلتزم وقد يعنيه جزئيات الطاعة والعبادة، ولكن حقيقة هذا العلو الكبير الذي يجب أن نقف في وجهه لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد لأنه ثقف ثقافة بعيدة عن القرآن وبعيدة عن الدين، عندما تتحدث عن وقف إطلاق النار وعن حصرية السلاح وعن أحقية المواجهة وعن أحقية اتخاذ القرار، وعن مفهوم الضعف وعن مفهوم القوة، وعن مفهوم الإعداد الاستراتيجي وعن مفهوم وأعدوا، لتبقى بعد ذلك 75 سنة تنتظر هذا الكيان الغاصب وهو يسومنا سوء العذاب، رمضان يأتي ليقول لك رمضان هو شهر الجهاد هو شهر الفتح هو شهر حطين يجب أن تدركوا كل ذلك من أجل أن ننطلق، نحن على مفترق طرق إما أن يبقى الكيان لمئة سنة قادمة وإما أن ننهض جميعا كعبر وكمسلمين بكل أطيافنا بكل مذاهبنا، من أجل أن نزيل هذه الغدة السرطانية، وعندما تزال والله لن يتحدث أحد مع أحد لا عن دينه ولا عن عرقه ولا عن ملته ولا عن مذهبه ولا عن لغته، الذي زرع كل ذلك في ما بيننا هذا الكيان والكفر العالمي الذي يريد أن يسلب منك كل شيء.
إياك أن تعتقد أنك أنت مقبول في مكان من الأمكنة والآخر غير مقبول، النعاج البيضاء والسوداء ستلتهم بشكل كلي، سيتعاطى مع الجميع، أحد الرواة يكتب عن هذه الفرقة داخل أمتنا ممثلا بالأغنام، يقول:
دخل ذئب إلى مزرعة النعاج فأكل نعجة بيضاء ففرحت النعاج السوداء، ثم دخل فأكل نعجة سوداء فقالت النعاج البيضاء إنه ذئب عادل، وما زال الذئب يمارس عدله فينا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ونحن مطمئنون إلى أنه الظلم في السوية هو عدل في الرعية وأحسن الأمريكي حينما قتل من ههنا ومن ههناك، أحدث حالة من حالات التوازن.
استيقظوا قل له وأنتم تتحدثون عنه: إذا دانَتْ لَكَ الآفـاقُ، أو ذَلَّـتْ لَكَ الأعنـاقُ، فاذكُـرْ أيُّهـا العِمـلاقُ، أنَّ الأرضَ لَيْسـتْ دِرْهَمـاً في جَيْبِ بِنطـالِكْ، وإنْ ذَلَّلتَ ظَهْـرَ الفِيلِ تَذليـلاً، فإنَّ بَعُوضَةً تَكْفِي لِإِذْلَالِكْ.
يجب أن تتحرّك من أجل أن تحطّم كل هذه المشاريع، ورمضان هو البوابة، رمضان هو بوابة ومدخل لفهم الدين لفهم الصيام لفهم الطاعات لفهم العبادات، لذلك تسلحوا في رمضان واستعدّوا في رمضان ورمضان هو شهر ترفع فيه الأعمال، هو شهر ترفع فيه الأعمال وتكتب فيه الآجال، فيه ليلة خير من ألف شهر، عسى أن تكون ليلة انتصار بعد إعدادنا وبعد تكاملنا.