قال المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس الإسرائيلية” عاموس هرئيل: “أجرى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش مقابلة إذاعية، صباح أمس الاثنين، مع راديو “كان” التابع لهيئة البث “الإسرائيلية”. وكعادته في “الحساسية الإنسانية” التي تميّزه، أوصى سموتريتش جنود الاحتياط بالاستعداد لاستدعائهم قريبًا للخدمة مرة أخرى؛ لأن “إسرائيل” ستعود في وقت قصير لمحاربة حماس في قطاع غزّة”.
وفقًا لـــــ”هآرتس” ” غرق وزير المالية، في اليوم السابق، خلال خطابه في “لوبي أرض إسرائيل” في “الكنيست”، في حسابات معقّدة. لكنها، من وجهة نظره، تبعث على الدفء، من قبيل عدد الفلسطينيين الذين يمكن تشجيعهم على الهجرة من القطاع، كأن يرحّل 10,000 شخص يوميًا، على مدار سبعة أيام في الأسبوع”. وبحسب الصحيفة، يبدو أنه يعدّ هذه الخطوة مسألة إنقاذ حياة، ما يتيح العمل حتّى في أيام السبت. وفي محادثات أجراها مؤخرًا مع عائلات الأسرى لدى المقاومة في غزة، أوضح سموتريتش أنه، بقدر ما يتعلق الأمر به، لن يُسمح بانسحاب الجيش “الإسرائيلي” من محور فيلادلفيا، أو الخروج من المحيط الأمني في القطاع، أو أي خطوة قد تُفسَّر على أنها إنجاز لحماس.
يضيف هرئيل: “يبدو أن سموتريتش يعيش في عالم خاص به. حتّى الآن، باستثناء منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، عندما فشل في منع المرحلة الأولى من صفقة الأسرى التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن هناك فرق جوهري بين موقفه وموقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لكن الأمور تزداد تعقيدًا بالنسبة إليه الآن؛ فعندما تقدم الإدارة الأميركية مسارًا يبدو أنه قادر على إنهاء الحرب وإعادة 59 أسيرًا متبقين، أحياءً وأمواتًا، من غزّة، فأي جزء من الجمهور “الإسرائيلي”، وكم عدد جنود الاحتياط، سيبقون مع سموتريتش؟” يسأل هرئيل.
وبحسب الصحيفة، تشير جميع الاستطلاعات إلى دعم ثابت بنحو 70٪ من “الرأي العام”، لاستكمال “صفقة” الأسرى حتّى لو تضمنت تنازلات كبيرة لحماس. ولأول مرة، يبدو أن هناك خطرًا يتمثل في أن بعض جنود الاحتياط لن يستجيبوا لاستدعائهم للخدمة إذا كانت العودة للحرب موضع جدل هذه المرة. حتّى الآن، في العديد من الوحدات، يحضر فقط نحو نصف الجنود في الآونة الأخيرة، ويحاول الجيش التعتيم على ذلك بطرائق مختلفة.
وتابع هرئيل: “يظل الجيش “الإسرائيلي” ملتزمًا بإعداد الخطوات العملياتية في حال انهيار المفاوضات واستئناف القتال. هذا ما يفعله الآن رئيس الأركان إيال زمير. لكن النقاش السياسي عن سيناريو العودة للحرب، والذي يقوده سموتريتش وأمثاله، يعكس التجاهل التام للضغوط التي يتحملها جنود الاحتياط والجيش النظامي. الوزراء ببساطة يتجاهلون هذا الأمر، أو ربما يعتقدون أن رؤيتهم المشكوك فيها بشأن إعادة مستوطنة “غوش قطيف” وتهجير الفلسطينيين – وهي الأهداف الحقيقية لليمين المتطرّف في الحرب- ستبرر أي تضحية حتّى في نظر معظم الجنود”.
ووفقًا لتقديرات جيش الاحتلال “الإسرائيلي”، من المتوقع أن يزداد الضغط على الجيش النظامي بشكل خاص، وذلك بسبب متطلبات الحرب في غزّة، والحاجة إلى تعزيز “الأمن” على الحدود لمنع “هجوم” آخر مشابه لهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، والمتطلبات الجديدة الناجمة عن قرار الاحتفاظ بقوات داخل أراضي الدول المجاورة، في مرتفعات الجولان وجبل حرمون السوري وجنوب لبنان.
بحسب هرئيل، كل هذه الخطط تُصاغ مع إدراك أن المستوى السياسي الحالي لا ينوي إلغاء الترتيب السياسي مع الأحزاب “الحريدية”، والذي يضمن استمرار إعفاء ناخبيها من الخدمة العسكرية، حتّى لو كان من الصعب تمرير التشريعات المطلوبة لذلك بسبب الانتقادات العامة. الحلول التي يقترحها الجيش، مثل إنشاء لواء “حريدي”، غير فعالة. عمليًا، لا يوجد في هذه المرحلة تغيير جوهري في عدد “الحريديم” الذين يتجندون للخدمة العسكرية.
وأردف المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”: “في هذه الأثناء، تحاول “إسرائيل” فهم دلالات التحرك الجديد للولايات المتحدة—إقامة قناة مفاوضات خلفية وسرية مع حماس من خلال مبعوث ترامب آدم بوهلر والتصريحات المفاجئة التي أدلى بها بوهلر في مقابلات مع وسائل الإعلام الأميركية و”الإسرائيلية”. يبدو أن الإدارة الأميركية حاولت التراجع، يوم أمس، بسبب الغضب داخل حكومة نتنياهو. وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو قال إن محادثات بوهلر مع حماس كانت “حالًا استثنائية لمرة واحدة”. كما قال نتنياهو ومستشاره المقرب الوزير رون ديرمر للوزراء “الإسرائيليين” إن بوهلر يُسبب ضررًا، وإن ترامب ومبعوثه الأرفع ستيف ويتكوف يتحفظان من الخطوات التي اتّخذها”.
مع ذلك، من الواضح أن الرئيس الأميركي لا يزال يأمل في التوصل إلى “صفقة”، ومن غير المرجح أن يرى أن الطريق الوحيد لتحقيقها هو من خلال إعادة احتلال “إسرائيل” لغزّة. وترامب يواصل تهديد حماس بدعم عملية “إسرائيلية” مؤلمة، لكنّه لا يُغلق الباب أمام اتفاق محتمل لإتمام صفقة الأسرى. والتهديد العسكري “الإسرائيلي”، كلما كان أكثر إقناعًا قد يخدمه في حال سعى إلى الحصول على موافقة حماس. وويتكوف قال، يوم أمس: “نحن بحاجة إلى موعد نهائي لإنهاء المفاوضات بشأن الصفقة”.
المقترحات التي يقدمها الأميركيون والخطة المصرية التي نوقشت في القمة العربية في القاهرة الأسبوع الماضي، ما تزال تدور حول الحلول نفسها: وقف إطلاق النار وإعادة جميع الأسرى وانسحاب “إسرائيلي” كامل من القطاع (باستثناء السيطرة غير الواضحة على المحيط الأمني القريب من السياج الحدودي)، والتفاهمات بشأن إعادة إعمار القطاع.
كما أشار إلى أنّه: “يواصل رجال ترامب طرح، وحماس لا تستبعد بالضرورة، ترتيبات تشمل تخلي الحركة عن سلطاتها المدنية في القطاع. مثل هذا الترتيب من المفترض أن يشمل تمويلًا من دول الخليج وتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية من دون مشاركة حماس، ووجود قوات عربية في القطاع، ودور معين للسلطة الفلسطينية. في هذه القضية الأخيرة، يظهر نتنياهو أشد معارضة”.
ولفت هرئيل إلى أنّه: “من أجل تحقيق كلّ هذه الأهداف، من المهم للأميركيين الحفاظ على وقف إطلاق النار وإعادة المزيد من الأسرى إلى ديارهم، حتّى لو تم ذلك على مراحل. في الوقت الحالي، ما يزال هذا الهدف صعب المنال، على الرغم من الخطوة المفاجئة من المبعوث بوهلر. ولكن حتّى الآن، يبدو أن الإدارة الأميركية لم تتخلَّ عن هذا الخيار. أمام أعينها تقف أيضًا سابقة ناجحة نسبيًا لتسوية تستمر حتّى الآن، على الرغم من جميع الخروقات والعقبات، وهي وقف إطلاق النار بين “إسرائيل” ولبنان”.