في الذكرى الـ 107 لوعد بلفور المشؤوم: التونسيون يتظاهرون أمام السفارة الأميركية

تتواصل التحركات الشعبية التونسية المساندة للمقاومة في لبنان وفلسطين في أماكن مختلفة من البلاد، بما في ذلك العاصمة التي تضم سفارات أجنبية لدول مساندة وداعمة وشريكة للكيان الغاصب في إجرامه. ومن ذلك سفارة الولايات المتحدة، حيث يشهد محيط هذه السفارة في العاصمة التونسية باستمرار تجمعات لمحتجين على السياسات الأميركية في غرب آسيا (الشرق الأوسط) بوجه عام وللمشاركة الأميركية المفضوحة، والتي لم تعد خافية على أحد، في العدوان على كلّ من لبنان وفلسطين.

الوقفة الدورية

في هذا الإطار، انتظمت الوقفة الاحتجاجية الدورية عدد 55 لمساندي المقاومة في تونس أمام السفارة الأميركية في العاصمة بمشاركة حزب الوطد التونسي وذلك دعمًا للمقاومة ولصمود الشعبين الفلسطيني واللبناني. وقد ندّد المتظاهرون بالعدوان الصهيوني الغاشم وبالمجازر الجماعية التي يقوم بها الكيان الغاصب، خصوصًا في قطاع غزّة، وبالاغتيالات التي يرتكبها في لبنان وفلسطين وخارجهما، وبالتورط الأميركي المباشر مع الكيان الصهيوني في هذه الحرب التي تستهدف الشعبين اللبناني والفلسطيني.
لقد اتفق المنظمون والمشاركون، في هذه الوقفة الاحتجاجية، على مواصلة وقفتهم من خلال الدخول في اعتصام كامل الليلة الفاصلة بين السبت والأحد، وذلك مناسبة ذكرى وعد بلفور المشؤوم الذي تمّ في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 1917. وكان التونسيون قد تظاهروا في وقت سابق، وبعد بدء العدوان على غزّة مرات عديدة أيضًا أمام السفارة الفرنسية بسبب الموقف الرسمي الفرنسي المخزي من الإبادة الجماعية التي تحصل في قطاع غزّة وتستهدف الشعب الفلسطيني.

من بلفور إلى “طوفان الأقصى”

أكد ممثل الجبهة الشعبية في تونس عابد الزريعي، في كلمته في “ليلة الرباط” أمام السفارة الأميركية، أنّ الذكرى 107 لوعد بلفور تأتي في ظل لحظة تاريخية فاصلة عنوانها الأساس معركة “طوفان الأقصى” بكل ما حققته من إنجازات وتواجهه من تحديات وتفرضه علينا من مهام. وتابع قائلًا: “لذلك نحيي وعد بلفور ليس من أجل الترف على الحدث التاريخي فقط، وإنما من أجل فهم حاضرنا وتأمين مسارنا نحو المستقبل”.

كذلك تطرق الزريعي إلى وعد بلفور، في سياقه التاريخي الوثائقي، والمتمثل بخمس وثائق رئيسة صدرت على مدى 30 عامًا من 1907 إلى 1937 (كامبل بنرمان ـــ اتفاقية سايكس بيكو ــ وعد بلفور ــ صك الانتداب البريطاني ــ تقسيم لجنة بيل)”. ويشير إلى أن هذه الوثائق هي: ” أولًا: الوثيقة التنظيرية: كامبل بنرمان 1907: صدرت وثيقة كامبل في العام 1907. نتيجة لمؤتمر لندن الذي عقد في العام 1905 بدعوة من حزب المحافظين البريطاني، وترأسه رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل بنرمان وضم الدول الاستعمارية في ذلك الوقت وهي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وشارك فيه نخبة مفكرين ومتخصصين (استمر المؤتمر لعامين) أكّدت استمرار السيطرة على المنطقة وذلك بإقامة حاجز بشري غريب في قلبها، وبذلك وضعت هذه الوثيقة الأسس النظرية لزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي”.

الوثيقة الثانية هي التمهيدية سايكس ــ بيكو 16/5/ 2016: جاءت في سياق تقاسم الدول الاستعمارية لمناطق النفوذ. ونصت على أن يكون نصيب فرنسا كلّ من سورية ولبنان والموصل. ونصيب بريطانيا بغداد والبصرة والخليج العربي. لقد ترتب على هذه العملية مسألتان:
أ ـــ قسمت الجغرافيا والديمغرافي.
ب ـ تعليق مصير فلسطين باستثنائها من التقسيم ـ وضعها تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا. مع النص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا، وهي مسألة أساسية تفتح الطريق لخلق الظروف اللازمة للوثيقة التحويلية. أما الوثيقة التحويلية الأولى في إعلان بلفور 2/11/ 2017: يتحدد مجال اشتغاله في الجغرافيا المستثناة من اتفاقية سايكس بيكو. والمنوط به تحويلها باعتماد آلية التقزيم والتضخيم الديمغرافي

كذلك كان التغيير في مستويين:
أ ـ تضخيم عدد اليهود الذين كان عديدهم 5 بالمئة من السكان وعدّهم شعبًا، وتقزيم عدد الشعب الفلسطيني وعدّه مجرد طوائف دينية. بــ تغيير سمة الجغرافيا الوطنية وسلخها من طابعها العربي، وذلك بتحويل فلسطين من وطن للشعب الفلسطيني إلى وطن قومي للشعب اليهودي، يسكنه طوائف دينية غير يهودية.
رابعًا: الوثيقة التنفيذية صك الانتداب 1922: الذي حول الاحتلال البريطاني لفلسطين من صيغته المباشرة إلى صيغة انتداب، وجاء في صك الانتداب الصادر عن عصبة الأمم في مادته الثانية تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي، وفقًا لما جاء بيانه في ديباجة هذا الصك وترقية مؤسسات الحكم الذاتي وتكون مسؤولة أيضًا عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بقطع النظر عن الجنس والدين.

بذلك، شطب شعب فلسطين فهم سكان في فلسطين فقط؛ وأصبح وعد بلفور وثيقة دولية، ومنح بريطانيا شرعية اتّخاذ كلّ الخطوات التي تراها مناسبة من أجل تحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود”.

أما الوثيقة الخامسة – بحسب محدثنا – فهي الوثيقة التحويلية الثانية تقسيم لجنة بيل 1937 إذ جاءت لجنة بيل إلى فلسطين في خضم ثورة 1936 وأوصت في تقريرها النهائي بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. وكانت بذلك أول هيئة بريطانية تقر رسميًا فكرة قيام دولة يهودية في فلسطين بدلًا من فكرة وطن قومي لم ينفذ.

وقال: “إن تقسيم لجنة بيل جاء نتيجة لاختلاف المواقف من حوله، لكن خريطته استُخدِمت أساسًأ لخريطة التقسيم التي وافقت عليها الأمم المتحدة سنة 1947. منتج هذه الوثائق: هي: قيام الدولة القطرية العربية (التجزئة). وقيام دولة “إسرائيل”. وشطب فلسطين (الاحتلال). وفي ضوء ذلك تتحدد كلّ مهام حركة التحرر العربية وتتلخص في الوحدة والخروج من التبعية وتحرير فلسطين”. ويوضح بالقول: “وتتبدى أهمية هذه المهام في اللحظة الراهنة عندما نجد بنيامين نتنياهو يتحدّث عن إعادة بناء الشرق الأوسط، ذلك يعني هيمنة الكيان الصهيوني على الدولة القطرية العربية وتأييد احتلال فلسطين”.
وقال: “إن الوعي بهذه المسألة يسمح برسم البرامج وتحديد المهام والأدوار في معركة طوفان الأقصى لتعزيز إنجازاتها ودرء التحديات التي تواجهها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *